أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الطريق إلى القدس بين: دمشق والقاهرة .. طهران وأنقره

الشيخ كمال خطيب
# دمشق والقاهرة
من اليوم الأول الذي وقعت فيه القدس تحت الإحتلال الصليبي عام 1099، فقد تعالت الأصوات من كل أرجاء العالم الإسلامي تطالب القادة والأمراء بالعمل من أجل تحريرها وتحرير المسجد الأقصى المبارك.
كانت البداية من عماد الدين زنكي أمير الموصل والذي أمر بصنع منبر يقدّم هدية للمسجد الأقصى في يوم تحريره، لكنه قُتل، فأكمل المشوار بعده ابنه نور الدين زنكي والذي مات قبل أن يحقق أمل والده بل أمل وأمنية الأمة كلها، فحمل الراية وأكمل المشوار صلاح الدين الأيوبي أشهر القادة العسكريين خلال حكم نور الدين.
صحيح أن الأمة يومها كانت تعيش صحوة علمية ودينية مباركة ساهمت في إذكاء جذوة الجهاد والتفاني من أجل تحرير القدس، لكنها كذلك كانت ما تزال تعاني من نقطتي ضعف بل خنجرين في ظهر الأمة ولا بد من التعامل معهما قبل بدء مشروع التحرير. أما الأولى فكانت تتمثل بأن مصر كانت تحكم من قبل الفاطميين العبيديين الشيعة، وهؤلاء كانوا سببًا مباشرًا في سقوط القدس لأنهم سحبوا حاميتهم التي كانت في القدس قبيل وصول طلائع الجيوش الصليبية، وتركوا القدس تصارع قدرها لوحدها زيادة عما كان لهؤلاء من مواقف سلبية بل عدائية من باقي المسلمين يومها.
وأما نقطة الضعف الثانية فهي أن بلاد الشام وعاصمتها دمشق كانت تحت إمرة أمراء وزعماء فاسدين لا بل إنهم كانوا في صراعات دامية بين بعضهم البعض مع أنهم كانوا أبناء عمومة حيث اتخذ كل منهم مدينة كبيرة فجعلها إمارة له، فكانت إمارة دمشق وإمارة حلب وإمارة الموصل وهكذا، وكل هؤلاء وبدل أن يكونوا يدًا واحدة في مواجهة الصليبيين إلا أنهم فعلوا عكس ذلك، فكان كل منهم يستقوي بالصليبيين بل ويوقّع معهم معاهدة دفاع مشترك وتزويدهم بالطعام والسلاح مقابل أن يحموه ويقاتلوا معه ضد ابن عمه في الإمارة الأخرى، وهكذا.
نعم لقد أدرك الفاتح صلاح الدين الأيوبي أن الطريق إلى القدس لا بد أن تمر عبر القاهرة ودمشق، أي أنه لا يمكن له النجاح في سعيه وخطته ومشروعه لتحرير القدس إلا أن يبدأ بتخليص القاهرة من الحكم الفاطمي، وإلّا أن يخلّص دمشق من حكم الأمراء العملاء. نعم لقد بدأ صلاح الدين مشروع تحرير القدس من تحرير القاهرة عام 1171 ثم دمشق عام 1174 ثم حلب عام 1181 ثم الموصل عام 1185 ثم كان تحرير القدس عام 1187 بعد معركة حطين الخالدة في مواجهة جيوش الاحتلال الصليبي الفرنجي.
هكذا كان الحال إذًا يومها، وهكذا حرر صلاح الدين القدس من الصليبيين، أما وأن القدس قد عادت لتقع تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1948 في جانبها الغربي ثم استكمال احتلال جانبها الشرقي في العام 1967 وسقوط الأقصى المبارك.
ومن يومها كذلك تعالت الأصوات في أرجاء الأمة مطالبة بالعمل الجاد لتحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك، وبرز ذلك بعد حريق المسجد الأقصى عام 1969 حيث تم الإعلان عن إقامة منظمة المؤتمر الإسلامي، ونادى باسم القدس كثيرون، ولبس عباءة تحريرها المزيّفة كثيرون ولعلّ في وصف سلوكهم مع القدس ما قاله الشاعر:

فَضُّوا بِكَارَتَها، داسُوا كرامتها وهامَ في مقلتيها البؤسُ والعَدمُ
جَزُّوا ضفائرها، هدُّوا منابرهَا وفي آذانِنَا عنها بها صَمَمُ
نادت “وَامُعتَصماه” أدركْ عقيلَتَكُمْ قال الأشاوِسُ: نامي ماتَ معتصمُ
لكنْ هناك البديل الفَذُّ في يدنا حتى يسود الحقّ والعدْلُ والسَّلَم
مباحثاتٌ، وتصريحٌ، ومؤتمرٌ كذا عناقٌ يليه الوعْد والقسَمُ
وإنْ تمادَى العِدَى فالحلُّ مؤتَمر لنشْجُبَ ما عاثُوا وما أَثِمُوا

ولأن أعداء الأمة يقرأون التاريخ، ولأنهم عرفوا خطة صلاح الدين الأيوبي في تحرير القدس من الاحتلال الصليبي بدءًا من القاهرة ودمشق فإنهم عمدوا وسعوا إلى أن تكون مصر وسوريا والقاهرة ودمشق من جديد تحت إمرة زعماء يتظاهرون بالقومية والوطنية، ولكنهم في الحقيقة خنجرًا في ظهر الأمة. فكانت البداية من الملك فاروق ودوره الخياني في حرب 1948 والنكبة التي حلّت بشعبنا وقيامه بمعاقبة جماعة الإخوان المسلمين التي أرسلت الآلاف من شبابها للتطوع للجهاد في فلسطين، فقام فاروق بإعلان حلّ الجماعة نهاية العام 1948 ثم أكمل مهمته باغتيال المرشد حسن البنا في 12/2/1949.
ثم استمر ذلك بوجود حكم جمال عبد الناصر في مصر وفي زمنه ضاعت وسقطت القدس عام 1967، ثم كان السادات الذي قام بزيارة اسرائيل وتوقيع اتفاقية السلام معها في العام 1977، ثم جاء من بعده حسني مبارك الذي رأينا وسمعنا قبل أسبوع فقط كيف رثاه الإسرائيليون وقد عبّروا عن عميق حزنهم بموته بسبب خدماته الجليلة لهم، ثم كانت ثورة 25 يناير 2011 التي خلعته وجاء الشهيد محمد مرسي ليحكم سنة واحدة فقط، ثم انقلب عليه السيسي بدعم وتأييد وتمويل أمريكي وإسرائيلي ومن آل سعود وآل زايد، وهو الذي لا يجاريه أحد في مقدار حب الإسرائيليين له، وأنه معجزة السماء لبني إسرائيل في كل سياساته وخاصة في حربه السافرة ضد أبناء المشروع الإسلامي “الإخوان المسلمين” ممن في أبجديات مشروعهم العمل على إيقاظ الأمة من غفلتها وتجنيد مقدراتها لتحرير القدس والمسجد الأقصى.
ومثلما فعلوا في مصر لتحييدها عن مشروع تحرير القدس والأقصى فإنهم فعلوا ذلك مع سوريا، وكلنا يعلم دور وزير دفاع سوريا عام 1967 حافظ الأسد حيث سقطت القدس وضاعت الجولان، ثم انقلابه ووصوله للحكم عام 1970 وبقاءه في الحكم حتى العام 2000 متظاهرًا بالوطنية والقومية، بينما حظيت اسرائيل في زمانه بحدود آمنة لم تطلق فيها رصاصة واحدة من الجانب السوري اتجاه إسرائيل. مات حافظ الأسد وجاء ابنه بشار الذي أكمل المشوار، مشوار تحييد سوريا ودمشق وانشغالها من أن تكون جزءًا من مشروع تحرير القدس عبر مجزرته وتدميره لسوريا منذ العام 2011 حين رفض الاستجابة لنداءات شعبه بالحرية والكرامة، وما يزال إلى اليوم وقد قتل منهم قريبًا من مليون وشرّد قريبًا من 12 مليون، ولتبقى القدس تلعق جراحها وتمسح دموعها بانتظار اليوم الذي فيه تتحرر القاهرة ودمشق من طواغيتها حتى تمهد الطريق نحو القدس لتحريرها.

# طهران وأنقره
ومع تحييد دمشق والقاهرة وهما الجارتان الأقرب للقدس الشريف عن أداء الدور لإنقاذها وخلاصها، فإن الدور والمهمة انتقلت إلى مواقع في الصفوف الخلفية جغرافيًا، وكان أبرز هؤلاء وهي إيران التي ومنذ أربعين سنة فإنها أقامت تشكيلًا عسكريًا أسمته فيلق القدس، حيث ظاهر اسمه يشير إلى مهمته وأنها ليست إلا تحرير القدس والمسجد الأقصى المبارك.
لكن الواقع والممارسة يؤكدان أن فيلق القدس هذا لم يكن إلا لافتة جذّابة وشعارًا برّاقًا لتسويق مشاريع إيران التوسعية في المنطقة، حيث قال قائد فيلق القدس الذي قتل في العراق قبل أسابيع قاسم سليماني “إن أربعة عواصم عربية هي اليوم تحت أيدينا بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء”، والغريب أن القدس التي على اسمها سميّ فيلق القدس لم ترد على لسان سليماني ولا غيره.
لكن الأخطر في نظري أن إيران ومن خلال فيلق القدس وميليشياتها الطائفية فإنها هي التي حافظت وساعدت ودافعت عن بشار الأسد ليستمر في الحكم امتدادًا لأبيه حافظ الأسد، وليستمر في حماية حدود إسرائيل، وليستمر في تحييد سوريا ودمشق من أداء دورها في تحرير القدس والأقصى.
لقد برز ذلك جليًا في عدم رغبة إسرائيل ولا عملها رغم فرص كثيرة كانت متاحة لإسقاط بشار الأسد وحكمه لكنها لم تفعل ذلك أبدًا، لأنها ترى في بقائه واستمرار حكمه ذخرًا وكنزًا استراتيجيًا، وكيف لا وطلعات سلاح الجو الإسرائيلي كانت تعبر فوق القصر الجمهوري في دمشق مرات عديدة، لكنها أبدًا ولو في مرة واحدة لم تقم بما يشير إلى رغبتها في التخلص منه.
وبرز الدور الإيراني في الحفاظ على الكنز الاستراتيجي الإسرائيلي “بشار” عبر قيام قاسم سليماني وفق تصريحات لمسؤولين روس بإقناع بشار بعدم تقديم استقالته وعدم الخروج من سوريا في العام 2013، بعد أن وصلت قذائف المعارضة السورية قريبًا من قصره ووصلت إلى محيط مطار دمشق الدولي، حيث كان الوعد من سليماني لبشار بتدخل إيراني نوعي وهذا ما كان، ولكن الأبرز من كل ذلك في دور إيران أن سليماني نفسه هو من اجتمع بالرئيس الروسي بوتين وأقنعه بالتدخل المباشر وإرسال الطائرات الروسية إلى سوريا بعد أن أدرك سليماني أن قوات فيلق القدس والميليشيات الشيعية المنضوية تحت لوائه لم تفلح في مهمة منع انهيار نظام بشار الأسد، وهذا ما حصل في العام 2015 من التدخل الروسي المباشر عبر اسطول جوي من القاذفات والمقاتلات الروسية ضد قوات المعارضة.
لقد شوهد قاسم سليماني وهو يتجول بين خراب وبقايا أحياء حلب التي دمّرها وهجّر أهلها في شتاء 2016، وليكون السؤال هل فعل سليماني كل هذا الدمار في سوريا من أجل أن يمهد الطريق نحو القدس، أم أن الذي قام به كان يصب في صالح من يجثمون على صدر القدس من المحتلين الإسرائيليين.
لم تكتف ميليشيات إيران التي استقدمتها من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان تحت لافتات طائفية صارخه مثل “حسينيون”، “فاطميون”، “زينبيون” فلم تكتف بما قام به هؤلاء من تهجير أهالي حمص ثم غوطة دمشق ثم حلب وكل ذلك تحت شعار مكافحة الإرهاب والحرب على داعش، وإذا بهم وحتى بعد الإعلان الرسمي عن تدمير وتفكيك داعش يذهبون للقتال في إدلب وارتكاب المجازر بحق أهلها ولتهجيرهم.
لقد انفضح أمرهم مطلع الأسبوع الحالي حينما قتل العشرات من مرتزقة حسن نصر الله في منطقة إدلب ليتبين أن ألفًا من هؤلاء قد شاركوا في معركة سراقب، وانفضح أمرهم بعد مقتل رجال دين إيرانيين في معارك إدلب، وقد كان بعض هؤلاء القياديين في المراكز القيادية لقوات بشار.
وعليه فإننا نتساءل ويتساءل كل عاقل أليس من يريد السير في طريق القدس فعليه أن يتوجه جنوبًا من دمشق وليس شمالًا إلى إدلب؟ إن معركة تحرير القدس أيها الكاذبون لا تبدأ بتهجير وتشريد وقتل السوريين وتدمير مدنهم وقراهم الأمر الذي اضطر أنقرة لاستخدام جيشها وقوتها بشكل مباشر من أجل حماية أربعة ملايين سوري في إدلب بعد أن فتحت حدودها واستقبلت قريبًا من أربعة ملايين لاجئ يعيشون في أراضيها.
نعم إن الطريق إلى القدس لا بد أن تمر عبر القاهرة ودمشق كما كان يوم خلاصها من الاحتلال الصليبي، وهذا ما يجب أن يكون اليوم لتخليصها من الاحتلال الصهيوني، وإنهما دمشق والقاهرة وقد عادتا إلى ما كانتا عليه يومها من وقوعهما تحت أيدي حكم باطني عميل وحاقد في سوريا وحكم عميل في مصر.
قلنا وسنظل نقول إن القدس شريفه ولن يحررها إلا شرفاء، وإن القدس طاهرة لن يحررها إلا أطهار، وإذا نجحت إسرائيل وحلفاؤها من الروس والأمريكان وعملاؤها من أمثال بشار والسيسي وابن زايد وابن سلمان في تحييد دمشق والقاهرة عبر إفشال والانقلاب على ثورة الشعب المصري والشعب السوري فإن عليهم أن يعلموا علم اليقين أن هذا حال لن يدوم، وأن مآل ثورات الشعوب أن تنتصر، وأن العملاء إلى مزابل التاريخ، وأن دور القاهرة ودمشق في مستقبل القدس سيكون حاسمًا بإذن الله تعالى، وأن إرهاصات ذلك ومؤشراته تكمن في مناجم الخير والأصالة والدين التي تكمن في شعوبنا، وملامح الصحوة بل والتململ والثورة والتي حتمًا وإن تعثرت وأريد إجهاضها إلا أنها ستنتصر بإذن الله، وعندها سيكون الطريق سريعًا وممهدًا نحو القدس “يسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبًا”.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى