السلطان عبد الحميد الثاني وأردوغان الأول وفلسطين

الإعلامي أحمد حازم
التاريخ يعيد نفسه. الامبراطورية العثمانية أو الخِلَافَةُ العُثمَانِيَّة، لها في التاريخ ستمائة عام وهي دولة إسلامية أسسها عثمان الأول، واستمرت قائمة لأكثر من 600 سنة، وبالتحديد من 27 يوليو 1299م حتى 29 أكتوبر، 1923. السلطان عبد الحميد الثاني كان آخر سلاطين الدولة العثمانية، وحاول اليهود ابتزازه للتخلي عن فلسطين لكن كافة المحاولات فشلت.
يقول مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل في مذكراته، أنه فشل ثلاث مرات في محاولاته للقاء السلطان عبد الحميد الثاني، إلاّ انه نجح في المرة الرابعة.
ولكن لماذا إصرار هرتزل على لقاء السلطان العثماني؟ والجواب يأتي على لسان هرتزل نفسه: للتخلي عن فلسطين لليهود.
وماذا فعل الصهيوني هرتزل؟ قدّم للسلطان عبد الحميد الثاني ستة عروض مغرية جدا يسيل لها لعاب كل حاكم عربي، لكن السلطان عبد الحميد الثاني -رحمه الله- رفضها جملة وتفصيلا ولم يهتم بها، الأمر الذي يعكس عظمة هذا الرجل وموقفه المبدئي تجاه فلسطين.
فما هي هذه العروض المغرية:
150 مليون ليرة إنجليزية رشوة خاصة للسلطان عبد الحميد الثاني، سداد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة 33 مليون ليرة إنجليزية ذهبية، بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية بتكاليف قدرها 120 مليون فرنك ذهبي، قرض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية دون فوائد لإنعاش مالية الدولة، بناء جامعة عثمانية إسلامية في القدس وآخرها تهدئة الأوضاع في الغرب حول قضية اضطهاد العثمانيين للأرمن والتي أثيرت في فرنسا وإنجلترا.
وماذا كان ردّ السلطان عبد الحميد الثاني؟ نظر إلى كل هذه العروض وقال: “على تيودور هرتزل ألا يتقدم خطوة واحدة أخرى في هذا الشأن، لا أستطيع بيع بوصة واحدة من البلد لأنه ليس ملكي”.
ويقول التاريخ إنه طرد هرتزل ورفض مقابلته مرة أخرى رفضًا تامًا.
صحيح أن الدولة العثمانية انتهت، لكن أحفاد السلطان عبد الحميد الثاني في تركيا وريثة الخلافة العثمانية، أخرجت رجالًا لا يقلون أهمية عن سابقيهم.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان له مواقف عديدة في هذا الشأن، وهذا ليس دفاعا عن أردوغان فهو ليس بحاجة لي أو لغيري للدفاع عنه.
أردوغان، حرص دائما على جعل القضية الفلسطينية محورا رئيسيا في سياسته الخارجية ولا سيما في خطاباته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويشدد على دعم تركيا لرؤية حل الدولتين، وهو الذي قال ذات يوم: “يجب احترام هوية القدس التاريخية، وصون قدسية الحرم الشريف، ووقف الاستيطان، وضمان أمن الفلسطينيين”.
نتنياهو غاضب جدا من أردوغان وهذا ليس بجديد على بيبي، لأن كل ما يفعله أردوغان على الصعيد الفلسطيني يغضب نتنياهو. لكن غضبه الحالي من أردوغان بسبب نقش تاريخي يسمى “نقش سلوان” أو “نقش شيلواح”، وهو محفوظ حاليا في متحف إسطنبول.
وقد رفض الرئيس التركي تسليمه لإسرائيل وأفهم نتنياهو ان تركيا لن تسلم إسرائيل أبدا هذا النقش الأثري التاريخ، الذي عثر عليه في نفق تحت القدس خلال العهد العثماني بقوله: “لن نعطيكم حجرًا واحدًا من القدس ولن نعطي حتى حصاة واحدة تعود للقدس الشريف”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يسعى فيها نتنياهو لاستعادة النقش. فقد كشف نتنياهو انه حاول استعادة هذه القطعة الأثرية عام 1998، عندما كان اردوغان رئيسا لبلدية إسطنبول لكن أردوغان رفض ذلك رفضا قاطعا، باعتبار هذه القطعة الأثرية “أمانة أجدادنا”.
أردوغان أسمع نتنياهو ما لم يسمعه من حاكم عربي بقوله: “القدس هي شرف وكرامة وعزة للمسلمين وللإنسانية جمعاء”.
تصوروا الوقاحة التي يتميز بها نتنياهو. فهو لم يفهم أن رفض أردوغان تسليم النقش الأثري هو موقف سياسي للدولة التركية، ورغم ذلك حاول أيضا عام 1998 مع رئيس الوزراء التركي مسعود يلماظ، واعترف نتنياهو بأنه عرض عليه ثروة من القطع الأثرية العثمانية مقابل نقش سلوان. وروى نتنياهو: “قلت ليلماظ لدينا آلاف القطع الأثرية العثمانية في متاحفنا لنتبادلها. أجاب: لا أنا آسف، لا أستطيع. قلت له: خذوا جميع القطع الأثرية من متاحفنا. فقال: لا، لا أستطيع”.
فما قصة هذا النقش الأثري؟ تقول المعلومات المتوفرة إن هذا النقش اكتشف في أواخر القرن التاسع عشر داخل نفق سلوان، وهو قناة مائية قديمة تقع تحت القدس.
وعُثر على اللوح الحجري الجيري الذي يصف كيفية بناء النفق عام 1880 عندما كانت القدس جزءا من الإمبراطورية العثمانية، حيث نُقل إلى القسطنطينية، (إسطنبول حاليا) وبقي هناك منذ ذلك الحين.
السلطان عبد الحميد الثاني (العثماني) لم يتخل عن فلسطين والرئيس رجب أردوغان (التركي) لم يتخل حتى عن قطعة أثرية من القدس، بينما الحكام العرب تخلوا عن فلسطين وقدسها. الرجال مواقف.



