أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لا تكن علاقتك مع الله كعلاقتك بسيارة الإسعاف

الشيخ كمال خطيب
إن شعور المسلم بالضعف والحاجة بين يديّ الله تعالى لا بد أن يلازمه دائمًا وأبدًا، فمهما أوتي الإنسان من أسباب القوة فإنه يظلّ الضعيف بين يدي القوي الجبار الله سبحانه، ومهما أوتي من أسباب الغنى فإنه يظل الفقير بين يدي الغني ومالك الملك الله سبحانه، ومهما أوتي من أسباب العزّ فإنه يظلّ الذليل بين يدي صاحب العزة والملكوت الله سبحانه.
إن من الناس من لا يتعرف على الله سبحانه ويستشعر حاجته له إلا وقت الفقر والضعف والمرض والحاجة، فإنه يقبل على الله سبحانه يسأله أن يبدّل فقره غنى وضعفه قوة ومرضه صحة، وأن يلبي حاجاته ويقضي عنه دينه، بينما إذا كان هو نفسه في حالة من اليسار والغنى ومن القوة ومنعة الأسباب فليس أنه يدير الظهر لربه سبحانه ويستغني عن فضله بلسان القول والفعل، وإنما هو الذي يعامل عباد الله الفقراء الضعفاء بعكس ما كان هو يعامل به الله سبحانه لمّا كان في نفس الظرف والحال.
إن من الناس من علاقته مع الله سبحانه مثل علاقته بسيارة الإسعاف أو بقسم الطوارئ في المستشفى، فإنه لا يتصل به إلّا عند الحاجة والضرورة وقلّة الحيلة ولمّا تضيق عليه الأرض بما رحبت، بينما إذا لم يكن له حاجة فإنه لا يتصل بل لعلّه ينسى رقم الطوارئ الذي يعرفه ويتصل به كل الناس عند الضرورة. إن الواحد من هؤلاء إذا مرض أو افتقر أو وقع عليه بلاء فإنه يتقرب إلى الله بالصلاة والدعاء والتردد على المساجد وقراءة القرآن، بينما إذا لبّى الله حاجته وفرّج كربه وأصبح في حالة يسار في رزقه وأنعم الله عليه من فضله أموالًا وأولادًا فإنه ينسى فضل الله عليه، فيهجر القرآن كتاب الله، ويهجر المسجد وصلاة الجماعة، بل لعلّه ينسى كم ركعات كل صلاة كما ينسى الإنسان رقم هاتف الإسعاف والطوارئ لأنه لم يعد بحاجة إليه، وقال الله تعالى في هذا {وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} آية 8 سورة الزمر.
ها هو لقمان يقول لابنه: “يا بني خفِ الله خوفًا لو آتيته بعمل الثقلين خفت أن يعذبك، وارجُ الله رجاء لو آتيته بذنوب الثقلين رجوت أن يغفر لك”.
وبينما أحد الصالحين يقرأ في كتاب الله فمرّ على قوله سبحانه {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آية 130 آل عمران، فأخذ الرجل يبكي بل ويجهش في البكاء، فقال له رجل آخر كان يجلس معه: كيف تبكي لآية ما على مثلها يُبكى، إنها جنة عريضة وواسعة عرضها السمٰوات والأرض. فقال الرجل: يا أخي: وماذا ينفعني عرضها وطولها إن لم يكن لي فيها موطن قدم؟!!
إن علاقة المسلم الصادق مع الله سبحانه هي علاقة دائمة لا تنقطع في أي ظرف وحال، وهي ليست علاقة مصلحة أو مرض أو ضعف، وإنما هي علاقة العبد مع سيده ومعبوده وعلاقة المحب مع محبوبه، وقد قيل لرجل كان يحب أن يظلّ وحيدًا، كيف تصبر على البقاء لوحدك يا هذا؟ فقال أنا لا أكون لوحدي أبدًا، أنا جليس ربي سبحانه إن شئت أن يكلمني قرأت القرآن، وإن شئت أن أكلمه صليت ركعتين.
وتقول إحدى النساء: كنت أصلي وكان لي طفل صغير يمسك بثوبي ويناديني مرارًا وأنا واقفة أصلي، وإذا بأخيه وهو يكبره بسنوات قليلة يقول له: حرام عليك تقاطع الماما، فالماما تتكلم مع الله. تقول المرأة لقد اقشعّر بدني، هل حقيقة أنا أكلم الله؟ فأصبحت كلّما كبّرت تكبيرة الإحرام للصلاة استشعرت نفسي أنني أكلم الله رب العالمين.
وقيل لأحد الصالحين: ألا تشتاق لربك؟ فقال: إنما الاشتياق يكون لغائب، أما ربي فهو رفيقي دائمًا لا يغيب عني ولا أغيب عنه. فالقوي ليس الذي له عائلة وحسب، وإنما القوي من كان مع الله، ولكن الأقوى منه من كان الله معه {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} آية 128 سورة النحل، فاعمل للأولى تنال الثانية، كن مع الله يكن الله معك.

# سيؤتينا الله سُؤلنا
إن علاقة العبد مع ربه سبحانه هي علاقة من يثق أن الأمر هو كله لله سبحانه، وأن الله هو القادر على كل شيء، وأنه إذا أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون. إن الإنسان إذا أراد حاجة فإنه يذهب إلى شخص يقولون إن له نفوذ وإنه يملك علاقات وأنه سيحقق له مطلبك فيطمئن، فكيف إذا كان سؤالك ومطلبه من الله تعالى. ها هو موسى عليه السلام يقف على باب ربه ويسأله سبع حاجات دفعة واحدة {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُواْ قَوْلِي وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً} 25-32 سورة طه. إنها سبع طلبات ورجاءات من موسى لربه، ولأنه الكريم فإنه يجيبه عليها مرة واحدة ودفعة واحدة {قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَى} آية 36 سورة طه. إنك بصدق العلاقة مع الله واستقوائك به سبحانه فإنه ييسّر لك كل عسر ويسهل عليك كل صعب ويقرب لك كل بعيد ويدبّر لك كل أمر كنت تظن أنه عصيّ على التدبير، فالمهم أن تتوكل عليه {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} آية 58 سورة الفرقان. والمهم أن تخلص له الدعاء {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ} آية 44 سورة غافر.
لمّا أخلص يعقوب ثقته ورجائه وتعلّقه بالله بردّ يوسف إليه فقد تولى الله تعالى أمر يوسف، فإنه سبحانه قد أحوج القافلة في الصحراء للماء حتى عثروا على البئر التي كان فيه يوسف فأخرجوه {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ، قَالَ يَا بُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَامٌ} آية 19 سورة يوسف. وهو الذي أحوج عزيز مصر للأبناء ليتبنى يوسف {عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} آية 21 سورة يوسف. وهو الذي أحوج الملك لتفسير رؤياه لتكون سببًا في خروجه من السجن {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} آية 43 سورة يوسف. وهو الذي أحوج مصر كلها للطعام ليصبح يوسف عزيز مصر {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} آية 55 سورة يوسف. ثم أحوج والده يعقوب وإخوته إلى الطعام، فخرجوا إلى مصر يبحثوا عنه ليلتقوا بيوسف {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ} آية 88 سورة يوسف.
إن الإنسان منّا عندما ينزل به همّ أو غمّ أو كرب فإنه يذهب إلى صديق أو قريب أو جار يشتكي إليه وينفث بين يديه همومه. ولأن إمكانات كل الناس لا تسمح بإيجاد الحلول، فإن الحديث والحوار ينتهي بالقول “الله يعينك”، فما دام الذي تطلب معونته ومساعدته يقول لك الله يعينك فلماذا لا تذهب مباشرة إلى الذي يعينك ويكشف همك ويفرّج كربك {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} آية 62 سورة النمل.

يا من مددتم إلى الرحمن أيديكم
لقد وقفتم بمن لا يغلق البابا
ستبلغون أمانيكم بقدرته هذا هو الله من ناداه ما خابا

إن من الناس من ضعاف الإيمان من إذا مرّ أحدهم بكرب أو أزمة أو بلاء فإنه ييأس ويتعامل وكأن الدنيا أغلقت في وجهه، إنه ينسى كم مرة وقع في بلاء ونجّاه الله منه. فالذي نجّاه أولًا سينجيه آخرًا، فكيف للمسلم الفرد وكيف للأمة أن تيأس إذا كان وضعها صعبًا وهي تعلم ومن عقيدتها أن الذي يكشف البلاء ويفرّج الكرب فإنما هو الله سبحانه، فكيف ييأس المسلم ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم قد علمه أن يقول: “ناصيتي بيدك ماض فيّ حكمك عدل في قضاؤك”. فما دامت ناصيتك بيد الله وحكم الله وقضائه فاطمئن فأنت في أمان.
إن زكريا عليه السلام لمّا سأل الله الولد وهو كبير وامرأته عاقر فبشّره الله بيحيى {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا، قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا، قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} آية 6-9 سورة مريم.
فالذي يقول هذا هو الله {هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}، إنها كلمة تهزّ الوجدان وتبعث على الاطمئنان، وتنزع عنك أيها المسلم كل أثر من آثار اليأس والإحباط.
وكيف لا يكون الأمر هينًا على الله سبحانه وهو الذي جعل ماء البحر صلبًا منتصبًا مثل الجبل لا ينساب لينجي موسى من الغرق، وهو الذي جعل النار بردًا وسلامًا لينجي إبراهيم من الحريق، وهو الذي عمّى العيون عن محمد صلى الله عليه وسلم في الغار.

فوحقه لأسلمن لأمره في كل نازلة وضيق خناق
موسى وإبراهيم ولمّا سلّما سلما من الإغراق والإحراق

إن قصة يوسف مع إخوته وقد سمّاها الله تعالى “أحسن القصص” { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} آية 3 سورة يوسف.
إن قصة يوسف بدأت بحلم ولكنها بأمر الله تصبح حقيقة واقعة وهو يرى أباه وأمه وإخوته الأحد عشر يعيشون في كنفه وقد خرّوا له سجدًا {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} آية 100 سورة يوسف.
إن يعقوب كان يقول لأبنائه {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ، إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} آية 87 سورة يوسف.
إن من الناس من يضيع مفتاح بيته فيحاول أن يفتح الباب فلا يستطيع، فيطلب من صديق مفتاح بيته يجرّب لعلّ به يفتح الباب فيعطيه حزمة مفاتيح فيبدأ يجرب المفتاح الأول والثاني والثالث فلا يفتح الباب، فييأس ويرمي حزمة المفاتيح. لماذا اليأس؟ جرّب فلعل آخر مفتاح في الحزمة هو من سيأتي بالفرج ويفتح الباب.

إذا أرهقتك هموم الحياة ومسّك منها عظيم الضرر
وذقت الأمرّين حتى بكيت وضجّ فؤادك حتى انفجر
وسدّت بوجهك كل الدروب وأوشكت تسقط بين الحفر
فيمم إلى الله في لهفة وبث الشكاة لرب البشر

وإن ما ينطبق وما يكون صحيحًا للفرد منّا فإنه ينطبق كذلك على حال الأمة.
صحيح أن الكرب والبلاء النازل علينا عظيم، وتكاد الأمة تدخل في نفق اليأس والإحباط، وفي هذا مجافاة لمعاني الإيمان ومخالفة للهدي القرآني والهدي النبوي الشريف، إنه لا يأس بإذن الله، ومهما اشتد الخطب ونزل البلاء فإننا على يقين أن بعد الليل فجرًا، وأن بعد العسر يسرًا وبعد الكرب فرجًا.
فإذا كان الناس عند حاجاتهم وكرباتهم يلجأون إلى الرقم 101 رقم النجدة والطوارئ لعلّهم يجدون من يسمعهم فينجدهم ويفرّج كربتهم، فالأولى أن نلجأ إلى الواحد الأحد الفرد الصمد. الله سبحانه وتعالى فهو وحده القادر على أن يفرّج كربتنا ويكشف غمنا ويزيل همنا.
فلليائسين والمخذلين الذين إذا ما حدثتهم أن الواقع سيتغير وأن دوام الحال من المحال وأن ضعفنا سينقلب قوة وشتاتنا سينقلب وحدة وذلّنا سينقلب عزًا وهزائمنا ستنقلب انتصارات، إنك إذا قلت لهم أن المستقبل للإسلام وأنها ستكون لنا دولة خلافة راشدة فإنهم سيقولون لك إن هذا حلم بل إنه أضغاث أحلام وفق منطق اليأس والإحباط الذي يعيشون.
ولكننا نقول لهم إن هذا هو وعد الله تعالى أولًا، والله لا يخلف الميعاد وأنها بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكن وحتى لو كانت هي حلمًا، أليس من الأحلام ما قد أصبحت حقيقة بإذن الله تعالى. المطلوب صدق معيتنا مع الله سبحانه واعتصامنا بحبله والوقوف على بابه، وسيؤتينا الله سُؤلنا، ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى