بسبب تواطؤ وحرمنة الأنظمة العربية.. بلادُ العُربِ أم بلاد الرعب أوطاني؟

الإعلامي أحمد حازم
لو يخرج الشاعر السوري الراحل المناضل فخري البارودي من قبره، ويرى ما يحدث في الوطن العربي من مآس وخيانات وتنازلات وصفقات علنية وخلف الكواليس، لأعلن فورًا للشعب العربي في كل مكان عن اعتذاره له، بسب القصيدة التي كتبها عن بلاد العرب وتبرأ منها. وقد قال في مطلع قصيدته التي كتبها في منتصف أربعينيات القرن الماضي:
بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّامِ لبغدانِ/ ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ.
فلا حدٌّ يباعدُنا ولا دينٌ يفرّقنا / لسان الضَّادِ يجمعُنا بغسَّانٍ وعدنانِ.
قد يكون هذا الكلام صحيحًا أيام كتابة هذه القصيدة، وقتها لم تكن إسرائيل على الخارطة السياسية، ووقتها لم تعقد بلاد العرب اتفاقات ذل وعار، ولم تكن اتفاقات ابراهام، ولم تكن سلطة فلسطينية وتنسيق أمني.
الشاعر البارودي مرتاح في قبره، لأنه لم ير ما يجري في بلاد يعرب من حروب أكلت الأخضر واليابس، هي حروب افتعلتها أياد خارجية لمصالح ذاتية من أجل السيطرة السياسية، حروب قالوا انها من أجل العدالة وحرية الشعوب، لكنها في الحقيقة عكس ذلك تمامًا. هي حروب افتعلها الغرب لتقسيم ما بقي من الوطن العربي:
العراق تم تقسيمه رسميًا الى دولتين: دولة كردية ودولة عربية. وبذلك تم القضاء على النسيج الاجتماعي العراقي. وليبيا لم تعد ليبيا القذافي. أما “اليمن السعيد” الذي تغنى به الراحل البارودي فلم يبق فيه سوى التعاسة ويشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ حيث قُتل عشرات الآلاف، ويتعرض الملايين لخطر المجاعة.
والشام (دمشق) التي ذكرها الشاعر في قصيدته، لم تعد في الواقع تلك الشام العروبية التي عرفها الراحل. فقد ظلت سنوات طويلة وبالتحديد حتى اسقاط بشار الأسد هي وغيرها من أرض سوريا جزءًا من بلاد فارس سياسيًا. فأصحاب القرار في الشام لم يكونوا زعران عائلة الأسد، بل إيران، التي فعلت ما تشاء ونفذت ما تريد في بلد “باب الحارة” التي دحر رجالها الاستعمار الفرنسي، بينما أتى (ذكور) آلـ الأسد بالاستعمار الفارسي لكل حارات سوريا. واليوم يحاول الغرب مع إسرائيل تفتيت سوريا وجعلها كيانات صغيرة.
تطوان المدينة المغربية أندلسية الطابع والتي يعني اسمها (العيون أو السواقي)، ويسمونها “الحمامة البيضاء”، والتي ورد اسمها في قصيدة الراحل البارودي كرمز من بلاد يعرب، فلو يقم الشاعر ثانية من قبره لرأى أنها مثل غيرها من مدن المغرب أصبحت مرتعًا لأعداء الأمتين العربية والإسلامية (وليس أعداء الأنظمة).
أما عن مصر ونجد (السعودية) فاللسان يعجز عن التعبير عمّا وصلت إليه الحالة السياسية فيهما. وكم أنت محظوظ أيها الراحل لأن المنية وافتك قبل أن ترى مصر السادات ومبارك والسيسي، وسعودية محمد بن سلمان الذي أباح المحرمات في بلاد الحرمين. ولذلك كل ما يجري في بلاد يعرب بسبب قادتها يبعدنا ويفرقنا سياسة ودينيًا ولم يعد حرف الضاد يجمعنا “بغسان وقحطان” سوى اسمًا وليس فعلًا.
قصيدة “بلادُ العُربِ أوطاني” استبدلتها الشاعرة اليمنية آمنة ناجي الموشكي (وهي على حق) بقصيدة “بلاد الحرب أوطاني” تتناسب اسمًا ومضمونًا مع ما يعيشه أهل “حرف الضاد” في بلادهم. وتقول الشاعرة في مطلع القصيدة: “بلاد الحرب أوطاني/ وأهل الفقر إخواني. ومن بؤسٍ إلى بؤسٍ/ أرى أحوال خلاني.
لكن الحدود التي قال عنها الشاعر الوطني الراحل البارودي “لا تبعدنا” وانه كان مقتنعًا بـ “ولا دين يفرقنا وحرف الضاد يجمعنا”، تأتي الشاعرة اليمنية لتصف له حقيقة بلاد يعرب في الوقت الراهن بقولها:
“حدود الشؤم تبعدنا/ ودِينٌ ماله ثاني
تناسينا أوامره/ بتهويلٍ وبهتانِ
وصار الضاد مجهولا/ غريبا بين الأوطان
أما الشاعر الفلسطيني سميح القاسم فقد ردّ على قصيدة “بلادُ العُربِ أوطاني” بقصيدة معاكسة تماما تحمل اسم “بلاد الرعب أوطاني” يقول في مطلعها: “بلاد الرعب أوطاني/ من القاصي إلى الداني
ومن خوف إلى خطر/ ومن منفى إلى الثاني.
وفي النهاية لا بد من الإشارة الى ما قاله مسؤول ألماني كبير: كنت أمام خيارين: إما أن أخدم بلدي ليصبح من أفضل بلدان العالم أو أن أسرقه وأثري عائلتي، فاخترت الخيار الأول.
فهل يفعلها مسؤول عربي؟ طبعًا مستحيل.


