أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الزحف الأخضر في بضع سنين

الشيخ كمال خطيب
قبيل مطلع كل عام جديد فإننا نسمع أن نقرأ بعض أدعياء التنجيم والعرافين الذي يملؤون الصحف وتزدحم بهم شاشات القنوات الفضائية وهم يهرّجون ويخرصون عن أحداث ستقع في العام الجديد على شاكلة موت زعيم كبير في المنطقة، أو فوز فلان في الانتخابات الرئاسية، أو هزّة أرضية مدمرة ستقع في المنطقة الفلانية، أو ركود اقتصادي ستشهده الأسواق المالية، وغير ذلك الكثير من أمثلة التخريص التي ليست لها أي مقوّمات ولا ترتكز على أية أسس علمية، أو معرفية أو شرعية. فليس على نهج العرّافين ولا على طريقة قارئي الأبراج من المهرجين سأكتب، وإنما على منهجية القرآن والسنة، وقراءة الواقع ومراجعة التاريخ . فإنني سأكتب عن المستقبل وكيف أرى وأتوقع الأحداث وتداعياتها.

بانتظار الموجة الثالثة
في مثل هذه الأيام من شهر كانون الثاني من العام 2001 كانت ثورة الشعب التونسي، وهي شرارة ثورات الربيع العربي في موجته الأولى التي كانت في أوج عنفوانها من أجل اسقاط نظام الفاسد الطاغية زين العابدين بن علي وهو ما كان يوم 14/1/2011 ثم أسقطت نفس الموجة طاغية مصر حسني مبارك يوم 25/1/2011 وأتبعته بالقذافي في ليبيا، ولاحقا بطاغية اليمن علي عبدالله صالح، وكادت أن تسقط طاغية سوريا بشار الأسد لولا تدخل إيران وميليشياتها الطائفية، واحتلال روسيا للأراضي السورية، وارتكاب مجازر بحق الشعب السوري التي ما تزال مستمرة حتى الساعة بما يجري في منطقة إدلب في الشمال السوري.
ثم لقد قامت الثورات المضادة، وفعلت الأفاعيل من الكيد والتآمر الذي تمثل بالانقلاب على الرئيس الشرعي في مصر الشهيد محمد مرسي. ثم إشعال نار الفتنة في ليبيا واليمن سعيا لاجهاض ووأد أي تحرك للشعوب المقهورة حتى كانت الموجة الثانية من موجات الربيع العربي بما تشهد العراق الآن ولبنان والجزائر مع استمرار وسعي الشعب اليمني والليبي والمصري والسوري في سبيل التحرر من الطواغيت رغم التدخلات الدولية السافرة، ورغم دعم أنظمة عربية متهالكة لهؤلاء الطواغيت خوفا وهلعا من انتقال عدوى التوسلات إلى شعوبهم وبلدانهم.
إنها إذا الموجة الأولى من موجات الربيع العربي من عام 2011، ثم الموجة الثانية من العام 2019، وها نحن بين يدي إرهاصات الموجة الثالثة من موجات الربيع العربي، نعم إنها الموجة الثالثة ليس فقط أنها ستكمل ما بدأت به سابقتيها الأولى والثانية، لكنها التي ستأتي على رؤوس الشر من الذين تآمروا على شعوبهم في الموجة الأولى والثانية . لن أتردد بالقول أن الدور القادم والقريب لبداية الموجة الثالثة لن تكون إلا في السعودية حيث ستكون الأخيرة بإذن الله، وستطيح بآخر أوكار الفساد والظلم والتآمر على دين الإسلام وعلى شعوب المنطقة.
صحيح أن ذلك بدأ يظهر بالتصريحات والمواقف الرافضة لسياسات بن سلمان، وظلم حاشيته، لكن ما سيتبعها أكثر من ذلك تماما كما حذر “نصر بن سيار” الأمويين من ثورة ضدهم في خرسان، حين لمح هو بدايات شررها في الكلام والمواقف فقال:

أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكَى وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يُطفِها عقلاء قوم يكون وقودها جثثٌ وهام
فقلت من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام؟؟

إنها إرهاصات ووميض الموجة الثالثة والأخيرة بإذن الله من ثورات الربيع العربي، ستطيح بآخر أوكار الفساد والظلم والتآمر على الإسلام وعلى شعوب المنطقة، وسيعضّ آل سعود وآل زايد وأشباههم أصابع الندم، ويقول القائل: أأيقاظ آل سعود، أم نيام؟!

الشتاء القارس
ها نحن في ذروة فصل الشتاء، وفي مطلع عام ميلادي جديد، وكنا من قبل قد قرأنا توقعات الراصد الجوي تتحدث عن هذا الشتاء بأنه سيكون باردًا جدًا أو مثلجًا جدًا في ظل ما يطرأ من تقلبات مناخية حادة، حيث ستشهد مناطق في العالم جفافًا حادًا وحرائق، فيما تشهد مناطق أخرى، ومنها منطقتنا كما قالوا، أمطارًا وثلوجًا كثيرة . ليس عن هذا الشتاء أتحدث، وإنما عن طريقة وأسلوب التخريص في قراءة المستقبل وتوقعات المطر قبل أشهر من حلول فصل الشتاء، والتي لا تستند إلى مادة علمية، تؤكد وتثبت ذلك. فليس عن شتاء المطر أتحدث وإنما عن شتاء الثورة والفرج الذي سيأتي بعد الربيع العربي، وليس عن الشتاء الذي سيأتي بعد الخريف العربي كما أسماه بعض أعداء الشعوب من السياسيين والإعلاميين، من المطبعين والمصفقين للطواغيت.
ولقد قال وزير الحرب الإسرائيلي السابق، والصديق الحميم للمخلوع حسني مبارك، وذلك بعد اندلاع الثورة المصرية ونجاحها يوم 25 يناير، فقد قال: “إن أخشى ما أخشاه أن تتحول ثورات الربيع العربي إلى شتاء إسلامي قارس”. لقد صدق حدس وتخوف “بن اليعزر”، فلقد رأى العالم كله خيار الشعب المصري في صناديق الانتخابات باختياره محمد مرسي رئيسا له، وهو ذو التوجه الإسلامي وابن جماعة الإخوان المسلمين التي سبق وحظيت لوحدها ب47٪ من أصوات الناخبين المصريين في انتخابات مجلس الشعب، وقبل ذلك رأى العالم خيار الشعب التونسي حين اختار مرشحي حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي الحركي. ولقد رأوا جموع الثوار تخرج من المساجد، وكانت ذروة نشاطها أيام الجمعة.
إن كل المراقبين والمتابعين، ومن خلال دراسات وأبحاث، وكثيرين من الباحثين الغربيين ممن أدركوا جيدًا ووصلوا إلى قناعة استحالة اجتثاث واستئصال الصحوة الإسلامية بكافة تياراتها، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين. فهي ورغم كثير من الضربات القاسية التي تلقتها في عدد من الدول، إلا أنها سرعان ما كانت تعود وتبرعم وتزهر ثم تثمر من جديد.
إن كل هؤلاء الباحثين والمراقبين على قناعة أن الأنظمة الدكتاتورية، ومهما بلغ بطشها، فإنها في الحد الأقصى يمكنها تأخير انتصار المشروع الإسلامي وعرقلته، ولكن ليس منع انتصاره وتمكينه، لا لشيء، إلا لأنه هو الذي يمثل مشاعر وأصوات وطموحات الجماهير.
إنهم يدركون، بل يصرحون أن المسألة مسألة وقت ليس إلّا، وسرعان ما ستعود موجات الربيع العربي، ولكنها هذه المرة ستكون موجات وثورات الشتاء الإسلامي القارس جدًا على الأعداء، والدافئ جدًا على المظلومين والضعفاء.

الزحف الأخضر
لقد كانت هذه التوقعات مبكرة عند كبار الدارسين والباحثين، المنصفين منهم والكارهين. ومنذ مطلع القرن العشرين كتب البروفيسور هاملتون غيب في كتاب جبهة الإسلام: ”إن الحركات الإسلامية تتطور بسرعة مذهلة تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجارًا مفاجئًا قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها، ما يدعو إلى الريبة في أمرها. إن الحركات الإسلامية لا ينقصها إلا صلاح الدين من جديد“.
وكتب الرحّالة الألماني العنصري “بول أشمد” كتابا خاصا لقراءته لمستقبل العالم الإسلامي وعنونه ب ”الإسلام قوة الغد”. وكتب المفكر “روبر بن” في كتابه ”السيف المقدس“ حيث قال: “علينا أن ندرس العرب لنسبر أغوار أفكارهم، لأنهم حكموا العالم سابقًا، وربما عادوا لحكمه مرة أخرى، وإن الشعلة التي أضاءها محمد لا تزال مشتعلة بقوة، وهناك ما يدعو للاعتقاد بأنها لا تنطفئ”.
إنهم لا يترددون باستمرار الحديث ووصف الإسلام بالخطر الأخضر بعد أن زال الخطر الأحمر المتمثل بالشيوعية. وبعد تقاربهم مع الخطر الأصفر المتمثل بالصين فإن الخطر الوحيد القائم هو الخطر الأخضر المتمثل بالإسلام .
وإذا كان هذا تقدير الكارهين والحاقدين، فإن أصحاب الفهم الدقيق والإيمان العميق والنظرة الثاقبة من علماء المسلمين قد رأوا وتوقعوا ما رآه اولئك. فها هو الدكتور “مراد هوفمان” سفير ألمانيا في المغرب وقد دخل في الإسلام، فقال في كتابه ”الإسلام عام ٢٠٠٠“ :إن الفرصة متاحة أمام الإسلام ليصبح ديانة العالم الأولى في القرن الواحد والعشرين.
وها هو الشيخ يوسف القرضاوي يقول: ”إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن الرأسمالية، والقرن العشرون هو قرن الشيوعية، فإن القرن الواحد والعشرين هو قرن الإسلام. بل ويمكننا القول إذا كان القرن التاسع عشر هو قرن المسيحية، والقرن العشرين هو قرن اليهودية وقيام دولة اسرائيل وانتصارها على بضع وعشرين دولة عربية، وبضع وخمسين دولة إسلامية، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام.
كما يقول القرضاوي في موضع آخر في كتابه ”المبشرات بانتصار الإسلام“: “ومن نظر في أحوال الأمم عبر التاريخ يجد شعلة الحضارة تنتقل من أمة إلى أمة، ومن يد إلى أخرى. ومن حسن ظننا أن سنة التداول }وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس}إنها تعمل معنا لا ضدنا. وكما قال الإمام حسن البنا رحمه الله “إن الدور لنا لا علينا”، فلقد كانت قيادة العالم قديمًا في يد الشرق على أيدي الحضارات الفرعونية والآشورية والبابلية والفارسية والهندية والصينية، ثم انتقلت إلى الغرب على يد الحضارة اليونانية ذات الفلسفة الشهيرة، والرومانية ذات التشريع المعروف، ثم عادت وانتقلت قيادة العالم إلى الشرق من جديد على يد الحضارة الإسلامية، وهي الحضارة التي جمعت بين العلم والإيمان، بين الرقي المادي والسموّ الروحي، ثم غفا الشرق وغفل عن رسالته فأخذ الغرب زمام الأمور وكانت له القيادة من جديد، عبر الاستعمار الفرنسي والإنجليزي والإيطالي، ثم تبعتها الهيمنة الأمريكية. لكن الغرب لم يسترع الأمانة في قيادته للعالم، بل إنه أفلس في ميدان الروح والأخلاق وفرط في العدل وأعلى القوة على الحق، والمصالح على القيم، والمادة على الروح، والجماد على الإنسان، وكال بمكيالين في التعامل مع القضايا البشرية، فكان من سنة الله في التداول أن تنتقل الشعلة إلى غيره .ومن المفروض حسب استقراء التاريخ أن تعود للشرق مرة أخرى.
الأمر الذي أكده أيضا المؤرخ الجامعي اللبناني الماروني نبيل خليفة في محاضرته الشهيرة التي قال فيها: “إن القرن الحادي والعشرين هو قرن الإسلام بامتياز، حيث كل المؤشرات والقرائن تشير إلى أن الإسلام هو صاحب الإمكانات والقدرات للانتشار والسيادة مقابل تراجع غيره من الأديان والمناهج”.
وإنه البروفيسور اليهودي “تسڤي سيفر” أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة إنديانا بولِس الأمريكية، والمحاضر غير المقيم في جامعات إسرائيلية، حيث قال في رسالته الشهيرة لشمعون بيرس في العام 2007 و 2011 ينصحه فيها بعدم الاستمرار بمعاداة الفلسطينيين والمسلمين، بل بالتفاوض حتى مع حركة حماس والإسلاميين، لأن هذا سيبقي احتمال أن يكون لليهود قطعة أرض لهم فيها حكم ذاتي في داخل حدود الإمبراطورية الإسلامية التي ستحكم العالم قريبا.
وإنه الصحفي الأمريكي “جو شيا” في رسالته الشهيرة للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في العام 2010، وكانت بعنون ”الحرب ضد الخلافة“ ينصحه فيها ليس بإعلان الحرب على الإسلام، وإنما الدخول في مفاوضات معه، لأن دولة الخلافة الإسلامية الخامسة قادمة لا محالة، وهو يقصد الخامسة بعد دولة الخلفاء الراشدين، ثم الأمويين والعباسيين والعثمانيين .
وإنه البروفيسور والمؤرخ الإسرائيلي بيني موريس، الذي قال في مقابلة له مع صحيفة هآرتس العبرية يوم 11/1/2019 أن المستقبل في المنطقة هو للإسلام، وإن الإسرائيليين سوف يصبحون أقليّة مطاردة. وصاحب الحظ منهم من يستطيع الهروب إلى أمريكا وأوروبا.
وسيصدق فيهم قول الشاعر:
ألا استعـدّوا ويـومُ الـنصر مـوعـدنا
وأكْـثِروا البذْر لا تخْـشـوْا ولا تـذروا
وعمقوا الحرثَ إن الأرض منهكة
لما عراها من المكر الذي مكروا
غدا هنا نلتقي فالنصر موعدنا
نقيم للحق صرحا عمره العمر
وتشرق الشمس ملء الكون ساطعة
تدك بالنور ظلما راح يستتر
وتنتشي أمتي من بعد محنتها
ويهتف الغضن للعلياء والحجر
قولوا لمن مكروا إنـّا سننتصر
فأدركوا الحق أو موتوا أو انتحروا

