ورقة موقف لـ “عدالة”: تجريم المجتمع العربي بذريعة مكافحة الجريمة
عمم مركز عدالة الحقوقي على وسائل الإعلام ورقة موقف ضد تعديل قانون العقوبات، بخصوص عقوبة حيازة السلاح الذي صوتت عليه الكنيست في ساعة متأخرة من ليلة الاثنين 6/12/2021.
وجاء في ورقة موقف “عدالة” ما يلي:
صوّتت الكنيست في ساعة متأخرة من الليل، بأغلبية أربعة من أعضاء الكنيست ودون معارضة أو الامتناع على قانون العقوبات (تعديل رقم 140 – أمر مؤقت)، 2021 (فيما يلي: “مشروع القانون”).
بموجب تعديل القانون، فإن المحكمة ملزمة بفرض عقوبة دنيا على المدانين بمخالفات السلاح المنصوص عليها في المادة 144، لا تقل عن ربع العقوبة المنصوص عليها في القانون. وبالتالي، فإن العقوبة الدنيا على جريمة شراء أو حيازة سلاح في حالة عدم وجود أسباب خاصة ستكون سنة واحدة وتسعة أشهر؛ وعلى جريمة حمل السلاح أو نقله سنتين ونصف؛ وستكون العقوبة الدنيا على ارتكاب جريمة تصنيع السلاح أو استيراده أو الاتجار به ثلاث سنوات وتسعة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تنفيذ هذه العقوبة، على الأقل جزئيًا، في إطار السجن الفعلي، بينما يتطلب الأمر تسجيل المسوّغات الخاصة لأي خروج عن إطار هذا الحكم.
يحذّر مركز عدالة من التبعات الخطيرة للتعديل المذكور على المجتمع العربي الفلسطيني. إن الانتهاك اللاحق بالأمن الشخصي للمواطنين العرب، والزيادة المقلقة في عدد حوادث إطلاق النار، يعودان بشكل أساسي إلى التمييز العميق والمنهجي وعدم إنفاذ القانون في البلدات العربية، حيث تم الاهمال والتغاضي لعشرات السنين عن المسؤوليات المنوطة بالشرطة وصلاحياتها المعروفة مسبقاً. إن تشديد العقوبة من خلال تحديد الحد الأدنى للعقوبة هو إجراء غير متناسب والذي ينتهك الحق في اجراء قضائي نزيه والحق في الحرية ولا يحقق الهدف المزعوم.
إذن ما المشكلة في الحكم بالسجن؟ تشير الدراسات العديدة إلى أن السجن ليس الحل السحري لمحاربة الجريمة بل العكس. فالسجون بيئة مؤاتية للجريمة والتفكير الإجرامي، كما أنها تزيد من مستوى الفقر وتفاقِم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. في الوقت الراهن فإنّ 47٪ من السجناء الجنائيين في السجون الاسرائيلية هم من العرب، أي ضعف نسبة العرب الفلسطينيين العددية بين السكان. عندما يخرج هؤلاء السجناء من السجن، فإنهم يعودون إلى مجتمع يعيش نصفه تقريبًا تحت خط الفقر ويعاني من الحرمان والتمييز المتراكمين على مدار السنين، بالإضافة الى تفشّي الجريمة. نتيجة لذلك، فإن فرص هؤلاء الجنائيين السابقين في التأهيل وبالنجاح والتطور خارج دائرة الجنح – والتي كانت محدودة أصلاً حينما صدرت الاحكام بحقهم، تصبح هذه الفرص معدومة تقريبًا بعد إطلاق سراحهم من السجن. إن مجموعات الجريمة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص هي الحل السريع، وأحيانًا يكون الحل الوحيد المتاح لهم في غياب آليات إعادة التأهيل والمرافقة المناسبة. وبالتالي، تُظهِر المعطيات أنّ ما يقارب 80٪ من السجناء المفرج عنهم يعودون إلى دائرة الجريمة في غضون ثلاث سنوات من موعد إطلاق سراحهم.
نتيجة لذلك، سيؤدي مشروع القانون إلى زيادة عدد السجناء العرب في السجون، ولا سيما الذين يقضون عقوبات قصيرة. وفقًا للمعطيات الراهنة الصادرة عن مصلحة السجون، فإن 41٪ من السجناء الجنائيين العرب يقضون فترات سجن قصيرة تصل لغاية عامين – مقابل 33٪ من السجناء اليهود. يرجع هذا الاختلاف بشكل أساسي إلى الاختلاف في التوجه بشأن سياسة العقوبات، إذ يجري زجّ المزيد من العرب في السجن لفترات قصيرة، بينما يتلقى المزيد من اليهود بدائل تأهيلية خارج جدران السجن. إن انتهاج عقوبة حد أدنى، سيؤدي إلى زيادة نسبة السجناء الجنائيين الذين يقضون فترات سجن قصيرة تفوق نسبة العرب السكانية.
فإن تحديد العقوبة لن يحقق الهدف إن لم تكن هناك محاكمة نزيهة. يظهر تقرير مراقب الدولة الصادر هذا العام أن الشرطة لم تحقق التغيير المنشود في التعامل مع مخالفات إطلاق النار، إذ بلغ عدد حوادث إطلاق النار ذروته العام الماضي ليصل الى 9،200 حادثة في السنة. مقابل الارتفاع المقلق في الجرائم، فقد انخفضت نسبة لوائح الاتهام المقدمة للمحكمة في قضايا الأسلحة إلى 5٪ من إجمالي الحالات، وتزعم الشرطة بأنها تجد صعوبة في القبض على المشتبه بهم في جرائم إطلاق النار لأن عمليات جمع الأدلة في مخالفات حيازة السلاح صعبة للغاية.
تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من الظاهرة المقلقة، فلا يوجد لدى وزارة الأمن الداخلي أو الشرطة أية تقديرات لكميات الأسلحة غير المرخّصة في المجتمع العربي، إلا أنه، ووفقًا لتقارير مختلفة، هو عشرات بل حتى مئات الالاف من قطع السلاح. إن التقاعس عن منع الجريمة المنظمة، والذي يعاني منه المجتمع العربي الفلسطيني ما هو إلا دلالة واحدة من أوجه التعامل الاستعماري والعدائي الذي تجذر داخل المنظومة الحاكمة، فيما أنّ الحلول التي يقترحها المُشرّعون ليست جادة، بل تقود في مثل هذه الحالة إلى نتائج عكسية تمامًا.
بناءً عليه، فإنّ ما يحمله مشروع القانون هو تقديم حلول صوريّة، لا تمتّ بِصلةٍ الى القضايا البنيوية المتأصّلة في المنظومة الحاكمة والتي أدت إلى ظاهرة الجريمة المنظمة والأسلحة غير المرخّصة.
إلامَ ستؤول الأمور في غضون سنوات قليلة؟ لقد أخفقت عقوبات الحد الأدنى، والتي تمّ تشريعها في الولايات المتحدة قبل خمسة عقود، في الحدّ من مستوى الجريمة بل فاقمتها، بالتالي عمّقت الفجوات الاجتماعية والفقر بين السكان السود. حالياً، 67٪ من السجناء السود في الولايات المتحدة يقضون عقوبات قصيرة، ويصل إجمالي عددهم في السجون ثلاثة أضعاف نسبتهم العددية بين السكان. “لقد شكّل الحد الأدنى للعقوبات ركيزة أساسية في الاعتقالات الجماعية والسجن التي ارتكبتها الولايات المتحدة تجاه الأقليات السكانية، وهذا ما أدى في النهاية إلى توسيع دائرة الجريمة وزيادة نسبتها، إلى جانب خلق صورة نمطية ودمغ هذه الاقليات بـ”المجتمع الإجرامي”.
الاحتمال هو أن يؤدي مشروع القانون المذكور إلى نتيجة مماثلة، وهو يشكّل منحدراً زَلِقاً إلى تجريم كامل للمجتمع العربي. يملي اقتراح القانون على المحاكم معاقبة العرب بشكل نمطي وجماعي، دون اعتبارات قضائية جديرة، مع فرض أحكام بالسجن الفعلي على العرب الذين يرتكبون مخالفات تتعلق بالسلاح – وهذا بغض النظر عن الظروف الفردية لكل متّهم. ركيزة إضافية للمس بالاعتبارات القضائية تعود الى المراحل الأوليّة التمهيدية للإجراء. وفقًا للتعديل، وعندما يعرف ممثلو النيابة العامة مسبقًا وعلى وجه اليقين أن الملف ينطوي على الحكم بالسجن الفعلي، سيكون وزن أكبر لاعتبارات النيابة لتكييف مواد القانون مع العقوبة التي يرغبون في ان تقرّها المحكمة، وبالتالي تعميق الفجوة في علاقات القوة بين الادعاء والمتهم. من شأن هذه القوة المضافة للنيابة أن تنتهك الحق في محاكمة نزيهة وقد تؤدي إلى اعترافات وإدانات كاذبة. وبذلك، يزيد اقتراح القانون من التمييز ويعمّق الفجوة القائمة أصلاً بين العرب واليهود