حقيقة خلفية النشاط السعودي لحل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطينية

الإعلامي أحمد حازم
التاريخ القديم لآل سعود هو تاريخ دموي، اعتمد على سياسة الحديد والنار، وهو تاريخ ارتبط منذ بداياته بعلاقات تبعية للاستعمار البريطاني للوطن العربي وأجزاء كبيرة من العالم الإسلامي.
الوثائق التاريخية البريطانية السّرية تشير إلى أنَّ الهدف الأول لبريطانيا في شبه الجزيرة والمنطقة العربية بصفة عامة هو تكوين الكيان السعودي على حساب سكان المنطقة، وإن الهدف الثاني هو إنشاء الكيان الإسرائيلي فوق أرض فلسطين، وربما هو الأمر الذي يفسّر سرّ العلاقة الوثيقة بين دولة آل سعود ودولة إسرائيل بوصفهما صنيعة بريطانية.
المصادر التاريخية تؤكد أنَّ كل القبائل العربية في شبه الجزيرة العربية وخارجها لم تسلم من البطش والتنكيل السعودي، مما يؤكد أن عائلة آل سعود عائلة غريبة عن المنطقة، بل إن كل المذاهب لم تسلم من مذابح ومجازر آل سعود.
في عام 1924 وكما يقول التاريخ، زحف عبد العزيز آل سعود على منطقة الحجاز وتمكن من احتلالها بمساعدة القوات البريطانية وعبثوا بالمناطق والأماكن المقدسة وخربوا قبور الصحابة وشوهوا المعالم الإسلامية بها. وبمساعدة الانجليز أجبروا شريف مكة الحسين على التنازل عن الملك، واحتلوا مكة ثمَّ احتلوا المدينة المنورة في عام 1925.
وفي عام 1932 أطلق رسميًا على المنطقة التي يحكمها عبد العزيز آل سعود اسم (المملكة العربية السعودية) في أكبر عملية سطو في التاريخ على أرض وشعب تمت سعودته بقوة الحديد والنار والقهر السعودي. والتاريخ الحديث للسعودية ليس أحسن حالًا من القديم. فكل فترة ملوك آل سعود تتضمن الكثير من البقع السوداء من مؤامرات وتواطؤ وخنوع والتي لا يمكن إزالتها بسهولة.
المعروف لدى الشعب العربي بشكل عام أنَّ النظام السعودي هو نظام تآمري يعمل ضد المصلحة الوطنية للشعب العربي.
وكان يُنظر إلى السعودية على أنها مفرطة بالقضية الفلسطينية: ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحاول محو هذه البقع السوداء بطرق مختلفة. ومن أجل ذلك، ركز على حلّ الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
والسؤال المطروح لماذا هذا التركيز وهل له خلفية معينة؟ بعض الخبراء يرون أن خطوات السعودية الأخيرة في الأمم المتحدة ليست سوى وسيلة لتصحيح تلك الصورة السلبية في العالمين العربي والإسلامي. إذًا توجد مصلحة سياسية سعودية.
محللون يرون أن السعودية “مستعجلة في حل الدولتين لتفتح الطريق للتطبيع مع إسرائيل علانية. لكن المحلل السعودي عزيز الغشيان المحلل في مركز أبحاث “منتدى الخليج الدولي” الذي يوجد مقره في واشنطن، ينفي ذلك ويعترف في تحليل له في مجلة “القاهرة للشؤون العالمية”، بأن “استعداد السعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل ليس أمرًا جديدًا، وهو في الواقع يعود إلى أواخر الستينيات”.
ولكن ماذا تستهدف السعودية إذًا من وراء الحملة الدولية للاعتراف بدولة فلسطينية؟ فهل للأمر دوافع تحركها سياستها الخارجية التي تخدم مصالحها الخاصة أم إنها خدعة دعائية لتلميع صورة السعودية على حساب القضية الفلسطينية؟
في سبتمبر/ أيلول 2024، أعلنت السعودية، بالاشتراك مع النرويج، عن إطلاق “التحالف العالمي لتفعيل حل الدولتين”، وعُقد أول اجتماع له في الرياض. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2024، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأنَ حل الدولتين يحل المشاكل بين إسرائيل والفلسطينيين.
ممثلون عن 125 دولة أعضاء في الأمم المتحدة، شاركوا مؤخرا في اجتماع نيويورك، حول حل الدولتين والذي دعت اليه السعودية وفرنسا أسفر عن وثيقة “إعلان نيويورك”، وقّعتها جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي وحوالي 17 دولة أخرى.
لكن ليس مهما حجم المشاركة، بل المهم هو النتيجة. فما هي النتيجة الإيجابية لهذا المؤتمر؟ هل امتثلت اسرائيل لوثيقة المؤتمر؟ بالطبع لا. كريستيان كوتس أولريشسن، المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة، يرى ان المستفيد الوحيد من هكذا مؤتمرات هو السعودية ويقول: “نظرا لمكانة السعودية في العالم العربي والإسلامي، ورعاية المملكة للحرمين الشريفين: مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإن أي شيء تفعله المملكة العربية السعودية له وزنه”. يعني مصلحة سعودية خاصة.
محللون يرون أن “إعلان نيويورك” هو عودة لمبادرة السلام العربية التي قادتها السعودية عام 2002 ورفضتها إسرائيل. موقع “رصيف22” العربي يرى أن “السعودية حوّلت مبادرة السلام العربية إلى رافعة سياسية ذات أهمية دولية، ومنحتها نفوذا في مفاوضات الطاقة والأمن البحري مع الغرب، وعززت مكانتها في سياق ما بعد حرب غزة”. إذًا هناك مصالح سياسية سعودية.
وماذا عن الرد الإسرائيلي والأمريكي؟ أمريكا وإسرائيل لم تشاركا في اجتماع نيويورك ولا تزال المبادرة السعودية الفرنسية تواجه معارضة كبيرة من إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة وقد انتقدته كلتاهما. حتى أن إدارة ترامب وصفت المؤتمر بأنه “خدعة دعائية”.