في بضع سنين

في أوج وذروة الظلم الذي وقع على المسلمين في مكة المكرمة، ومطاردة مشركي قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإذ بالأخبار السيئة تصل إلى مكة بواسطة القوافل والركبان تفيد بانتصار الفرس الوثنيين، عُبّاد النار على الروم من أهل الكتاب النصارى. كان وقع تلك الأخبار عظيما على المسلمين خاصة مع مظاهر الشماتة والتشفي من كفار قريش، بل وقولهم ” لقد انتصر وظهر إخواننا من أهل فارس، على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرنّ عليكم كما ظهروا عليكم . فأنزل الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- الآيات مطلع سورة الروم 1-6 }الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المؤمنون{ إنها بضع سنوات امتدت بين ثلاث وتسع سنين بعد انتصار الفرس على الروم لتشهد الحلبة العسكرية معركة جديدة وحاسمة بعد سبع سنين انتصر فيها الروم على الفرس، وقد فرح المسلمون بذلك الانتصار تحقيقا للوعد الإلهي.
إنه ووفق منطق القرآن الكريم، ووفق السيرة الشريفة، ومن خلال قراءة التاريخ، والتمعن فيما يحدث على أرض الواقع في بلاد العرب والمسلمين، ورغم صعوبة الظرف وسطوة الأعداء، وخيانة الزعماء وضلالة العلماء. إلا أننا بين يدي أحداث جسام فيها وبعدها سيتبدل الحال بإذن الله تعالى. وستكون الصولة والجولة للإسلام والمسلمين وترى الدنيا كل الدنيا جموع الزحف الأخضر المبارك.
إنها بضع سنين بإذن الله، إن لم يكن أقل من ذلك، فيها سيفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء. إنه وعد الله وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا
رحم الله قارئ دعا لنفسه، ولي ولوالدي بالمغفرة،
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى