شكوك لبنانية بتورط الموساد في اختطاف القيادي في حزب الله أحمد شكر

أعادت قضية اختفاء مسؤول أمني لبناني سابق في منطقة البقاع إلى الواجهة أحد أكثر الملفات الأمنية حساسية في تاريخ الصراع بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، وسط شبهات متزايدة بتورط جهاز “الموساد” في عملية اختطاف وصفت بأنها دقيقة ومحكمة التخطيط، ويرجح أنها ترتبط مباشرة بملف الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد منذ عام 1986.
وأفادت قناة “العربية” السعودية، مساء الثلاثاء، نقلا عن مصدر لبناني، بأن الأجهزة الأمنية اللبنانية تشتبه في أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) يقف خلف اختطاف مسؤول عسكري لبناني سابق يدعى أحمد شكر، أثناء تنقله في منطقة البقاع شرقي البلاد. ووفقا للمصدر نفسه، فإن السلطات اللبنانية تعتقد أن العملية على صلة مباشرة بملف الطيار الإسرائيلي رون أراد، الذي أسر على يد عناصر من حركة “أمل” الشيعية عام 1986 بعد إسقاط طائرته خلال اجتياح في جنوب لبنان.
مسار اختفاء غامض
وبحسب تقرير القناة السعودية، فإن أحمد شكر كان في طريقه من بلدته النبي شيت في شمال شرقي لبنان، وهي مسقط رأسه، متوجها إلى مدينة زحلة المجاورة، قبل أن تنقطع أخباره في ظروف غامضة. وأضاف التقرير أن التحقيقات الأولية تشير إلى احتمال أن يكون الخاطفون قد دخلوا إلى لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت قبل يومين فقط من تنفيذ العملية.
وعقب شيوع الخبر، نشرت وسائل إعلام لبنانية عدة صورة الضابط السابق، في وقت بدأت فيه الأجهزة الأمنية توسيع دائرة البحث، وسط ترجيحات بأن عملية الاختطاف نفذت خارج الأطر التقليدية، وبأسلوب استخباراتي احترافي.
استدراج استخباراتي بمشاركة أجانب
وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية تقريرا مطولا، قالت فيه إن “التحقيقات تشير إلى أن إسرائيل اختطفت ضابطا لبنانيا سابقا له صلة مباشرة بملف رون أراد”. وأوضح التقرير أن شكر “تم استدراجه من منطقة وادي البقاع في عملية استخباراتية معقدة شارك فيها مواطنان سويديان، أحدهما من أصل لبناني”.
وأشار التقرير إلى أن أحمد شكر هو قريب لفؤاد شكر، رئيس أركان “حزب الله” السابق، الذي قتل في غارة جوية إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت العام الماضي، ما يضفي بعدا أمنيا وسياسيا إضافيا على القضية.
عملية “مخطط لها بعناية”
ونقلت الصحيفة عن مصدر قانوني يشرف على التحقيقات الأولية أن شكر اختفى قبل نحو أسبوع، لافتا إلى أن الأجهزة المختصة تقوم بمراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة وتحليل المعطيات التقنية والإعلامية المتاحة. ووفق المصدر، فإن الأدلة الأولية “تشير إلى أن أحمد شكر كان ضحية عملية مخطط لها بعناية”، بدأت من بلدة النبي شيت في البقاع، وانتهت باختفائه قرب مدينة زحلة، حيث لا تزال الجهود متواصلة لتحديد مصيره.
وأشار التقرير إلى وجود روايات متضاربة حول أسباب وملابسات الاختفاء، إلا أن فرضية تورط إسرائيل “اكتسبت زخما متزايدا” في ضوء المعلومات الأولية التي ظهرت خلال مجريات التحقيق، خصوصا في ظل الشبهات التي تحيط بأشخاص غير لبنانيين يعتقد أنهم على صلة مباشرة بالحادث.
سويديان في دائرة الشبهات
وبحسب المصدر ذاته، فإن المعطيات التي جمعت من التحقيقات والمراقبة الفنية تشير إلى أن عملية الاختطاف نفذت على يد مواطنين سويديين، أحدهما من أصل لبناني، وصلا إلى بيروت قبل يومين فقط من وقوع الحادث عبر مطار بيروت الدولي.
وأضاف المصدر أن أحد المشتبه بهما غادر لبنان في اليوم نفسه الذي اختفى فيه أحمد شكر، ما يثير تساؤلات جدية حول دوره في العملية. أما الشخص الثاني، وهو من أصل لبناني، فيعتقد أنه شارك في تنفيذ العملية وبقي داخل البلاد، إذ لا تظهر سجلات المطار أو المعابر البرية والبحرية أنه غادر لبنان، “إلا إذا كان قد خرج بطريقة غير شرعية”، وفق المصدر.
ولم يستبعد المصدر احتمال تورط أطراف أخرى داخل لبنان، ساهمت في مراقبة شكر أو تهيئة الظروف المناسبة لاستدراجه وتنفيذ عملية اختطافه.
سيناريوهات مفتوحة
وتطرقت “الشرق الأوسط” إلى سيناريوهات متعددة بشأن مصير الضابط المتقاعد، تتراوح بين احتمال تصفيته جسديا، أو نقله خارج الأراضي اللبنانية. ونقل التقرير عن مصدر مطلع قوله إن “عدم وجود أي دليل مادي أو تقني يؤكد وجود شكر داخل لبنان حتى الآن يعزز فرضية تخديره ونقله إلى إسرائيل”.
وبحسب المصدر، فإن عملية النقل قد تكون نفذت جوا في إطار عملية معقدة، أو بحرا عبر قارب غادر السواحل اللبنانية، على غرار عملية اختطاف عماد أمهز، الضابط اللبناني الذي كان قياديا بارزا في “حزب الله”، واعتقل في عملية خاصة نفذتها وحدة إسرائيلية داخل الأراضي اللبنانية العام الماضي، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء اللبنانية.
تقاطع مع ملف أمني تاريخي
وتؤكد الصحيفة أن القضية لا يمكن فصلها عن “ملف أمني تاريخي بالغ الحساسية” بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي. ونقلت عن مصادر مقربة من عائلة شكر أن الضابط المفقود هو شقيق حسن شكر، الذي قتل مع ثمانية آخرين في عملية عسكرية إسرائيلية نفذت في وادي البقاع في أيار/مايو 1988.
وبحسب المعلومات، فإن حسن شكر كان مقاتلا ضمن مجموعة كان يقودها مصطفى الديراني، الذي كان ينتمي آنذاك إلى حركة “أمل” قبل انتقاله لاحقا إلى صفوف “حزب الله”. وتشير المعطيات إلى أن هذه المجموعة شاركت في أسر الطيار الإسرائيلي رون أراد عقب إسقاط طائرته في جنوب لبنان عام 1986.
من أسر “أراد” إلى اختفائه
وتذكر التقارير أن المجموعة المسلحة التي أسرت رون أراد اقتادته إلى منزل أحد أقارب عائلة شكر في بلدة النبي شيت البقاعية، قبل نقله إلى مكان مجهول، حيث انقطعت أخباره لاحقا بشكل كامل، ولا يزال مصيره مجهولا حتى اليوم.
وفي هذا السياق، أفادت قناة “الجديد” اللبنانية، الخميس الماضي، باختفاء أحمد شكر، واصفة إياه بأنه مسؤول أمني رفيع المستوى سابق في قوى الأمن العام اللبنانية. وأضافت القناة أن عائلة شكر وجهت نداء عاجلا طالبت فيه بالكشف الفوري عن مصيره، ودعت إلى تدخل رئيس الجمهورية جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، إلى جانب مسؤولين رسميين آخرين.
ملف لم يغلق منذ 39 عاما
ويعود ملف رون أراد إلى 16 تشرين الأول/أكتوبر 1986، حين اضطر هو وزميله الطيار يشاي أفيرام إلى القفز من طائرة “فانتوم” إسرائيلية بعد انفجار قنبلة داخلها خلال اجتياح جنوب لبنان. وتمكن جيش الاحتلال الإسرائيلي من إنقاذ أفيرام، بينما وقع أراد في قبضة حركة “أمل”.
وبعد نحو عام ونصف على أسره، اختفت آثار رون أراد، وسط اعتقاد إسرائيلي بأنه نقل إلى جهة أخرى، ربما إلى منظمة مسلحة مختلفة أو إلى إيران. ومنذ أكثر من 39 عاما، تواصل زوجته تامي أراد حملتها للمطالبة بكشف مصيره.



