أخبار وتقاريرمقالاتومضات

الوجه الآخر للفلسطيني.. “نوبل السويدية” و”نوبل الأمريكية” لشعب الجبّارين

الإعلامي أحمد حازم

لم أتفق دائمًا مع نهج الراحل ياسر عرفات، ولم أكن من الذين يهزّون رؤوسهم بـ”نعم” لكل ما يقوله عرفات، وكثيرًا ما كنتُ أوجه إليه سهام النقد لتصرفات سياسية له لم تعجبني (وما أكثرها) على صعيد القضية الفلسطينية، لكني أتفق معه في قوله: “نحن شعب الجبارين”.

الفلسطيني ليس هو اللاجئ فقط وليس هو “الإرهابي” فقط كما يدّعي البعض، وليس هو المقاوم الذي يدافع عن أرضه وكرامته فقط، وليس هو الذي يقاوم الاحتلال فقط. الفلسطيني له وجه آخر، وجه ثقافي حضاري بشهادة العالم: جائزة “نيوستاد” العالميّة للأدب وهي واحدة من أهمّ الجوائز الأدبيّة العالميّة تمنحها جامعة أوكلاهوما، الأمريكية ومجلة “الأدب العالمي اليوم” التي تصدر منذ 99 عاما، وهي الجائزة الأكثر أهمية بعد جائزة نوبل، ويطلق عليها “نوبل الأميركية”.

الشاعر والروائي الفلسطيني الأصل (الأردني الجنسية) إبراهيم نصر الله فاز بهذه الجائزة. فلسطيني عاش طفولته وشبابه في مخيم فلسطيني أصبح حديث العالم والخبر الرئيس لوسائل الاعلام. خبر الجائزة جاء منتصرًا لفلسطين هوية ووطنًا وشعبًا ونضالًا وثقافةً متجذّرة بعمق في مواضيع المنفى والهوية والمقاومة.

هذه الجائزة التي تُمنح كل عامين لكاتب على قيد الحياة تقديرًا لمجمل أعماله الأدبية المتميزة. تقدير كبير لعربي فلسطيني وفخر للثقافة الفلسطينية. الجائزة التي تأسست عام 1970 تذهب للمرة الأولى لكاتب يكتب بالعربية. إبراهيم نصر الله فاز بالجائزة عن روايته المترجمة للإنجليزية “زمن الخيول البيضاء”، التي تتناول جذور القضية الفلسطينية، والتي قالت عنها الناقدة والشاعرة الفلسطينية د. سلمى الخضراء الجيوسي: “إنهـا بحق الرواية التي كانت النكبة الفلسطينية تنتظرهـا ولم تحـظ بهـا من قبل”.

الفلسطيني الذي يفوز بجائزة عالمية هي جائزة بالدرجة الأولى لفلسطين والقضية الفلسطينية التي كانت السبب في نيل هذه الجائزة. نصر الله أبدع عندما روى عن فلسطين ويفتخر باهتمام العالم لأعماله ولا سيما صدور أكثر من 50 ترجمة لأعماله الشعرية والروائية، بالإنكليزية، الإيطالية، الإسبانية، البرتغالية، الدنماركية، التركية، والفارسية وغيرها من اللغات، وقدمت عن أعماله أكثر من ثمانين رسالة دكتوراه وماجستير، مما أكسبه شهرةً عالميةً كواحدٍ من أهم الأصوات في الأدب العربي المعاصر. وليس من المستبعد أن تكون جائزة “نيوستاد” الخطوة الأولى للفلسطيني نصر الله نحو جائزة نوبل كما حدث مع الأديب العالمي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من الحديث عن فلسطيني آخر (أردني الجنسية أيضًا) رفع اسم فلسطينيته عاليا ووضع على رأس العرب تاج الفخر والاعتزاز بفوزه بجائزة نوبل للكيمياء لعام 2025، إنّه الفلسطيني عمر ياغي الذي نزحت عائلته بعد نكبة عام 1948 الى الأردن، ونشأ في بيئة فقيرة في مخيم فلسطيني وأصبح فيما بعد أستاذ الكيمياء بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، وأحد أبرز رواد الكيمياء الشبكية الحديثة.

فقراء فلسطين يصلون الى القمة عالميا بشتى المجالات العلمية بجهودهم الجبارة، بينما الأنظمة العربية و”بجهودهم” التآمرية وصلوا الى الحضيض في المجالات السياسية وسقطت هذه الأنظمة في كل الامتحانات الفلسطينية، وامتحان غزة خير مثال على ذلك.

بعدما تعلم من أهله تاريخ وجغرافية فلسطين التي لم يعرفها إلاّ قراءة ولم يرها سوى على الخريطة، قرر بينه وبين نفسه أن يكون فلسطينيًا مميزًا بين أبناء جلدته. وخلال هجرة عائلته إلى الولايات المتحدة وهو في سن الخامسة عشرة، تحول من شاب لا يتقن الإنجليزية الى متفوّق أكاديميا، ليحصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء من جامعة إلينوي عام 1990. وفي منتصف التسعينيات، قاد ياغي ثورة في الكيمياء من خلال تأسيس (Reticular Chemistry) أي الشبكة الكيميائية.

لم تكن جائزة نوبل 2025، هي الأولى في حياة الفلسطيني عمر ياغي. ففي عام 2018 حصل على جائزة كافلي للكيمياء (2018)، والتي تُعدّ من أرفع الجوائز العالمية في العلوم. كما تم تصنيفه مرارا ضمن “أكثر العلماء تأثيرًا في العالم”، بفضل أكثر من 300 بحث علمي وغيرها من جوائز عديدة.

تحية احترام لعلماء شعب الجبارين أبناء المخيمات، الذين وصلوا الى العالمية من عائلة فقيرة في مخيم فلسطيني إلى قاعات الأكاديميات الأوروبية والأمريكية وأجبروا العالم على الاعتراف بعبقرية الفلسطيني. عمر ياغي وإبراهيم نصر الله وغيرهما خير مثال على ذلك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى