أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

على هامش انتخابات ثالثة…التقطّب السياسي الاسرائيلي

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
هذه سلسلة من المقالات سأتناول فيها حالة التقطب التي تجتاح المجتمع الاسرائيلي والدولة على حد سواء، في مختلف القضايا وسأعمل من خلال هذه المقالات على طرح تصور أُقارب فيه راهن ومستقبل المؤسسة الإسرائيلية، باعتبارها عمليا التجلي الأكبر لنجاح الفكرة الصهيونية، وذلك من خلال محاولات فهم أعمق لمعنى وجدوى انتخابات ثالثة، وقد تكون رابعة في إسرائيل في غضون أقل من عام ونصف العام، وهو ما يعني شلل الدولة ولو ظاهريا، وتداعيات ذلك على المجتمعين الاسرائيلي والعربي/ الداخل الفلسطيني.
تنطلق هذه المقالات من خمسة حقائق تميز المؤسسة الإسرائيلية، فهي دولة ديموقراطية ذات تعددية سياسية تعمل في نظامها الانتخابي وفقا للطريقة النسبية، وتتعاطى على أساس من فصل بين المؤسسات السيادية الثلاثة: القضاء والسياسي والعسكري- الأمني وفي الوقت ذاته تخدم هذه السلطات الثلاثة الدولة بالمطلق، وهي دولة يهودية ديموقراطية ووضح ذلك نهائيا وفقا لقانون القومية الأخير حيث جاهرت بتقديم هويتها الدينية وقدمت القسمات اليهودية بشقيها السياسي والديني على السياسي العلماني-الديموقراطي، وهذا التقديم ليس محل نقاش بين كافة القوى السياسية المركزية الاسرائيلية وإسرائيل هي الدولة الوحيدة المنتسبة لمنظومة الديموقراطيات الغربية التي تُعَلِم الدين في مدارسها وتعتبره من منظومتها التعليمية والتربوية.
وتعتمد اسرائيل في وجودها على الولايات المتحدة كحليف استراتيجي تماما كما اعتمدت على الانتداب البريطاني كحليف استراتيجي لقيامها.
صراعات لا تتوقف
عمليا، شهدت الحركة الصهيونية قبل ميلاد إسرائيل صراعا حادا بين مكوناتها الثلاثة من الناحية الفكرية، التيار العلماني الصهيوني العمالي، والتيار الصهيوني التنقيحي، والتيار الديني الصهيوني.
وهذا الصراع لا يزال ممتدا الى هذه اللحظات وسيرافقها ما دامت قائمة فإسرائيل قامت على أساس أيديولوجي، والسياسة تُسَخَرُ من أجل الايديولوجيا ولذلك كانت مقولة إن الساسة في اسرائيل مسخرون يسخرون السياسة لتحقيق قيم أيديولوجية صحيحة، ولعل متابعات متواضعة لتطورات وصيرورات فكر نتنياهو توضح ذلك، فالبرجماتية البنغريونية وبرجماتية نتنياهو جاءتا لتحقيق قناعات القناعات الأيديولوجية بإعتباها الخادم الحقيقي للدولة ولبقائها.
اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على قيام إسرائيل يتقدم المشهد السياسي خليط من هذه التيارات، ويكاد يكون قد اختلط الحابل بالنابل في سياق قراءات العلاقة بين السياسة والايديولوجيا في السياسة الإسرائيلية، وعمليا يمكن القول إن السياسة الاسرائيلية عموما ما زالت تخدم الأجندات الأيديولوجية، وهذا أحد تجليات الصراع القائم حاليا بين دعاة فصل الدين عن الدولة، كما يتضح من طروحات ليبرمان آخر معاقل العلمانية الصهيونية التجريدية، ويمكن القول ولو بتسرع “ما” إننا أمام مرحلة جديدة من مثل هذه الصراعات التي لن تتوقف وستكون مظهرا سياسيا ثابتا في السنوات المقبلة، وبالتالي فهذه الانتخابات إفراز طبيعي لمثل هذه الحالة المستعصية من تسخير السياسة للأيديولوجيا.
منذ عام 1948 وحتى عام 1977، قاد البلاد حزب المباي مكمل طريق الهستدروت الصهيونية التي على أكتافها قامت إسرائيل، وعمل آنذاك بن غوريون كل ما في وسعه على تحييد وتغييب الحركة الصهيونية التنقيحية عن المشهد السياسي خلال سني حكم تياره الصهيوني، وكانت الحركة التصحيحية قد انفصلت عن الهستدروت الصهيونية عام 1934، وذلك بعد فشل المفاوضات السرية بين الجانبين، بين بن غوريون وجابوتنسكي رغم توقيعهما على ثلاثة اتفاقيات عُرِفَت باتفاقيات لندن، ولكنْ على أرض الواقع هناك من سعى لعدم تطبيق وتنفيذ هذه الاتفاقيات وهو ما حجَّم وحاصر دور الحركة التصحيحية في بناء إسرائيل في تلكم السنوات، وأزعم أنَّ من الاسباب المباشرة لهذا التحجيم قناعة جابوتنسكي آنذاك بضرورة قيام اسرائيل ولو كدولة ثنائية القومية، فقناعات جابوتنسكي كما يتضح من طروحاته كانت العمل على تأسيس دولة ثنائية القومية برسم وجود شعب عربي فلسطيني على “أرض اسرائيل” يقول جابوتنسكي في عام 1926 “من الناحية القانونية، فإن مستقبل فلسطين يجب أن يترسخ كـ “دولة ثنائية القومية”… وأي دولة توجد فيها أقلية قومية، مهما كانت صغيرة، عليها– بموجب إيماني العميق للغاية – أن تلائم مؤسساتها القانونية مع هذه الحقيقة وتحويلها إلى دولة ثنائية، ثلاثية أو رباعية القومية”. وهذا ما يرفضه بن غوريون جملة وتفصيلا، فقد آمن الرجل كما يتضح من طروحاته في مؤتمر الحركة الصهيونية للعام 1937 بحق قيام اسرائيل والتعامل مع العرب كأقلية تحت الحكم الاسرائيلي حيث يقول “لم ولن يكون لدينا أبدًا أي شك في حتمية وحدة أرض “إسرائيل” ولا في علاقتنا وحقنا بها كاملة، ومن اللازم أن نؤكد من على منصتنا الصهيونيّة هذه أنْ لا تنازل عن أي جزء من هذه الأرض. وحدة أرض “إسرائيل” في هذا الوقت للأسف ليست حقيقة سياسيّة. على مدار أجيال لم تكن حقيقة سياسيّة، فالأرض مُجزّئة وممزقّة لأربعة أجزاء: شماليّة، شرقيّة- شماليّة، شرقيّة-جنوبيّة، جنوبيّة. لكن في المكان الأكثر وفاءً- في قلب الشعب اليهودي- وحدة هذه الأرض منقوشة بأحرف سرمديةٍ لا تزول… العرب سُكان أرض “إسرائيل” هم فقط نسبة قليلة وغير مهمّة من مجمل الشعوب العربيّة. إعادة إحياء الوطن العبري في ارض اسرائيل لا يهدّد استقلال الأمّم العربيّة في أوطانها ولا يهدّد وجود العرب القلائل سُكان هذه الأرض. فمن منظور أخلاقيّ وسياسيّ وسكانِّي واقعي ليس هنالك تناقض بين إقامة دولة إسرائيل واحتضانها لجموع الإسرائيليين- الراغبين والمحتاجين للانتقال إليها- واستمرار الوجود العربي والحفاظ على حقوق العرب من ساكني هذه الأرض. نحن نسعى لاستعادة وطننا من جديد، ولا نحتلّ أرض الآخرين. من العبث الاستمرار في هذا الجدل السياسي العقيم المتعلق بقضية العرب، فقد نال أكثر من حقه بكثير/ المصدر: موقع العساس”.
حكم بالتناوب
منذ قيام إسرائيل عام 1948 والى هذه اللحظات تناوب على حكم البلاد الحزبين الكبيرين مع تغييرات طفيفة إبان حكم شارون وتأسيسه حزب كاديما الذي سرعان ما ذاب وعادت الامور الى مواقعها الايديولوجية، وقد حكم الحزبان البلاد تقريبا بالتساوي فحزب العمل حكم بين سنوات 1948 و1977 ومن ثم بين سنوات 1992وحتى 1995 وعاد الى السلطة بين سنوات 1999 وحتى عام 2001 وحكم الليكود بين سنوات 1977 وحتى عام 1992 ثم عاد مجددا ليحكم بين سنوات 2002 وحتى هذه اللحظات معتبرا أن كاديما كانت وجها آخر لكلا الحزبين الكبيرين قادها شارون ومن ثم أولمرت ولذلك تُحسب على فترة الليكود.
منذ ثلاثة عقود شُرِعَ الحديث عن تغلغل التيار الديني الصهيوني إلى مفاصل الدولة كافة ومنذ أن رسَّخ بيغن العلاقة بين السياسة والدين كإطار ناظم للعلاقات البينية داخل الدولة في سياق مصالحاته مع التيار الديني الصهيوني بحكم طلائعيته الاستيطانية في بعض من أرض اسرائيل المستعادة “الضفة الغربية “، وهذا التيار يتقدم ببطء ولكن بثبات ليتحكم في بنية الدولة وهويتها ويعتبر قانون القومية انتصار هام لمبادئ وقيم هذه المجموعة، كما يعتبر إنشاء الكونغرس الصهيوني تحت رعاية جامعة بار ايلان ومنظمات صهيونية علمانية لحلحلة الصدامات الداخلية ذات النسق الايديولوجي على أساس من القيم اليهودية باعتبارها ناظمة للحياة العامة أيضا انتصارا لمبادئ هذا التيار رغم تشظيه السياسي كما يتضح في الدورات الانتخابية الأخيرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى