أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

جدلية أدب النقد وأدب الثناء

د. أنس سليمان أحمد
افتعال النقد وشطب مبدأ النقد مرفوضان
كان ولا يزال أدب النقد هو المرآة التي يرى بواسطتها الحاكم والعالم والسياسي وسائر الرعية أخطاءهم، وعلى هذا الأساس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمن مرآة أخيه المؤمن)، وإلا بدون هذه المرآة سيبقى كل من الحاكم والعالم والسياسي وسائر الرعية سادراً في أخطائه، ولن يراها على حقيقتها إلا بواسطة هذه المرآة، ولذلك فإن كل عاقل بغض النظر عن منصبه ودوره يدرك أنه بحاجة إلى أدب النقد وإلى إفشاء هذا الأدب الناقد حتى يمتلك المرآة التي يرى فيها أخطاءه، وهذا يقول إنه بحاجة إلى من يقول له بأدب: أخطأت إذا أخطأ، كما هو بحاجة إلى من يقول له أحسنت إذا أحسن، وهذا يجعل من كل عاقل حريصاً على أدب النقد كحرصه على أدب الثناء، فمن الضروري أن يجد من يقدّر له عمله ويُثني عليه إذا أحسن، وفي نفس الوقت من الضروري أن يجد من يمحّص له عمله ويتأدب في نقده إذا أخطأ، وهكذا يتم الحفاظ على التوازن المطلوب بين أدب النقد وأدب الثناء بلا إفراط ولا تفريط!! ومن أبجديات هذا التوازن المطلوب ألا يكون هناك افتعال للنقد كأن يختلق الناقد موضوعاً وهمياً حتى ينتقد، وألا يكون هناك افتعال للثناء، كأن يختلق المادح موضوعاً وهمياً حتى يثني، وفي نفس الوقت ألا يكون هناك شطب لمبدأ النقد أو لمبدأ الثناء، والخطر كل الخطر أن يختل هذا التوازن كأن يختلق البعض موضوعاً وهمياً من أجل افتعال نقد أو ثناء، أو أن يرّحب البعض بالثناء ويرفض النقد أو أن يرحّب البعض بالنقد ويرفض الثناء، وألا يُعاب على الناقد إذا حافظ على هذا التوازن فقط من أجل إسكاته، ولا تكال التهم الوهمية لأدب نقده من أجل تكميم فمه وقلمه، كأن يُكال له – وهماً- تهمة التجريح وهو لا يجرّح، أو تهمة المناكفة وهو لا يناكف، أو تهمة التخوين وهو لا يخوّن، أو تهمة التكفير وهو لا يكفّر، وواهم من يظن أن يطمع أن يكون ذا منصب دينيّ أو سياسيّ أو إداريّ أو اجتماعي أو أدبيّ دون أن يقع في دائرة جدليّة أدب النقد وأدب الثناء، والمطلوب سلفاً أن يوطّن نفسه على سعة الصدر حتى يتقبل بسعة صدره أدب النقد وأدب الثناء، وإلا فأن ما قد يصدر عنه من قول وعمل وموقف ليس صواباً دائماً وليس خطأ دائماً، مما سيعرّضه بالضرورة إلى أدب النقد وأدب الثناءـ ووفق هذه المقدمة أواصل حديثي بارتياح وأقول أحب الشيخ حمّاد أبو دعابس وأشهد له بالخير الكثير وأدعو له دائماً بالتوفيق، ولكن ذلك لن يمنعني أن أتسلح بأدب النقد وأن أقول للشيخ حماد أبو دعابس: أخطأت في كذا وكنت أتمنى لك ألا تخطئ، وعلى سبيل المثال فقد وصف الشيخ حمّاد أبو دعابس مقاطعي لعاعة الكنيست قبيل دورتها رقم واحد وعشرين بالمتفلسفين والمتخاذلين، وقد أخطأ في ذلك لأنه ليس أي إنسان بل هو رئيس حركة، وليست أية حركة، بل حركة تجتهد أن تسير وفق رؤية إسلامية، وكم تمنيت له ألا يقع في ذاك الخطأ، ولكن ومع شديد حزني فقد وقع الشيخ حمّاد أبو دعابس في نفس الخطأ بعد انتخابات لعبة لعاعة الكنيست رقم إثنين وعشرين فها هو يصف من قاطع لعاعة الكنيست رقم إثنين وعشرين أو تحلى بأدب النقد وانتقد حيثيات هذه اللعبة وما صاحبها من أحداث محليه وعالمية أو تحلى بأدب النقد وانتقد القوائم الكنيستية العربية ومرشحيها، ها هو يصفهم بالحاقدين في مقالة له نشرتها صحيفة الميثاق بتاريخ 2019/09/27 حيث يقول في هذه المقالة: (.. غالبيَّة شعبنا أحبَّت وحدة الصَّفِّ السِّياسيَّة، وتريد من برلمانييها، أن يكونوا مؤثِّرين، ويريدون أن يحسب لهم ساسة هذه الدَّولة الحساب اللَّائق بحجم جمهورنا العربيِّ. ولا يريدون أن نتقوقع، نعدُّ أخطاء فلان وزلَّات علَّان. فماذا استفاد شعبنا وماذا عساه أن يستفيد من مناكفاتٍ حاقدةٍ، لا تخدم ديناً ولا تعمِّر وطناً ولا تبقي أُلفةً ولا محبَّةً، بل تزرع بغضاً وكراهيَّةً وفرقةً؟ ثقوا أنَّ الجميع يعرف من يحقد على من، ومن يحسد من، ومن همُّه إفشال غيره..) ثم يواصل الشيخ حمّاد أبو دعابس مقالته ويقول: (.. لا تلتفتوا للمثبطين، فإن الحسد لن يمنع رزقاً، وإن الحقد لن يغيّر قدرا..)!! سامحك الله يا شيخ حمّاد!! فوفق دلالة نصك التي لا تخفى على أصغر أو أبسط قارئ فقد بات في نظرك كل من مارس أدب النقد في لعبة الكنيست هو مناكف وحاقد وحاسد ومثبط، وهو زارع بغض وكراهية وفرقة!! لماذا يا شيخ حمّاد؟! أليس مبدأ أدب النقد حقاً للجميع سواء من كان مع أو ضد لعبة الكنيست؟! ها هي الحركة التي تقف أنت على رأسها تقول في بيان لها بعنوان: (لا يشكر الله من لا يشكر الناس) صدر بتاريخ 2019/09/18: (تؤكد الحركة الإسلامية احترامها لاختلاف المواقف السياسية بالنسبة للمشاركة والمقاطعة في الانتخابات، ونعتبرها اختلافات مشروعة ومعتبرة. وتدعو إلى ضرورة التراجع عن خطاب التشكيك والتشهير والتكفير والتخوين، الذي ينزلق إليه البعض)!! فإذا كانت مقاطعة لعبة الكنيست مشروعة وفق هذا البيان، فلماذا سامحك الله نعتّ من قاطع هذه اللعبة أو تحلى بأدب النقد عندما انتقد الخائضين فيها بهذه الأوصاف الصادمة التي لا نعهدها عليك إطلاقاً!!
ثم ألست أنت القائل – سامحك الله- في مقالة لك بعنوان: (شكراً جزيلاً شعبنا المعلم المعطاء): (العقلاء لا يؤسسون عداوات دائمة على اختلاف مواقف سياسية بين أبناء الشعب الواحد، ولا يحوّلون أي خلاف إلى أحقاد وضغائن..) حيث تؤكد في هذا القول إنه قد يكون هناك اختلاف مواقف سياسية، كأن يكون البعض مع أو ضد لعبة الكنيست، ومن حق كل طرف أن يعبّر عن موقفه وأن يتحلى بأدب النقد وأن ينتقد الطرف الآخر، فإذا فهمنا قصدك جيداً في هذه المقالة فلماذا – سامحك الله – نعت من قاطع لعبة الكنيست أو انتقدها بما نعتهم به!! وهل كل من بات اليوم ينتقد متحلياً بأدب النقد القائمة المشتركة وأشخاصها وممارساتها هو كما نعت – سامحك الله – من قاطع لعبة الكنيست أو انتقدها؟!
ولا ريب أنك تعلم أن من ينتقد اليوم لعبة الكنيست أو القائمة المشتركة ومواقفها ليسوا من الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليا فقط بل هناك من هم من التجمع أو الجبهة أو أبناء البلد أو الحركة الإسلامية الجنوبية أو المستقلين، ولا ريب أنك تعرف بعض أسماء هؤلاء، وأنك قد قرأت بعض مقالاتهم، فهل كل واحد من هؤلاء: مناكف وحاقد وحاسد ومثبط وهو زارع بغض وكراهية وفرقة!! سامحك الله يا شيخ حمّاد!! نعم كنّا ولا زلنا في طريق المشروع الإسلامي نرفض خطاب التشكيك والتشهير والتكفير والتخوين، وكنا ضحايا هذا الخطاب، وإلى جانب ذلك سنبقى نتزين بأدب النقد ولن نجامل أحداً إذا وجب نقده!! ولك منّا الدعاء الخالص وخالص المحبة يا شيخنا يا شيخ حماد.. ولا تنسانا من دعائك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى