أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

اختاروا بين العدل أو الثرثرة يا جيل التغيير

صحيفة المدينة
إعلموا يا جيل التغيير أن أول الخصال وأحقها بالرعاية هو (العدل)، فهو قِوام الملك، ودوام الدول، وأسُّ كل مملكة سواء كانت نبوية أو اصطلاحية. لذلك فقد أمر الله تعالى بالعدل، ثم علم سبحانه وتعالى أنه ليس كل النفوس تصلح على العدل، بل تطلب الإحسان وهو فوق العدل، فقال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى)- النحل (90)، فلو وسع الخلق العدل، ما قرن الله تعالى به الإحسان، فمن لم يصلح حتى يزاد على العدل، فكيف يصلح منه العدل ولم يبلغ إليه، والعدل هو ميزان الله في الأرض بين السلطان والرعية، وبين الرعية فيما بينهم، فمن أسقط العدل سواء كان راعيا أو رعية فقد أسقط ميزان الله تعالى، وتعرّض لسخط الله تعالى، وإذا كان (الدين المعاملة) كما أخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جيل التغيير، فإن تاج هذه المعاملة هو العدل، ولذلك وجب عليكم أن تعاملوا الناس ما بين العدل والإحسان، حتى لا يتحول مشروعكم الإسلامي إلى مجرد ثرثرة، ورفع شعارات، وخطابة منبرية، ومقالات إعلامية، وإذا كان الحكيم قد قال: (أفضل الأزمنة أزمنة أئمة العدل) فاعلموا يا جيل التغيير أن أفضل أجيال التغيير هم من يحيون العدل بعد أن درس بين الناس. وما أعظم حكمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: (إمام عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان ظلوم خير من فتنة تدوم) وعلى وقع حكمة الإمام علي رضي الله عنه أقول: جيل تغيير عادل، خير من جيل شعارات فاشل، وإلا فما نفع أي جيل حتى لو جمع المال وحمل الشهادات الجامعية ولبس أجمل الثياب وأتقن الحديث باللغات الثلاث العربية والعبرية والإنجليزية وبرع في الخطب الرنّانة والكلمات الطنّانة وأطلق لسانه على غاربه وسال قلمه بحرا في تعابيره إذا غاب عن هذا الجيل العدل، ولا أبالغ إذا قلت إن كل أحرار وحرائر أمتنا المسلمة وعالمنا العربي وشعبنا الفلسطيني متفقون اليوم أن جماهيرنا مطحونة لأنها واقعة بين مطرقة ظلم حكامها وسندان ظلم أعدائها، فلا تزيد يا جيل التغيير على مصادر ظلمها مصدر ظلم ثالث، فإمّا أن تشقوا طريق التغيير وأنتم مسلحون بالعدل يا جيل التغيير وإما أن تقعدوا في بيوتكم حتى يبعث الله تعالى جيل تغيير راشد وجاد يملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت ظلما وجورا، وكم صدق الحكيم عندما قال: لا سلطان إلا بجند، ولا جند إلا بمال ولا مال إلا بجباية، ولا جباية إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل)، وأنا على يقين يا جيل التغيير أنه ما فاتكم مشهد الهرمزان يوم أن استأذن على الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلم يجد عنده حاجبا ولا بوّابا، فقيل له: هو في المسجد، فأتى المسجد فوجده مستلقيا متوسدا كوما من الحصى، ودرّته بين يديه، فقاله له: (عدلت فأمنت فنمت).
فما أسعد اليوم الذي سيقال فيه: يا جماهير الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني قد رفع الله تعالى عنكم ظلم حكامكم وأعدائكم بجيل تغيير عادل لا يحوطه الحرس ولا العسس، ولا العساكر والمخابرات. وما أسعد اليوم الذي سيقال فيه: يا جيل التغيير عدلت، فغيّرت، ونصرت، وعلى خطا الفاروق عمر رضي الله عنه سار ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، فهذا الحسن رضي الله عنه يقول: (رأيت عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد جمع الحصى في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم عند رأسه، وقد وضع أحد جانبي ردائه عليه، وهو يومئذ أمير المؤمنين، ما عنده أحد من الناس ودرّته بين يديه) وعلى خطا ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه سار الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، حيث كتب إليه عامل حمص ذات يوم: (إن مدينة حمص قد تهدّمت واحتاجت إلى الإصلاح، فكتب إليه عمر: حصّنها بالعدل، ونقّ طرقها من الجور والسلام)، فيا جيل التغيير إن لم تكونوا جيل الفاروق عمر رضي الله عنه فكونوا جيل ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه أو كونوا جيل الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه.
وقد اجتهد أن يتشبه بعدلهم الخليفة المأمون رحمه الله تعالى، حيث رويعن يحيى بن أكثم: (ماشيت المأمون في بستان والشمس عن يساري، والمأمون في الظل، فلما رجعنا وقعت الشمس أيضا عليّ، فقال لي المأمون: تحوّل إلى مكاني وأتحول إلى مكانك حتى تكون في الظل كما كنتُ، وأقيك الشمس كما وقيتني، فإن أول العدل أن يعدل الرجل على بطانته، ثم الذين يلونهم حتى يبلغ العدل الطبقة السفلى، فعزم عليّ فتحولت)، فهكذا يدوم الملك بالعدل، وإلا فقد صدق من قال: ليس شيء أبعد من ملك الغاصب، وقياسا عليه نقول، يبدأ التغيير بالعدل، ويدوم التغيير بالعدل، ويفلح جيل التغيير بالعدل، وإلا فليس شيء أبعد من تغيير غاصب، فهو إلى زوال لأنه قام على ظلم، ولذلك كثر تغني الحكماء بالعدل، وكثر ذمهم للظلم، فهذا حكيم يقول: (لا يزال السلطان ممهلا حتى يتخطى إلى أركان العمارة ومباني الشريعة، فحينئذ يريح الله تعالى منه)!! وقال بعض الحكماء: (أمير بلا عدل كغيم بلا مطر، وعالم بلا ورع كأرض بلا نبات، وشاب بلا توبة كشجر بلا ثمر، وغني بلا سخاء كقفل بلا مفتاح، وفقير بلا صبر كسراج بلا ضوء، وامرأة بلا حياء كطعام بلا ملح)!!
ومن أجمل ما قيل في العدل: (من اتخذ العدل سنة، كان له اأحسن جنة، ومن استشعر حلة العدل استكمل زينة الفضل).
فيا جيل التغيير إذا أردتم أن تكونوا نعمة على أمتكم فعليكم بالعدل، وإذا أردتم أنحصانة من إبليس والدنيا والنفس والهوى فعليكم بالعدل، وإذا أردتم خير زينة لدينكم ودنياكم فعليكم بالعدل، وإذا أردتم حفظ أركان العمارة وصيانة مباني الشريعة فعليكم بالعدل، وإلا فاحذروا قول الحكيم: (لا تظلم الضعفاء، فتكون من لئام الأقوياء)، وخذوا بوصية أبي عبيدة عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما عندما قال: (إن الإمام العادل ليسكت الأصوات- شكاية المظلومين ودعواتهم- عن الله تعالى، وإن الإمام الجائر لتكثر منه الشكاية إلى الله عز وجلّ).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى