ترامب حشر حماس في الزاوية.. وسارع في تحقيق أهداف نتنياهو

الإعلامي أحمد حازم
هم ثلاثة فقط لا غير: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنير، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، الذين أخرجوا مقترح السلام الترامبي إلى النور.
هم الذين فصّلوا هذا الاقتراح على قياس إسرائيل، وبالتحديد لتنفيذ الأهداف التي وضعها نتنياهو بشأن الحرب على غزة.
ما عجز نتنياهو في تحقيقه في حربه على غزة، جاء الاتفاق ليحققه “بجرّة قلم”، وهذه المرة بمساعدة دول عربية وإسلامية والاتحاد الأوروبي.
لقد وضعوا حماس في زاوية ضيقة لا تستطيع الإفلات منها: فإما نعم لاقتراح السلام الترامبي، وإما اتفاق العالم ضدها.
لم يتركوا لها خيارًا.
هذا السلام المفروض بالقوة.
سمحوا لنتنياهو بإجراء تعديلات على الاقتراح، ولم يسمحوا لحماس بأي تغيير على بنود المقترح.
يقول مثل شعبي: “القِدر ما يركب إلا على ثلاث”، وهذا المثل يعني أن استقرار وثبات الأمور لا يتم إلا بتوفر ثلاثة أسس أو عناصر أساسية، وقد يُشار به إلى أهمية وجود ثلاثة أطراف في موضوع معين، وهذا ينطبق على اقتراح ترامب الأخير لإنهاء الحرب على غزة.
المعلومات المتوفرة تقول إنّ كوشنير شارك مع رئيس الوزراء البريطانيّ الأسبق توني بلير في صياغة المُقترَح الأخير الذي أبدى الرّئيس الأميركيّ تفاؤلهُ بأن يؤدّي إلى وقف الحرب.
لكنّ هذا المسار كانَ نتاجَ دراساتٍ قامَ بها توني بلير وفريق عمله مع كوشنير لكلّ المُقترحات السّابقة التي قدّمها ويتكوف من أجل صياغة مُقترحٍ من “النّقاط المُشتركة” يكونُ نهائيًا.
كوشنير وبلير، حسب المعلومات، عملا منذ شهر حزيران الماضي على صياغة المُقترَح، ثمّ عرضاه على الرّئيس الأميركيّ في اجتماعٍ عُقِدَ في البيت الأبيض وضمّ إلى جانب ترامب وبلير وكوشنير وزير الخارجيّة ماركو روبيو، وستيفن ويتكوف، وأعضاء من فريق ترامب للأمن القوميّ.
هم ثلاثة لهم تاريخ وماضٍ سيئ عربيًا، وجاؤوا الآن بثوب ملائكي كمسالمين يطرحون اقتراح سلام.
في الحقيقة اقتراح مفخخ مليء بالألغام.
كيف يمكن لنا أن نصدق ما يقوله رئيس أمريكي مثل ترامب، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وساعدها بمئات الأطنان من القنابل والصواريخ لتدمير غزة وقتل شعبها؟
كيف يمكن أن يتحول هذا الرئيس الأمريكي بين ليلة وضحاها إلى صاحب اقتراح سلام وهو الذي اقترح قبل فترة أن يجعل من غزة “ريفييرا” على الطريقة الأمريكية بعد تهجير شعبها طوعًا؟
وكيف نصدق جاريد كوشنير بدعوته لسلام آمن لغزة وللفلسطينيين، وهو صاحب المشروع التآمري “صفقة القرن”، وهو عرّاب “اتفاقيات أبراهام”؟
وكيف نصدق المجرم البريطاني توني بلير الذي دمر العراق ويأتي الآن ليدمر غزة؟
المحلل السياسي جوش بول، الذي عمل مستشارًا للأمن القومي في سلطة الائتلاف المؤقتة في العراق، ومستشارًا في قطاع الأمن لدى منسق الأمن الأمريكي لإسرائيل والأراضي الفلسطينية، قالها في مقال له في صحيفة “الغارديان” البريطانية:
“إن خطة كوشنر – بلير لغزة هي مذبحة أخلاقية وكارثة في مجال السياسة، وأن مغامرة جاريد كوشنر وتوني بلير الاستعمارية الجديدة ستكون زراعة غريبة سيرفضها الجسد”.
البيان المُشترك لوزراء خارجيّة سبع دُول عربيّة وإسلاميّة (السّعوديّة والأردن والإمارات وإندونيسيا وباكستان وتُركيا ومصر) يتحدث بلغة غير لغة صحيفة الغارديان.
هذه الدول السبع ترى إيجابية في اقتراح ترامب، إذ يرون فيه “وقفًا للحرب وخصوصًا وقف مخطّط تهجير الفلسطينيين من القطاع واحتلاله، والتأكيد على انسحاب إسرائيل منه، ووقف ضمّ الضّفّة الغربيّة، وتوحيدها مع قطاع غزّة، وتكريس مسارٍ عادلٍ للسّلام على أساس حلّ الدّولتيْن”.
ولكن كيف يمكن توحيد غزة مع الضفة الغربية ووزير الدفاع الإسرائيلي كاتس يريد إفراغها من شعبها؟
كاتس ذكر في بيان صحفي أنه يريد غزة خالية من شعبها.
فقد قال: “إنّ أي شخص يظل داخل مدينة غزة سيصنف من جانب إسرائيل إما مقاتلًا أو مؤيدًا للإرهاب”.
المعلومات المتوفرة تقول إنه طوال الأشهر الماضية لم ينقطع توني بلير عن زيارة تل أبيب لبلورة الخطّة، وأنّ الدّور المطروح لتوني بلير في غزّة يُشبه تمامًا الدّور الذي تولّاه الحاكم المدنيّ للعراق بعد إسقاط جورج بوش الابن وتوني بلير لنظام صدّام حسين عام 2003.
وفي النهاية، فإن خطة ترامب بشكل عام ليست أكثر من فخ سياسي تقدَّم كحل مقبول أمام الرأي العام، لكنها في الحقيقة – وكما قال محلل سياسي عربي – لتمرير صفقة تُلزم الأطراف العربية بأن يتحملوا عبء المواجهة المباشرة مع حماس، أو استخدامها كغطاء لإعادة ترتيب المشهد السياسي والإداري لصالح مصالح لا علاقة لها بحقوق أهل غزة وكرامتهم.
المجتمع الدولي كله تقريبًا موافق على حل الدولتين كونه الإمكانية الوحيدة لإحلال سلام دائم في المنطقة، وهذا ما يعترف به حتى العقلاء في إسرائيل.
لكن حكومة نتنياهو ترفض ذلك رفضًا باتًا، مما يدفع الكثير من المحللين عربًا وغير عرب إلى الشك في مصداقية نتنياهو والتزامه بخطة ترامب بعد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
هناك مثل شعبي يقول: “لاحق الكذاب لباب الدار”، بمعنى مسايرة الكاذب والاستماع لحديثه لمعرفة الحقيقة، على أساس أنه سيفضح نفسه بنفسه في النهاية.
ويعني ضمنيًا أن الكاذب لا يمكن أن يخفي حقيقته طويلًا، وأن الصدق سيظهر في نهاية المطاف، وهذا ما ينطبق على نتنياهو.
ننتظر ماذا سيحصل.



