أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

كورونا والتوبة المطلوبة

توفيق محمد
قلت لصديقي الطبيب إبراهيم عبد الله من كفر كنا ان جرثومة صغيرة عطلت الكون وأغلقت الحدود ومنعت الطيران ومنعت المواصلات والتواصل البشري، والغت كل اللقاءات والمهرجانات والاحتفالات والرياضات، وألغت الاولمبيادة، ومنعت الحكومات من الاجتماع الطبيعي العادي، وعطلت المؤامرات الدولية، وعطلت مؤامرة القرن، وأشغلت كلا بنفسه على مستوى الأفراد والأسر والجماعات والدول، ونقلت العالم من العولمة الى الخصخصة، ومن “الماكرو” الموسع الى “الميكرو” الضيق، ومنعت التجول وقتلت الآلاف ودبت الخوف والرعب في صدور كل البشرية والزمتهم بيوتهم، وعطلت كل التكنولوجيا والتطور، وأغلقت المساجد والكنائس والكنس، فلا الكعبة تعج بالطائفين العاكفين الركع السجود ولا المسجد النبوي يكتظ بالمصلين، ولا المسجد الأقصى يحتضنه احبابه ولا هو يحتضنهم، ولا مئات الآلاف تزين ساحاته في الجمع، فأجاب بجملة واحدة قائلا: “ليتها جرثومة إنه فيروس” يقصد أنه أصغر بكثير من الجرثومة، ذاك الذي عطل كل الكون على هذه الشاكلة.
انه فيروس صغير الحجم، مجهول الأسباب العلمية والعلاجات الطبية، لا يعرف له العلم الى الآن أسبابا، ولا يدرك له علاجا، غير “الزم بيتك” خشية من نقل العدوى من المصابين الى غير المصابين وهو مصداق حديث الحبيب صلى الله عليه وسلم عن الطاعون ووجه الشبه بينه وبين الكورونا العدوى والتسبب بالموت :”الطاعون آية الرجز ابتلى الله عز وجل به أناساً من عباده، فإذا سمعتم به فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه” وفيما عدا نصيحة “الزم بيتك” فكل الذي نسمع تكهنات وتحليلات لم يثبت العلم منها شيئا ولم يهتدِ علماء البيولوجيا والباحثون الى حقيقتها، غير اننا نعد الإصابات في كل دولة ونعد الموتى ونضيق مساحات التجول والخروج من البيت الى حد منع التجول وتنهار منظومات الدول الصحية والاقتصادية.
في البداية نسأل الله ان يوفق الباحثين والعلماء الى الاهتداء لعلاج هذا المرض مجهول السبب والعلاج ونتمنى لهم النجاح السريع في إيجاد المصل المعالج سريعا، ونسأله جل شانه ان يرفع عنا وعن البشرية، كل البشرية، هذا البلاء وهذا الداء وهذه الغمة.
غير أننا في ظل هذه الأزمة العالمية، وهذا البلاء والداء العالمي لا بد لنا وأن نتذكر سنة الله في الأرض، يقول الله جل جلاله:” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” سورة الروم آية 41.
إننا ونحن ننظر في أحوال الدنيا حولنا، فإننا نرى ان البشرية لم تدع معصية صغيرة أو كبيرة نهى الله عنها إلا واقترفتها، بل وشرعتها وقنَّنَتها وعاقبت من ينهى عنها ومن يقاومها، فالقتل والهرج والمرج يعم للشعوب المظلومة، وبالذات الإسلامية منها بالآلاف، بل بمئات الآلاف في سوريا واليمن والصين والهند وليبيا ومصر، وهذه غزة المحاصرة منذ 13 عاما والتي صدمت آلاف الشهداء في المعارك الطاحنة التي هدمت البيوت وخربت العمران وقتلت عائلات بأكملها ورملت النساء ويتَّمت الأطفال، وهذا تهجير الناس من أرضهم وممتلكاتهم وأموالهم وظلمهم واغتصاب الحرائر، وإتيان المنكرات، من احتساء الخمر والإنحلال الأخلاقي بشتى صوره وأشكاله، كالزنى والسحاق وزواج الرجل برجل والمرأة بالمرأة والدعوة لها بالعلن والسرقة والرشوة والغش والخداع ومجاهرة الله جل شأنه بكل المعاصي والمنكرات والكبائر…، كل ذلك أصبح مقننا ومشرعا وفق قوانين الدول وتشريعاتها، ومن يعترض على ذلك يعاتب ويعاقب، وأصبحت الفضيلة منكرا، والمنكر فضيلة، وأصبح يصدق الكاذب، ويكذب الصادق، ويؤمن الخائن، ويُخَوَّنُ الأمين، وقد استكبر كل أولئك حتى تجرأوا على الله، وظنوا أنهم بما يملكون من تطور وتكنولوجيا قادرين على تغيير نواميس الكون، فالأقمار الصناعية أصبح بإمكانها رصد كل حركة على الأرض، صغيرة او كبيرة، وأصبح بإمكان طائرات الحرب توجيه صواريخها بدقة عالية وكبيرة وإصابة أهدافها من الجو، وأصبح الكون كله على مسافة كبسة زر على الحاسوب أو الهاتف المحمول، حتى ظهر هذا الفايروس القاتل وغير كل ذلك ووضع الانسان بما يملك من قوة أمام حقيقة قوته عندما يسخر الله جنديا بحجم الفايروس ليعيد الاطلاب الى حظيرة الدرس.
إننا إزاء ما أصاب البشرية من داء قاتل وشرس مطالبون جميعا ان نأخذ بكل الأسباب الدنيوية لمكافحته والبحث عن المصل المضاد الكفيل بالقضاء عليه وهذه وظيفة العلماء والباحثين جميعا الذين الإنسانية ففي الطب لا فرق بين الديانات والشعوب، وواجب الافراد ان يلتزموا بيوتهم حتى لا يحملوا الفايروس ممن أُصيب وينقلوه الى غيرهم، وهذا وكل ما تقره الدول في محاولة الحد والقضاء على الفايروس واجب التنفيذ والتطبيق.
ولكنَّ واجبا آخر يقع علينا نحن المسلمين وقد علمنا مفاد الحكمة والقول المأثور عن العباس بن عبد المطلب “ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة” فانه يتوجب علينا العودة الى الله والتوبة واللجوء اليه جل شأنه والتضرع له بالدعاء بان يرفع عنا وعن البشرية هذا العذاب، انها الفرصة الذهبية لنا فيها نطرق باب الله ونراجع علاقتنا بالمولى، هل هي علاقة الطاعة والإذعان والتوبة ام هي علاقة العصيان والذنوب والإصرار عليها، انه واجب الوقت فيه نجمع بين الاخذ بالأسباب الدنيوية التي أُمرنا ان نأخذ بها والتوبة الى الله والعودة عن كل الضلالات.
أعلم ان البعض من حملة العقول الحميرية الذين يسخرون من الاسراء والمعراج لن يعجبهم هذا الكلام، فهو ليس موجها إليهم إنما موجه لمن قلبه يسمع وعقله يعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى