أخبار وتقاريردين ودنياومضات

عبودية من النوع الفاخر!!

أمية جبارين (أم البراء)

العبودية، وما أدراك ما العبودية؟! إنها ذلك الوجه المظلم القبيح من أوجه ظلم الإنسان لأخيه الإنسان على مر الزمان. وقد تمثلت العبودية تاريخيا باستعباد الأشخاص واستغلالهم كقوة عاملة (أعمال السخرة). وأوجه كثيرة من الإستعباد مثل الإتجار بالبشر وخاصة ذوي البشرة السمراء، إذ كان يتم بيعهم بسوق العبيد ويسلبوا حريتهم وحقوقهم الإنسانية كاملة ليصبحوا تابعين لأسيادهم البيض!! لذلك قامت الثورات المطالبة بتحرير العبيد خاصة في الدول الأوروبية وأمريكا التي اشتهرت بتواجد الكثيير من العبيد على أراضيها.

وبالفعل نجحت هذه الثورات في إسقاط نظام العبيد في بعض الدول بشكل كامل كأمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول أوروبا. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل فعلا انتهى عصر العبيد؟! هل فعلا نحن أحرار في اتخاذ قراراتنا؟! هل فعلا نختار ما نحب وما نكره بإرادتنا الحرة؟! هل فعلا نستطيع البوح والكشف عن معتقداتنا الدينية والفكرية بحرية؟! أترانا مسيرون أم مخيرون؟! أم أننا نعيش في عالم هو صناعة فِكرِ مرسوم سلفا لنا؟! نعم أيها السادة، فالشاهد على حالنا يقول: إننا ارتقينا من صورة العبودية المتوحشة التي تفتك بالجسد وتسبب تفشي الأمراض والأوبئة بين المستٓعبدين إلى عبودية من نوع آخر. عبودية بمستوى أرقى وأنعم!! نعاني منها ونحن مقبلون عليها بكامل إرادتنا وكأنه قد تم السيطرة على عقولنا بشكل كامل.

قد يسأل سائل: وكيف ذلك، هل هناك من يطيق العبودية ويستحسنها ويكره الحرية؟!

الجواب للأسف نعم!! فحين ينساق المرء خلف التأثيرات الجماعية المحيطة به من إعلام، ومؤثرين، وقادة، عندها -لا شعوريا- يفقد المرء عقله الواعي فيتبع الجماعة، وينتظر من الجماعة أن تفكر له، فيصبح المرء كمن لا يستطيع أن يقرر ما يريد أو ما المناسب له بشكل شخصي، بل يتماشى مع الجو العام حتى لو خالف هذا الجو معتقداته وآراءه فإنه بذلك يدخل بإرادته آلى قفص العبودية الحديثة!

وبذلك ينطبق عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. فسأل الصحابة: اليهود والنصارى؟! قال فمن).

ومن خلال هذا الحديث يتضح لنا أن هنالك من يستسيغون التبعية المطلقة رغم وضوح فسادها ومهلكتها لأنهم: إما يخافون من التفكير خارج الصندوق أو أنهم ينساقون خلف هذا الفساد!! وقد عبَّر علماء النفس عن هذا السلوك بنظرية القطيع. وقد تجسدت وترجمت هذه النظرية بهذه الحادثة: ففي عام 2005 قفز غنم من جرف مرتفع فتبعه باقي القطيع حيث قفز خلفه أكثر من 400 رأس غنم ولقوا حتفهم!! نعم هذا قد يحدث على مستوى قطيع الغنم أو على مستوى أسراب الطيور ولكنه فعليا ما يحدث على مستوى الإنسان!!! فنجد الكثير من البشر ينساق خلف المجموعة أو الجماعة أو الطائفة الملائمة لفكره، دينه، هواياته، عمله، وما إلى ذلك من مجموعات، ويسير خلفها مُسلِما لها تبعا لقوانينها حتى لو خالفت هذه القوانين قناعاته!!!

ومثال على هذه التبعية في المسارح مثلا إذا قام شخصٌ ما بالتصفيق نرى أن جميع من في المسرح يصفقون خلفه، وربما لا يعرفون السبب للتصفيق وربما يصفق بعض الحضور مع أن المشهد لم يعجبهم!! وكذلك الأمر في المباريات الرياضية. فالتبعية والتقليد الأعمى أصبح عادة، بل نهج حياة لدى أغلب الناس وعلى كل الأصعدة.

فعلى الصعيد الاقتصادي، استغلت الشركات التسويقية والإعلانية الكبرى هذه النظرية للتلاعب بعقول المستهلكين لمصلحتها، لتحقيق أرباح ضخمة.

ومثال على ذلك ما قامت به شركة ريد بول بأشهر مدن بريطانيا إذ وضعت مجموعة كبيرة من علب ريد بول الفارغة في الحاويات المنتشرة في الشوارع، وفي اليوم التالي استيقظ الناس ليجدوا جميع الحاويات تقريبا تحتوي على علب الريدبول مما أثار فضول المارة لماذا توجد هذه العلب بكثرة في الحاويات؟! ألهذه الدرجة طعمها لذيذ؟! أم أنها أصبحت مشروب الجميع؟! مما جعل الناس يشعرون بفضول لا يقاوم في تذوق هذا المشروب وتهافتوا على شراء المنتج الذي أصبح العلامة التجارية الأكثر مبيعا في الأسبوعين التاليين (نظرية القطيع)، وكذلك التدخين مع أن الجميع يعرف مدى خطورته على الصحة وأنه من المسببات للكثير من الأمراض وخاصة السرطانية، إلا أن هذه الشركات الإعلانية قامت بتسويق السجائر على أنها تزيد من قوة الأنوثة والأناقة لدى النساء إذ صوروا المرأة المدخنة على أنها أكثر ثقة بنفسها وأكثر إغراء، واستخدمت لأجل هذا التسويق العديد من النساء الجميلات وممثلات هوليود.

أمّا بالنسبة للرجال فسوقت السجائر على أنها للرجال الأقوياء واستخدمت صور لمجموعة من الرجال الذين اشتهروا بقوتهم لتغلف علب السجائر، ومن ثم أصبح رعاة البقر (الكاوبوي) رمزا قويا للترويج للسجائر وخاصة لشركة مالبورو. قس على ذلك الكثير من صور التلاعب بعقولنا والسيطرة عليها في هذه الأيام مثلا: من خلال الترندات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا فمع ظهور كل ترند يتبعه الناس فقط من أجل اتباع الجماعة (القطيع) وليشعروا أنهم يركبون موجة الحداثة، حتى لو لم تكن ذات منفعة أو فائدة لهم! ولو تعمقنا أكثر في تطبيق هذه النظرية على المجتمعات وبالذات المجتمع المسلم، لوجدنا أن هنالك ما يسمى بالمسيطرين أو المهيمنين الذين يصلون الليل بالنهار من أجل رسم خطة محكمة في سبيل السيطرة على عقولنا واستعبادها تحت مسمى الغزو الفكري الذي من خلاله يتم استعباد واحتلال العقول بعد أن فشلوا في إحتلال البلاد!!! فبعد أن فشلوا بالسيطرة على أوطاننا الإسلامية بفضل قوة العقيدة والدين لدى أبناء الأمة المسلمة من مشرقها إلى مغربها ولم يستطيعوا الصمود أمام مقاومة الشعوب المؤمنة، أخذوا على عاتقهم هدم هذه العقيدة من خلال الغزو الفكري الذي يهاجم معتقداتنا ويصفها بالتخلف والظلم لفئات معينة، وخاصة النساء. واستطاعوا من خلال هذا المدخل تشويه عقول الكثيرين من أبناء وبنات أمتنا.

نعم قد يعتقد البعض أننا نلنا حريتنا واستعدنا إرادتنا بتحرير بلداننا من براثن الاحتلال الصليبي، ولكن الواقع يقول إننا نعيش حالة من الانفصام الواقعي، فمن جهة نحن أحرار، لكن من جهة ثانية، فإننا لا نملك هذه الحرية، فنحن نعيش أشكالا مختلفة وخطيرة من الاستعباد والتبعية المتعددة، فعلى سبيل المثال، ما زالت الدول المحُرَّرة تعيش تبعا ووفقا لسياسات الدول المسيطرة. تتكلم لغتها -أي لغة الدولة المحتلة- (تونس، الجزائر، لبنان)، تبعا لاقتصادها، تبعا لمناهجها التعليمية، تبعا لوسائل إعلامها، بل وأصبح هنالك من هم من أبناء جلدتنا من يروجون لهذه التبعية وأنها المنقذ للأمة، وأن علينا أن ندخل في دائرة الحداثة ونسير مع القطيع!!

ضف إلى ذلك ظهور الجمعيات النسوية التي ما ظهرت إلا لتهدم المجتمع المسلم بواسطة المرأة التي هي عماد المجتمع، وذلك من خلال نشر الأكاذيب والافتراءات على الدين وأنه ظلم المرأة وقيد حريتها وجعلها تحت سيطرة الرجل وما إلى ذلك من أقاويل!! وفي سبيل ذلك تقوم الجمعيات الحقوقية والهيئات الأممية بدعم الجمعيات النسوية وتدعم جمعيات الشواذ والجندر من أجل هدم المجتمع المسلم تحت مسمى الحرية الشخصية. وبسبب هذا الكم الهائل من الضغط ومحاولة التأثير على عقولنا لنكون عبيدا لأفكار ومخططات الفئة المسيطرة أصاب الكثير منا انفصام في الشخصية، فشكليا نبدو أحرارا، ولكن الواقع يثبت أننا نتبع من يسيطرون على هذا العالم لا نملك حرية الرفض لأننا تحت سيطرتهم الاقتصادية والفكرية، هم يخططون ونحن ننفذ بكامل إرادتنا بعد أن تم سلب وعينا بالقوة الناعمة!! وعليه فإننا لن نتحرر من صور هذه العبودية كافة إلا بالخروج من دائرة عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وذلك عن طريق الإخلاص لعبوديتنا المطلقة لله وحسن الثقة به وعظيم التوكل عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى