ملاحظات على هامش انتخابات الكنيست

توفيق محمد
بعد أن انتهت الجولة الثالثة من انتخابات الكنيست خلال عام واحد وأفرزت 58 عضوا لكتلة نتنياهو و40 عضوا لكتلة غانتس و7 للبرمان و15 للمشتركة، وهنا لي ان أسجل بعض الملاحظات على الأسلوب والعبر المستخلصة من النتائج النهائية التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة:
ازددت قناعة أن مقاطعة انتخابات الكنيست هي الأفضل لمجتمعنا.
على خلاف المجتمع اليهودي ومنتخبيه الدولة تريدنا في الكنيست.
بات من المؤكد أن القائمة المشتركة كانت سببا في ازدياد قوة الليكود وأن الليكود كان سببا في ازدياد قوتها.
تعزيز مكانة أعضاء الكنيست العرب.
الاحتكاك بالناس أفضل بآلاف المرات من التنظير ومخاطبتهم عبر كافة وسائل الإعلام.
واجب الوقت يقضي بالوقوف صفا واحدا أمام الهجمة المسعورة على الحريات والثوابت الدينية والعمل الإنساني والوطني.
الخطاب السياسي الاندماجي “المتأسرل” يشكل خطرا كبيرا على مجتمعنا.
قبل كل شيء انتهت الانتخابات، وبقي كل منا نحن أبناء الداخل متمسكا بموقفه منها، ولكل الحق في ذلك، وإن كانت الحملات قد حملت معها حالة من الاحتقان والتراشق والتشنج من كلا الطرفين، كان بالإمكان التنازل عنها والبقاء على حالة الدعوة الى الموقف الذي يتبناه كل فريق دون اللجوء الى التخوين والتسفيه، لأن كلا من الفريقين على قناعة أنه يخدم شعبه وقضيته من خلال الأسلوب والطريقة التي اختارها لهذا الهدف، ولذلك كنت كل الوقت ولا أزال على هذا الموقف الذي لا أرضى عنه بديلا، وهو من الطبيعي، بل من الصحي أن تكون وجهات نظرنا مختلفة ومتباينة، ولكننا مع ذلك دائما نجد الفسحة والمساحة التي تُمَكِّننا من العمل المشترك لخدمة الهم الأكبر والقضية الأكبر، ومع ذلك فإنه يحق لكل طرف منا أن يبدي رأيه وفق هذه القاعدة وينتقد الآخر سواء كان ذلك قبل الانتخابات أو بعدها، وعليه فإنني أقول:
ازددت قناعة أن مقاطعة انتخابات الكنيست هي الأفضل لمجتمعنا، لأن العقلية اليهودية الإقصائية الإحلالية هي المسيطرة على المشهد العام في البلاد، ولأن تجربة السبعين عاما الماضية لم تثبت لنا سوى أن الوجود العربي في الكنيست وجود تجميلي لوجه عنصري بات يعلن عن عنصريته بصراحة وجلاء لم يسبقه مثيل، ولذلك فإننا جميعا مطالبون أن نجلس سويا الى طاولة الحوار، ونعيد تقييم هذه السبعين عاما من جديد ونبحث عن المعادلة الأصح والأسلم لنا ولمجتمعنا.
على خلاف المجتمع اليهودي ومنتخبيه الدولة تريدنا في الكنيست: وهذه حقيقة فالدولة وأجهزتها البحثية والأمنية المختلفة تريدنا أن نشارك في انتخابات الكنيست بشكل فعال، وتريد أن نكون ممثلين هناك لأن ذلك يساهم في تسويق الرواية الصهيونية عالميا، ويضفي الشرعية على هذه الرواية في كل المحافل الدولية، ولكن في المقابل فإن المجتمع اليهودي بسواده الأعظم الذي بات مجتمعا يمينيا متطرفا في رؤيته لقضية شعبنا الفلسطيني، ومتطرفا في رؤيته للوجود الفلسطيني العربي الإسلامي في البلاد، هذا المجتمع بات لا يريد رؤية هذا العربي في مراكز صناعة القرار وفي مفاصل الدولة.
بات من المؤكد أن القائمة المشتركة كانت سببا في ازدياد قوة الليكود، وان الليكود كان سببا في ازدياد قوتها: أدّعي أن هجوم نتنياهو وجوقة الليكود المنفلت على العرب في البلاد، بل وانضمام غانتس وجوقته الى هذا الهجوم ساهم بشكل فعال في حصول القائمة المشتركة على المقعدين الإضافيين التي حصلتها القائمة المشتركة في الجولة الثالثة، فهذا الهجوم جعل من المصوتين العرب يتكاتفون نكاية بالمحرضين وليس حبا بالكنيست، وبالمقابل فإن الهجوم المقابل الذي كانت المشتركة مضطرة اليه للرد على الهجوم المضاد أيقظ خلايا اليمين النائمة التي لم تصوت في الجولتين السابقتين، وقد دلت المعطيات ان الأصوات التي حصل عليها حزب الليكود من مدن التطوير قد ازدادت بشكل كبير عما كانت عليه في الجولتين السابقتين، وأدعي ان نتنياهو – وهو ثعلب سياسي متمرن- يدرك تماما ان زيادة اعضاء المشتركة لن يكون في صالح معسكر غانتس الذي وقع في مصيدة نتنياهو وأعلن هو وأقطاب حزبه أنه غير معني بدعم المشتركة له في أي تشكيل حكومي، وأبدى وجها يمينيا متطرفا وحاول ان ينافس نتنياهو في ملعبه وفي بيته، وهو ما جعله نسحة تقليدية مرفوضة في ظل وجود الأصل، كما وان لبرمان –بيضة القبان- لن يكون مستعدا للقبول بدعم أعضاء الكنيست العرب لحكومة سيكون هو شريكا فيها، وبالتالي فان نتنياهو عوّل على زيادة قوة معسكره ليصل الى الحسم الرقمي وكان قاب قوسين أو أدنى من تحصيل ذلك، وإلا فانه يعوِّل على إحداث شق في معسكر غانتس والحصول على ما ينقصه إما من حزب “كحول لفان” أو من حزب العمل وهي الأسافين التي بدأ أقطاب معسكر نتنياهو يدقونها منذ إعلان نتائج الانتخابات للإيحاء بان أعضاء معينين من الأحزاب المعنية سينشقون لصالح حزب الليكود، وهو وإن لم يتحقق حتى الآن لكنه يحدث حالة من زعزعة الثقة في الفريق المنافس، ومن مثل نتنياهو يمكنه ان يستفيد من كل المتناقضات السياسية وتوظيفها لصالحه.
تعزيز مكانة أعضاء الكنيست العرب: لاحظنا في الأشهر الأخيرة وبالذات بعد انتخابات شهر أيلول/2019 ان أعضاء الكنيست العرب باتوا يعملون جنبا الى جنب مع رؤساء السلطات المحلية العربية وكأنهم هم رؤساء السلطات المحلية، علما أن وظيفتهم تشريعية، ولاحظنا أن مؤسسات الدولة أضحت تستحضر أعضاء الكنيست العرب في قضايا هي من لب عمل رئيس السلطة المحلية، ولا علاقة لعضو الكنيست بها، مثل أزمة السير بين كفر كنا والمشهد والبحث عن حلول لها، وأنا أدعي أن الأمر تم على هذه الشاكلة من أجل زج إنجازات تخص حياة الناس لأعضاء الكنيست العرب، وهي في الأساس من اختصاص رؤساء السلطات المحلية وبإمكان الرؤساء القيام بها دون الحاجة الى استحضار عدد من أعضاء الكنيست للاجتماع بمدير عام وزارة أو أقل من المدير.
الاحتكاك بالناس أفضل بآلاف المرات من التنظير ومخاطبتهم عبر كافة وسائل الاعلام: في هذه الجولة ركزت القائمة المشتركة أكثر من ذي قبل على الاحتكاك بالناس وزيارتهم في البيوت وتنظيم الاجتماعات الانتخابية، ومخاطبة الناس وجها لوجه وعدم الاكتفاء بمخاطبتهم عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا شك ان هذا غذى الناس، وبالذات غير المؤطرين سياسيا بروح قتالية بالذات في ظل الهجوم الأرعن الذي قاده نتنياهو وجوقته على العرب، وإزاء هذا المعطى فان واجب الوقت يستدعينا جميعا سواء من يعتبرون المشاركة في انتخابات الكنيست الطريقة الفضلى لخدمة قضايا المجتمع العربي وسواء من يقاطعون انتخابات الكنيست ان نستفيد منه، فقد اثبتت هذه الجماهير أنها عندما تستفز في عقر دارها فإنها قادرة على الوقوف في وجه المد العنصري المتصاعد ضدها، ولذلك فإن واجب الوقت يدعونا ان نستثمر هذه الحالة لإيقاظ النضال الجماهيري في وجه سياسة هدم البيوت والتمييز العنصري والاضطهاد الديني والقومي والملاحقات السياسية وتكميم الأفواه وتقييد الحريات، وفي وجه غول العنف الذي يضرب كل مفاصل مجتمعنا، أقول انه يجب ترجمة هذه “القوة الانتخابية” الى قوة نضالية جماهيرية تسعى لوقف كل مظاهر التغول السلطوي على مجتمعنا وعلى أهلنا وعلى عملنا السياسي والحزبي والإنساني والتكافلي والاجتماعي، وهذا يقودني الى النقطة التالية.
واجب الوقت يقضي الوقوف صفا واحدا أمام الهجمة المسعورة على الحريات والثوابت الدينية والعمل الإنساني والوطني: بتنا نشهد في السنوات الأخيرة تغولا سلطويا حادا على عملنا السياسي والوطني بشكل غير مسبوق، فبالإضافة الى اعتقال الشيخ رائد صلاح وتلفيق التهم والإدانة والحكم عليه بالسجن، وبالإضافة الى اعتقال الرفيق رجا اغبارية الأمين العام السابق لحركة أبناء البلد، تتم ملاحقة عشرات النشطاء السياسيين والقيادات الدينية مؤخرا فمنهم من يعتقل، ومنهم من يبعد عن الأقصى لشهور، ومنهم من يعتقل بسبب عمله الإنساني، مثل جابرة الخواطر الأخت آية خطيب، ومثل اعتقال الشيخ الدكتور رائد فتحي بعد محاضرة ألقاها في مسجد دار الهجرة في بيت حنينا والامساك به من طرف ملابسه ودفعه بشكل يوحي بتعمد الإهانة له، وهو العالم والفقيه وإهانته بهذا الشكل هي إهانة لكل المجتمع العربي في بلادنا، وأعتقد أن السكوت عليها من قبل هيئاتنا التمثيلية خطأ يجب تداركه، ثم الاعتقالات الترهيبية لكل من الأخوة الناشطين محمد كبها معاذ خطيب وعلي أبو ليل، ثم منع الأسرى المحررين من الاحتفال بإطلاق سراحهم وملاحقة أسرهم في لقمة عيشهم، ثم التهديد بإخراج لجنة المتابعة العليا عن القانون، كل ذلك يستدعي وقفة واحدة موحدة من كل الطيف السياسي والمجتمعي ولا يقولن أحدنا ان الملاحقة هي لتيار بعينه دون غيره، كما يكتب بعض “مناضلي” الفيسبوك، لأن السكوت عن جانب سيستجلب إن آجلا او عاجلا ملاحقة سياسية وتكميم أفواه، وتقييد حريات لكل أطياف مجتمعنا.
الخطاب السياسي الاندماجي “المتأسرل” يشكل خطرا كبيرا على مجتمعنا: البعض منا اختط نهج خطاب الأسرلة والإندماج كرد على المقولات التي روجها نتنياهو وجوقته، بل والمفاصل المختلفة في الدولة بان أعضاء الكنيست العرب لا يهتمون بقضايا ناخبيهم، وأنهم يركزون جل عملهم للقضية الفلسطينية، وللأسف فقد انساق هذا البعض الى هذا الخطاب انسياقا كليا جعل من القضايا المطلبية جل ما يمكن ان يُهتم به، وجاء ذلك على حساب القضايا الوطنية والمفصلية الهامة ليس فقط في قضية شعبنا الفلسطيني وإنما في مجمل مفاصل حياتنا في طابعها الوطني.
أخيرا انتهت الانتخابات، ربما تتشكل على أثرها حكومة إسرائيلية، وربما حسب النتائج التي لم تأت بحسم لأي من الفريقين أن نكون على أبواب جولة رابعة، ولكن نحن باقون في أرضنا وفي وطننا نعيش مع بعضنا نفس الألم، ونتطلع الى نفس الأمل، فلندع كل ما كان من تراشق إعلامي من وراء ظهورنا، ولنبحث عما يجمعنا ونعمل سويا لخدمة مجتمع هو أحب الينا من كل شيء، ولننتقد، لا بأس في ذلك، فنحن متنوعون ومختلفون ولكن لتحكمنا مصلحة شعبنا ومجتمعنا وأدبنا ولنبتعد عن أي تجريح فيكفينا من يجرحنا ويلاحقنا ويضطهدنا.



