أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نحو ميــــثاق اجتماعي (1)

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي
لا يزال غول العنف والقتل والجريمة يضرب مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني حتى ليخال المراقب انّ هذا المجتمع قارب التفكك والفناء الحضاري والثقافي، خاصة في ظل ارتفاع مستمر لعدد القتلى حيث يقتلون دون ذرة من وازع وضمير وتتكشف يوميا أبعاد جرائم العنف عبر مزيد من الأرامل واليتامى والحقيقة أن قتل رب أسرة هو الدمار بحد ذاته.
للعنف دور كبير في الدورات الحضارية الانسانية ولا أخال ثقافة بشرية تنجو منه، وللعنف ضروب كثيرة تترأوح بين العنف اللفظي الى القتل وبين العنف النفسي الى امتهان البدن واستعباده، وللعنف أشكال وادوات تتطور منذ بدء دورات الحضارة الى يومنا هذا، والعنف المحسوب والمقصود هو الأسوأ بين انواع العنف إذ أنه أداة لتحقيق أهداف عادة ما تكون مادية/ مالية أو للسيطرة والاستئثار على ممتلكات الأخرين أو بسبب رفض افكار بعينها والاعتراض عليها من طرف قد تكون جماعة أو دولة، وعادة ما يفضي العنف الى تدمير مقومات الحياة للجماعات والاسر والافراد، والعنف إذ يكون مقصودا ويستعمل عن سابق إصرار فإن هدفه الأساس إلحاق أكبر الضرر بالمعنفين، إما بهدف التخلص منهم أو السيطرة عليهم وفي كلتا الحالتين نفقد إنسانية الإنسان فردا وجماعة.
في هذه السلسة من المقالات سأتناول سبل طرح ميثاق اجتماعي مؤسس على عقد اجتماعي يروم مصلحة مجتمعنا العربي أساسا في الداخل الفلسطيني، معتقدا انه ما بقي إلا القليل ممن لا يعتقدون أن مدننا وقرانا ونجوعنا تعيش حربا شرسة يقودها مجموعة من المجرمين والقتلة لا يودون مصلحة اهلهم ووطنهم وبلدهم، بل يكرهونها وبأعمالهم ينتقمون ولا أبعد النجعة إذا قلت إنهم أدوات سلطوية لتدميرنا وهدم حصوننا من الداخل. وهؤلاء لا يكفي وصمهم بالعمالة والعملاء فقد فاقوهم عملا وفسادا وهناك مساع حثيثة لتدمير هذا المجتمع، وهو ما يلزم القوى السياسية والاجتماعية الحية التي تشكل رأس الحربة الوقوف على عقد اجتماعي عام وميثاق اجتماعي مخصوص بكل بلد وبلد، خاصة تلكم التي نكبت بالعنف والجريمة والقتل، وهذا الميثاق سيكون بعد بلورته وموافقة الاهل عليه ملزم لكافة مكونات مجتمعنا الفاعلة سواء كانت سياسية أو مجتمعية أو عشائرية أو حمائلية أو غير ذلك. وتعتمد هذه المقالات على نظريات العقد الاجتماعي ونظرية الاستعداد في المواجهة الحضارية للاستعمار ونظريات التقريب والتغليب ومقاربات في السياسة والاجتماع.
استشعــار التحدي..
لا يشك عاقل أن العنف الذي يضرب مجتمعنا إن لم نطور أدوات للتعامل مع كافة أقسامه وأنواعه، سيؤدي إلى خلل خطير يضرب مجتمعنا من داخله ويهدد حصونه الداخلية، وفي مجتمعنا العربي في الداخل الفلسطيني ثمة مؤشرات تشي أننا انحرفنا عن الجادة، والخوف بات يهددنا ونتحسب من رجالات الجريمة المنظمة وغير المنظمة، وهو ما سيؤدي بنا الى تشيئنا كأفراد ثم الى تحقيق التشيء بيننا، والتشيء بهذه المناسبة هو مفهوم انساني يعكس مدى توغل المادة في شخصياتنا بحيث تتحول العلاقات بيننا من علاقات مجتمع الى علاقات افراد تحكمها قيم اجتماعية وافدة تمكنن “أي تجعله آلة” الانسان وتحيل علاقاته الى علاقات آلية تحكمها انماط وقيم مادية صرفة وبهذه الطريقة تتم حوسلتنا (الحوسلة من نحت الفيلسوف المصري عبد الوهاب المسيري) وتعني تحويل الانسان الى وسيلة باعتبارنا أشياء. أي اننا نتحول الى أدوات من حيث لا ندري بأيدي الجريمة المنظمة ومن يحميها من الشاباك الاسرائيلي وأجهزة الامن الإسرائيلية، أي الى وسائل يديرونها كيفما شاءوا.
بناء على ما سلف، وفي ظل تفشي العنف، دون رقيب أو حسيب أو وازع من اخلاق، فإننا كبشر نفقد كينونتنا الاجتماعية وهويتنا الذاتية بقسماتها الاخلاقية والفكرية والعقدية لنتحول الى أدوات، باختصار نتحول من فاعل الى مفعول به. وبذلك نتحوقل ونتمركز حول اشياء لا تتجاوز السقف المادي وسيكون أكثر ما نرومه من الحياة تحت فلك هذه الدولة كيف نعيش بطمأنينة وأمان.
في ظل غياب الامن سنلجأ الى من يمكنه ان يمنحنا الامان والأمن وفي هذه الحالة ستكون منظمات الجريمة والمؤسسة الاسرائيلية الحاميتان لنا ولأن الأمن الذي سيتم تحقيقه لنا لا بدَّ له من مقابل فإننا سنتحول خلال جيل أو جيلين الى عملاء ووكلاء جريمة.
إنَّ مدى استشعارنا للتحدي هو السبيل الأمثل للوقوف بوجه هذا الغول مهما كانت قوته وسطوته وأدواته ومن يقف خلفه وفي هذا السياق ستكون حاجتنا الماسة لتخليق أيديولوجيا التنازع إذ التنازع في واقعه المجرد قتال بلا سيوف ولا رماح ولا خناجر ولا اسلحة نارية، مهما كان نوعها وسينجم عن هذا التنازع سباق مرير بيننا نحن الذين نريد الحياة والأمن والأمان من أجل البقاء وإعمار الأرض، وبين المجرمين والقتلة ومن يقف خلفهم، عندها ستكون حرب ظلال وأخرى مكشوفة نحن فيها لا نملك ادوات الجريمة من سلاح وقوة خلفية ولكننا نملك حقا أخلاقيا يتمثل بالدفاع عن النفس سيصل بنا عاجلا أم آجلا الى اتباع وسائل خشنة نحتكرها لانتزاع ادوات العنف التي يمتلكها المجرمون والقتلة ومن يقف خلفهم، وقد تصل الى الاضرار بممتلكاتهم واموالهم وثرواتهم الاقتصادية ذلك ان اصل إجرامهم يتنوع لفرض السيطرة من أجل الكسب المال بطرق غير شرعية.
في عالم الطبيعة والحيوان تجترح الكائنات وسائل فذة يقف علماء الاحياء والحيوان والطبيعة مذهولين امامها في كيفية اجتراحها للبقاء على قيد الحياة، على الرغم من القاعدة تقول إن البقاء للأقوى، فهل فقد الانسان الادوات التي تحقق له الحياة يوم تتغول مجموعات من المرتزقة تعيث الفساد في الارض وتقتل من ابنائنا وتدمرهم تدميرا؟
حتى نحقق مفهوم التنازع أيديولوجيا، لا بدَّ من ثلاثة خطوات فكرية وسياسية واقتصادية يقوم بها المجتمع كمجتمع متكاتف يوزع فيما بينه المهام لتحقيق هذا المنجز يكون فيه المجتمع شريك ليقف بقوة امام ادوات الجريمة والعنف.
إذا كان قانون الحياة يقوم على ان الحياة للأقوى فإننا أمام تحد كبير يجب على كل واحد منا استشعاره والعيش معه والتفكير بشكل جماعي بناء على ما اسلفت من ثلاثية الخطوات لتحقيق انتصار ساحق على هذا الغول ونحن كمجتمع فلسطيني نملك من ادوات القوة والبأس ما يمكننا حسم الصراع مع هذا الغول خلال مدة زمنية قصيرة والقوة التي نملكها اليوم تتمثل بالقدرات البشرية المتعلمة والعالمة فمن ملك ناصية العلم والتعلم الذي هو عكس الجهل والتجهيل ملك إمكانية تسطير انموذج للحياة مؤسس على ما ذكرت عماده الحرية والقيم والتعاضد المجتمعي، ولأننا نملك منظومة أخلاقية وأعراف عالية المقام ونملك تاريخا ونعيش على أرض هي لنا وبيننا من القوى السياسية الحية ما يمكنها ان تقوم والمجتمع الأهلي من إعادة بنائنا من جديد على اساس من المساواة والحرية والعدالة الاجتماعية والاعتراف بالتعدديات الفكرية والدينية والثقافية كأساس لإعادة ترميم ما تهدم من بنيان مجتمعنا، وهو ما يتطلب ابتداء ميثاقا اجتماعيا نجتمع حوله كمجتمع فلسطيني نتعاضد ونتعاهد على نبذ العنف ومعاقبة القتلة والمجرمين والمفسدين.
في هذا السياق لا بدَّ لنا من تطوير ميثاق اجتماعي مؤسس على عقد اجتماعي يعترف أولا وقبل كل شيء بالأزمة التي نعيش ويحدد الجهات المسؤولة عن هذا العنف بصراحة مطلقة يعمل فيها بمبضع الجراح لا بمكياجات مختلفة.
هذا الميثاق الاجتماعي مؤسس كما أشرت على عقد اجتماعي قوامه العدل والحق والمساواة والتعاضد والتراحم والعمل المشترك والايمان بأن الحوار أساس مهم في بناء العقد الاجتماعي المؤسس لهذا الميثاق، وتلكم بدايات الخروج من كماشة العنف في ظل غياب السلطة الحامي الفعلي للمجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى