أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة السيادة هي المعركة على المسجد الأقصى

د. أنس سليمان أحمد
ما زالت الأحداث التي وقعت قبل خمسة عشر عاما حيّة كأنها وقعت بالأمس القريب، ولا عذر لأحد لأن يقول لم أسمع عن هذه الأحداث التاريخية، لا عذر له أن يقول ذلك لأنها لا تزال حيّة ولم تدخل إلى خانة التاريخ وكأنها وقعت قبل قرون من الزمان، ولذلك يجب ألا ننسى هذه الأحداث:
عندما قررت أذرع الاحتلال الإسرائيلي إبعاد الشيخ رائد صلاح عن المسجد الأقصى لأول مرة، فقد حاولت أن تفرض ذلك الإبعاد بواسطة القضاء الإسرائيلي، فلجأت إلى محكمة إسرائيلية وطالبت قاضي تلك المحكمة أن يصد حكماً قضائياً بإبعاد الشيخ رائد صلاح، وقبل أن يُصدر القاضي حكمه سأل الشيخ رائد: ماذا تقول عن طلب النيابة بإبعادك عن المسجد الأقصى؟! فقال له الشيخ رائد يومها: المسجد الأقصى محتل ولا يوجد للقضاء الإسرائيلي أية صلاحية للنظر في شؤون المسجد الأقصى وكان واضحاً أن الشيخ رائد رفض من خلال رده أن يعترف بأية سيادة إسرائيلية على المسجد الأقصى، لأن الوجود الإسرائيلي في المسجد الأقصى هو وجود احتلالي، وما دام كذلك فهو وجود باطل بلا شرعية ولا سيادة.
عندما أقامت الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا أول مهرجان لأطفال (صندوق طفل الأقصى) في المسجد الأقصى فقد عرضت بعض أذرع الاحتلال يومها على الحركة أن تقوم بدور ضبط نظام وصول الحافلات إلى المسجد الأقصى ونظام وقوفها ونظام نزول الأطفال وذويهم من تلك الحافلات إلى المسجد الأقصى ثم نظام خروجهم من المسجد الأقصى وصعودهم إلى تلك الحافلات، سيما وأن عدد أولئك الأطفال وذويهم كان بعشرات الآلاف، وكان عدد الحافلات بالمئات إلا أن الحركة على ما أذكر جيدا رفضت ذاك العرض يومها، وأخذت على عاتقها ضبط كل ذلك النظام الذي كان مرهقا جدا، وجنّدت المئات من أبنائها الذين أتقنوا ضبط ذاك النظام، وكانت محقة في رفضها لذاك العرض، لأن الاحتلال الإسرائيلي طمع من وراء ذلك العرض أن يدّعي وجود سيادة له في المسجد الأقصى، ولأن الحركة أدركت ذلك سلفا فقد رفضت ذاك العرض رفضاً مبدئياً .
عندما بدأت الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا بإقامة موائد الإفطارات الرمضانية في المسجد الأقصى حيث كانت تقدم آلاف الوجبات للصائمين بعد غروب شمس كل يوم من رمضان في المسجد الأقصى، حاول الاحتلال أن يلزم الحركة بالتنسيق معه لإدخال وجبات الإفطار في كل يوم من رمضان إلى المسجد الأقصى إلا أنها رفضت رفضاً قاطعاً وأكدّت أنها لا تنسق نظام إدخال هذه الوجبات إلا مع هيئة الأوقاف الإسلامية فقط. وقد أصرّت الحركة على ذلك الموقف حتى لا تعطي أدنى فرصة للإحتلال الإسرائيلي ليستغلها مدعيا وجود سيادة له في المسجد الأقصى.
عندما بدأت الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا بسلسلة مشاريع الإعمار في المسجد الأقصى بداية من مشروع إعمار المصلى المرواني ثم إقامة الحمامات والمتوضآت ثم إعمار الأقصى القديم ثم فتح بوابات المصلى المرواني العملاقة وإعمار الساحات والطرق الموصلة إلى تلك البوابات لما قامت بكل ذلك بإدارة ورعاية هيئة الأوقاف الإسلامية حاول الاحتلال أن يستدرج الحركة الإسلامية وأن يبدي لها استعداده لتسهيل كل الطرق لها من أجل إدخال كل ما يلزم من مواد خام لكل تلك المشاريع الإعمارية بشرط أن تنسق معه كل خطوة تخطوها في مسيرة تلك المشاريع الإعمارية إلا أن الحركة رفضت ذاك العرض وظل جوابها هو جوابها، الذي أكدّت فيه أنها لا تنسق إلا مع هيئة الأوقاف الإسلامية، وقد تمسكت الحركة بذاك الجواب الحق لأنها كانت تدرك أن الاحتلال الإسرائيلي سيظل يبحث عن أية فرصة سانحة وفق حساباته، كي يعتمد عليها مدّعياً أن له سيادة في المسجد الأقصى وبات مرجعاً لما يدور في المسجد الأقصى.
عندما بدأ مشروع الرباط العبادي في المسجد الأقصى بدأت تصل رسائل إلى المرابطين والمرابطات من الاحتلال الإسرائيلي مفادها أن الاحتلال قد يغض الطرف عن مشروع الرباط إذا اجتنب المرابطون عقد حلقات علمهم قريبا من باب المغاربة، وإذا لاذوا بالصمت طوال رباطهم ولم يرفعوا أصواتهم بالتكبير، وإذا لم يعترضوا على اقتحامات زبانية الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى إلا أن المرابطين والمرابطات رفضوا كل تلك العروض التي وصلتهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وأكدوا أنهم يرفضون الرضوخ لإملاءات الاحتلال لأنه فاقد الشرعية وفاقد السيادة ولا يجوز له أن يتدخل في شؤون المسجد الأقصى، وأكدوا في نفس الوقت أنهم يلتزمون فقط بتوجيهات هيئة الأوقاف الإسلامية، سيما أنهم في رباط، والرباط عبادة دينية حثّ عليها القرآن والسنة.
بناء على ما تقدم كان بإمكان الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا أن توافق ولو شكلياً على التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي في عروضه أو بعضها، وكانت ستجنّب نفسها سلسلة المحن الطويلة التي تعرضت لها، ولعلها كانت ستجنّب نفسها الحظر الإسرائيلي الذي وقع عليها في أواخر عام 2015ـ ولكنها رفضت تلك العروض وما حملت من مغريات، وإستعدت للصبر على كل المحن الطويلة التي وقعت عليها، ولعلها كانت تعلم أن رفضها المبدئي لكل عروض الاحتلال قد يجّر عليها حظرها إسرائيليا، ومع ذلك أصّرت على الموقف لأنها كانت تعلم أنها لو نسقت مع الاحتلال الإسرائيلي في أحد مشاريع عملها في المسجد الأقصى التي كانت كثيرة، فإنها ستثبت له عند ذلك السيادة على المسجد الأقصى، وهذا يعني أنها ستثبت له شرعية لوجوده في المسجد الأقصى، وستنفي عنه صفة الاحتلال، وعندها ستخسر كل دورها في المسجد الأقصى، وستتسبب بأن تخسر الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني معركتهم مع الاحتلال الإسرائيلي حول المسجد الأقصى . وعندها ستتسبب بوقوع كارثة على المسجد الأقصى!! لأن الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيلياً قد أدركت سلفاً كل ذلك، فقد أدركت أن المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى هي معركة سيادة ما بين سيادتنا الحقة الوحيدة وسيادة الاحتلال الإسرائيلي الباطلة، وهي معركة فاصلة وثقيلة لا تحتمل التلون، ولا النفاق السياسي، ولا المزايدة، ولا إستباحة تحويل قضية المسجد الأقصى إلى سلعة تجارية دنيوية بهدف كسب ربح في معركة انتخابية أيّاً كانت أو بهدف كسب إعلامي زائل، أو بهدف كسب أنصار ومؤيدين، أو بهدف الإقتراب من صناديق دعم صادقة وغيّورة على المسجد الأقصى، أو بهدف المناورة السياسية مهما كانت أعذارها .
بناء على ما ذكر سابقا لا بد أن ننبه أنفسنا وخاصة أهل السياسة ألا يتعثروا في تصريحاتهم حول المسجد الأقصى، حتى لو وقع التعثر بحسن نيّة، لأنه لا مكان لحسن النيّة في خطاب أي سياسي إذا جرّ تصريحه المتعثر خسراناً قد يكون قاتلاً على المسجد الأقصى، وعلى سبيل المثال عندما أعلن أيمن عودة رئيس القائمة المشتركة عن الشروط التي سيضعها مطلباً أساساً أمام الجنرال غانتس حتى توصي القائمة المشتركة بغانتس رئيساً للحكومة كان من ضمن هذه الشروط كما صرح بذلك أيمن عودة أن يعترف الجنرال غانتس أن: ( المسجد الأقصى مكان صلاة للمسلمين فقط، وإعادة الوضع القائم..) أي منع الإقتحامات من قبل المستوطنين!! وقد يبدو هذا الشرط في ظاهره نصراً للمسجد الأقصى، ولكنه في حقيقته طعنة من الخلف للمسجد الأقصى!! لماذا؟! لأن معنى هذا الشرط وكأن أيمن عودة يطلب من الجنرال غانتس أن يوافق على اعتبار المسجد الأقصى مكان صلاة للمسلمين فقط، وأن يوافق على منع المستوطنين اقتحام المسجد الأقصى، وهنا الخطر كل الخطر على المسجد الأقصى، لأن هذا الشرط يحوّل قضية المسجد الأقصى من مسجد محتل إلى مسجد خاضع للسيادة الإسرائيلية، ولأنه خاضع لهذه السيادة فإن أيمن عودة يطالب الجنرال غانتس الذي سيمثل هذه السيادة أن يوافق على صلاة المسلمين فقط في المسجد الأقصى، وأن يوافق على منع المستوطنين من اقتحام المسجد الأقصى!! وكأن هذا الشرط الذي يطالب به أيمن عودة يسلّم سلفاً أن السيادة على المسجد الأقصى هي سيادة إسرائيلية، وفي ذلك خسارة قاتلة في معركة السيادة على المسجد الأقصى!! ولذلك الحذر الحذر من أي تصريح متعثر حتى لو كان بحسن نية، لأنه قد يجر على المسجد الأقصى ما لا تحمد عقباه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى