أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

على هامش انتخابات ثالثة “البيبية”

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
على هامش الانتخابات الثالثة للكنيست تتجلى معالم انتخابات شرسة قادمة داخل المجتمع الإسرائيلي، سيفقد فيها جمهور الناخبين الاسرائيليين كل الضوابط وستكون هذه الانتخابات حربا على الصوت. تتكشف معالم أولية لهذه الصورة في ظل التحركات السياسية الجارية داخل كتلة اليمين بقيادة الليكود وبشكل أدق بقيادة نتنياهو، مع وضوح لتعقيدات هذا التكتل ضمن منطقي المصالح والمفاسد المرافقة لهذه الانتخابات.
بطل فيلم الانتخابات الثالثة بدون منازع هو نتنياهو، وبدرجة أقل ليبرمان، ولكلاهما أجندات خاصة تبدأ من المصالح الشخصية، وتنتهي بجدل العلاقة القائم بين الدين والدولة في المجتمع الاسرائيلي في ظل تبدل هويته نحو تدين مصبوغ بعلمنة ذات مذاق اسرائيلي يسمح للجمع بين مصالح التيار الحاريدي، والآخر الديني الصهيوني والعلماني اليميني على النسق الجابوتنسكي الفاشي، وفي ظل هذا الوضع المذكور تتعالى أصوات قيادات اليمين الجديد “شاكيد/ بينيت” مطالبة بإعادة النظر في مجمل العلاقات المتعلقة بالدين والدولة داخل المؤسسة والمجتمع الإسرائيلي، وقد طالبا يوم الأربعاء المنصرم، بتسلم وزارة الاديان كشرط للانضمام إلى حكومة نتنياهو القادمة، وتطبيق سياسات تتعلق بإقامة شراكة كاملة وعلى قدم المساواة بين العلمانيين والقطاعات الدينية، وذلك كمحاولة داخل اليمين للحفاظ على الاصوات بعد الدمج الذي حصل بين “عوتسماه يهوديت” وريثة الكهانية، و”البيت اليهودي” وريثة بعض ما تبقى من المفدال التاريخي، ومن المتوقع انضمام حزب “نوعم” حزب حاريدي قومي، في الوقت ذاته تأتي هذه الخطوة من الثنائي شاكيد-بينيت ضمن منظومة التحولات الجارية داخل المجتمع الاسرائيلي عموما وقطاعاته اليمينية تحديدا، إذ في ظل غياب اليسار الذي تآكل عمليا منذ دفن أوسلو، فإن نار اليمين ستأكل حطب أعضائها، ولذلك شُرِعت سكاكين اليمين.
والمستقبل المنظور سيكون بين تكتلات كبرى داخل معسكر اليمين الديني الصهيوني، أو تشرذم كما حصل في اليسار الاسرائيلي، وفي كل الاحوال فإنَّ اليمين اليوم يقطف ثمار ما زرعه في الأمس.
هذا كله يحدث كمؤشر للتحولات الجارية داخل اليمين الإسرائيلي، حيث تتجه مجموعته السياسية المجتمعية نحو تشدد أكثر وتطرف أسوأ، ولعل في أعمال المستوطنين وبعض المتطرفين تجاه الفلسطيني وكيفية التعامل معها حكوميا وأمنيا، بيان لحجم التطرف والفاشية داخل المؤسسات الحاكمة، وبالتالي فمنظومات الحكم الاسرائيلية تتبدل بسرعة نحو فاشية تتجاوز النمط الفاشي التاريخي لتغلفه بفلسفات البراغماتية الليبرالية التي تدثرت بالقومية، كما هو الحال في بعض حكومات أوروبا، وما إدارة ترامب إلا الأنموذج القوي لإسرائيل الدولة والشعب والمؤسسة.
البيبيبة: مرض عضال
هذا الذي ذكرت له علاقة وطيدة بسياسات نتنياهو اتجاه الداخل الاسرائيلي والداخل الفلسطيني وعموم المجتمع الإسرائيلي، فهو الداعي والداعم لهذه السياسات: سياسات حافة الهاوية، فمن أجل بقائه في السلطة مستعد لتحويل المجتمع الاسرائيلي إلى القبائل التي تحدث عنها رئيس الدولة ريفلين، ومستعد لإغراق المجتمع الاسرائيلي في خلافات تحقق له أكبر قدر من المكسب السلطوي، فعين نتنياهو على رئاسة الحكومة ومن أجلها مستعد لكل عمل، ولذلك أبرز بعضا من عنصريته وكراهيته لنا كعرب وكفلسطينيين وكمسلمين، وطبعا لليسار الاسرائيلي الذي أسس الدولة وبفضل سياساته وصل الى ما وصل اليه. وهو إذ يحرَّض بشكل لافت وسافر على اليسار الاسرائيلي لا يهمه النتائج ولو وصلت الى ما وصلت إليه أيام رابين، ولعل التحريض على المدعي العام الذي هو ابن المدرسة الدينية الصهيونية، وتحريضه على مؤسسات القضاء وجهاز الشرطة، يبين أولا مدى سطوته وقوته، وأنه يقاتل، بل هو أكثر قوة من هذه الاجهزة والاجسام، وبذلك ندخل عصر “بن غريون” مجددا ولكن تحت لافتات الفلسفة الذرائعية بسياقاتها النفعية والفاشية بسياقاتها القومية والشعبوية بسياقاتها الفوضوية.
وهكذا يكون نتنياهو قد دشن إسرائيل الثانية أيديولوجيا، بعد أن دفن رسميا إسرائيل الاولى التي أسسها بن غوريون، ومضى على خطواته كل الرؤساء من بعده بغض النظر عن هوياتهم الأيديولوجية، فقد جاء نتنياهو الامريكي المنتج “المصنوع أمريكيا” ببضاعة طوت صفحات الماضي، ويؤسس لمرحلة جديدة ستكون بصماته عليها في كل قسمات السياسة والاجتماعية والمجتمعية الإسرائيلية، فالبيبية شعارها الأنا ومداها شعب الله المختار ومآلاتها المجد الشخصي، فهو يعتبر كل من ليس معه فهم ضده على غرار العقل الاستبدادي الحاكم في منطقتنا، فنتنياهو مصاب بمرض العظمة ولقد منحه كبار أعضاء حزبه هذا الشعور فضلا عن “البيببستيم” الذين يعتبرونه الزعيم الأوحد الذي بإمكانه منح اسرائيل القوة والاحترام والعظمة، ولذلك تُغفر له كل أعماله ومساوئه، إذ لا مجال للمقارنة بين ما يقدمه للدولة والشعب وما يستفيد منه شخصيا ولو على حساب المؤسسة التي يحكمها، ففي عصر نتنياهو تتبدل القيم والاخلاق والطروحات وفي عصر العولمة والسايبر وأدوات التواصل حيث يتسيد الموقف اصحاب اللايكات، لا مكان للتفكير العميق بل المكان لأولئك الذين يعيشون على آثار تلكم الصفحات خاصة من أجيال الشباب الذي بالكاد يعرف شيئا عن تأسيس الدولة وقياداتها وتطوراتها الفكرية والفلسفية، وكيف آلت الى الأنموذج البيبي المليح الشخصية، المهندم اللباس المتقن للإنجليزية باللكنة الامريكية وحبيب طغاة العرب.
يحرث نتنياهو البلاد طولا وعرضا لسحق نظيره المنافس له داخل حزبه جدعون ساعر، فنتنياهو الذي تربطه علاقات مع كل القيادات الفاسدة في عالمنا العربي لا يقل عنهم سوءا، فهم مستبدون وواضح انه نقل هذه التجربة الى حيز حزبه والى مجتمعه وقد بات مثله كمثل العشرات من المستبدين يتبدى نظريات ويعمل على تطبيقها او الترويج لها، كما الحالة الايرانية والاستعداء لنا في الداخل الفلسطيني وبسياساته التحريضية يكون مثله كمثل الطغاة الذين سبقوه وأوجدوا نظريات خاصة بهم.
نتنياهو يستفرد بالعديد من الليكوديين المتطرفين ممن يسمون البيبيون ويقوم بتحريضهم على منافسه داخل الحزب ومن يعارضه من اعضاء الليكود رغم توقعات فوزه الساحق عليه (كتب المقال صبيحة أمس الخميس)، فإنه يفرض سياسات الاستحواذ داخل حزبه وخارجه بما يملكه من كرازمتيه وسلطة، وهذا الاستفراد أداة من ادوات قوته وسيطرته والسؤال: هل هذا الاستفراد يكفي لقيادة اسرائيل الجديدة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى