الحوثيون يعمقون حرب الممرات ضد تل أبيب… ونذر صراع أوسع

تتعمق حرب الممرات التي تشنها قوات الحوثيين في اليمن ضد المؤسسة الإسرائيلية، إذ لم تعد هجماتهم تقتصر على استهداف السفن التي تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، وإنما أصبحت جميع السفن من أي جنسية المتجهة إلى إسرائيل ممنوعة من المرور في البحر الأحمر إذا لم يدخل الغذاء والدواء إلى قطاع غزة الذي يواجه عدوانًا وحشيًا وحصارًا إسرائيليًا مميتًا.
وتحمل هذه التطورات مخاطر وخيمة للاقتصاد الإسرائيلي إذ تقطع عنه سبل التجارة مع دول آسيا الأكثر أهمية بالنسبة له على صعيد الصادرات والواردات، ما يجعله شبه محاصر، حال منع الحوثيين مرور السفن المتجهة إلى إسرائيل من هذه الدول، لتتضاعف أوجاعه التي تحاول الحكومة الاسرائيلية تسكينها بحقن من الدعم من قبل البنك المركزي وتعويض المتضررين من الحرب المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الماضي، والتي تشير تقديرات إسرائيلية إلى انها قد تستمر شهرين إضافيين.
كما ينذر التصعيد من قبل الحوثيين في البحر الأحمر، بنشوب صراع أعمق وأشد ضراوة قد تتورط فيه الولايات المتحدة ودول أخرى، ما يضع التجارة العالمية أمام أخطار أكبر، إذ أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية باتريك رايدر، الثلاثاء الماضي، أن واشنطن تجري مباحثات من أجل تأسيس “قوة مهام بحرية” دولية تتشكل من 38 دولة ضد هجمات الحوثيين، فيما اعتبرت جماعة الحوثي المدعومة من إيران، يوم الجمعة، أن هذا تهديد “لا قيمة له”، و”يهدد أمن واستقرار المنطقة”.
وبعده بيوم واحد، أعلن المتحدث العسكري لقوات الحوثيين يحيى سريع، في بيان نشره عبر حسابات الجماعة على منصات التواصل الاجتماعي، مساء السبت، أن “القوات المسلحة اليمنية (الحوثيين) تعلن منع مرور السفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من أي جنسية كانت، إذا لم يدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء وستصبح (السفن) هدفا مشروعا لقواتنا”.
وأضاف سريع إلى أن قرار منع السفن جاء بعد نجاح الجماعة “في فرض قرارها منع السفن الإسرائيلية من الملاحة في البحرين الأحمر والعربي ونتيجة لاستمرار العدو الصهيوني في ارتكاب المجازر المروعة وحرب الإبادة الجماعية والحصار بحق إخواننا في غزة”، مشيرا إلى أن جماعة الحوثي ستقوم بـ “تطبيق هذا القرار من لحظة إعلان البيان”.
وتتسارع الأحداث في ممرات البحر الأحمر مع حلول ديسمبر/ كانون الأول الجاري، إذ شن الحوثيون في الأول من هذا الشهر هجمات ضد سفن إسرائيلية أو مرتبطة بتعاملات تجارية مع تل أبيب في تسع ساعات فقط، بما يعادل تقريبًا هجماتهم التي استهدفت المصالح الإسرائيلية العابرة للشريان التجاري الحيوي على مدار أكثر من أسبوعين سابقين.
وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني استولى الحوثيون على سفينة محملة بالسيارات تحمل اسم “غالاكسي ليدر” في البحر الأحمر، ولم يجر تحريرها بعد. وفي الـ 24 من الشهر نفسه تعرضت سفينة تجارية مملوكة لرجل أعمال إسرائيلي لهجوم في المحيط الهندي بطائرة مسيّرة من طراز شاهد 136 يشتبه بأنها إيرانية الصنع، وفق ما أفاد به مسؤول عسكري أميركي حينها.
وبعدها بيومين أعلنت شركة “زودياك ماريتايم” التابعة لمجموعة “زودياك” المملوكة للملياردير الإسرائيلي إيال عوفر تعرض سفينة محملة بالكيميائيات في المياه الإقليمية بين اليمن والصومال لهجوم، قبل أن يعلن بعدها بساعات مسؤول عسكري أميركي أن السفينة أصبحت آمنة إثر تدخل من المدمرة الأميركية “يو إس إس ماسون” لتحريرها.
عزل إسرائيل تجاريًا عن الجنوب
وتدفع الهجمات المكثفة ضد السفن الإسرائيلية العابرة البحر الأحمر، شركات الشحن الإسرائيلية والعالمية أيضا التي تنقل البضائع بين إسرائيل وآسيا إلى تغيير مسارات سفنها، فضلا عن ارتفاع تكاليف التأمين على السفن، ما يرفع من كلفة الشحن والبضائع ويزيد مستويات أسعار السلع، ما يدفع بنك إسرائيل المركزي للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة، ما يزيد من الأعباء المالية التي تتحملها مختلف الأنشطة الاقتصادية التي تئن من تصاعد تكاليفها وسط استمرار الحرب.
وأشار خبراء اقتصاد ومحللون في قطاع الشحن البحري، إلى أن التطورات المتلاحقة والقرار الأخير للحوثيين في استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل أيًا كانت جنسيتها، بمثابة استنزاف للقدرات الاقتصادية الإسرائيلية بالنظر إلى أهمية حركة الصادرات والواردات بين الكيان الإسرائيلي والدول الآسيوية، لاسيما كوريا الجنوبية واليابان والصين، كما يعتبر هذا القرار بمثابة نقلة نوعية كبيرة وتصعيد خطير قد لا يطاول البضائع وإنما ناقلات النفط كذلك.
ووسط التصعيد الذي يستهدف خنق تجارة إسرائيل البحرية مع الجنوب، فإن بدائلها تتضاءل كثيرًا، لا سيما أن حركة الشحن الجوية مقيدة في ظل استمرار ضربات المقاومة الفلسطينية الصاروخية، وهو ما يعني ارتفاع التكاليف بشكل أكبر، وهو ما سينعكس سلبًا على تجارة إسرائيل الخارجية. ولا تزال إسرائيل تواجه صعوبة بالغة في إقناع شركات الطيران العالمية باستئناف رحلاتها إلى إسرائيل، حيث تتمسك الشركات بالحصول على ضمانات من الحكومة الإسرائيلية للتعويض عن أي أضرار قد تتعرض لها.
ووفق بيانات البنك الدولي، فإن التجارة السلعية لإسرائيل مثلت 34.6% من ناتجها المحلي خلال العام الماضي 2022، والذي بلغ نحو 522 مليار دولار. وبلغت قيمة الصادرات السلعية الإسرائيلية حوالي 73.8 مليار دولار، فيما وصلت الواردات إلى 107.2 مليارات دولار. أما دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، فأشارت إلى أن موانئ إسرائيل في العام 2022 فرغت بضائع حمولتها 40.6 مليون طن، فيما حملت للخارج بضائع بلغت حمولتها 18.2 مليون طن.
ولطالما استحوذت الممرات المائية الممتدة على البحر الأحمر شمال غربي اليمن وصولًا إلى البحر العربي وخليج عدن، على الاهتمام الإقليمي والدولي، إلا أنها وجدت زخمًا أكبر بعدما تحولت إلى نقاط لاستهداف السفن الإسرائيلية ردًا على العدوان الاسرائيلي المدمر على قطاع غزة.
وتمتد السواحل اليمنية لأكثر من 2000 كيلومتر، ويشرف البلد على مضيق باب المندب الحيوي، وهو ممر مائي ضيّق بين اليمن وجيبوتي عند أقصى جنوب البحر الأحمر، واصلًا إياه بخليجي عدن وبحر العرب. ويفصل المضيق بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويتوسط كذلك القارات الخمس.
ويعد المضيق أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، إذ يعبره نحو خُمس الاستهلاك العالمي من النفط، كما تزايدت أهميته بسبب ارتباطه مع قناة السويس ومضيق هرمز في الخليج العربي. كذلك تمر عبر باب المندب 10% من التجارة البحرية الدولية سنويًا من خلال مرور نحو 21 ألف سفينة. كما تمر عبره 6 ملايين برميل من النفط يوميًا.



