أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

قصة المعلم الذي كشف أسئلة الامتحان لطلّابه

الشيخ كمال خطيب
إنّ ظاهرة تسريب أسئلة الامتحانات قبل موعد الامتحان من قبل أحد المعلمين والمسؤولين في المدرسة أو الجامعة هي ظاهرة معروفة في العديد من الدول وهي تمثل صورة بشعة من صور الفساد وموت الضمير عند معلم مقصّر يريد أن يعكس صورًا غير حقيقية عن طلّابه الذي قصّر بحقهم، أو مدير فاشل يظن أنه بهذا سيرفع اسم مدرسته، أو بسبب طمع ماديّ حين يتم تلقي مقابل ماديّ ممن تصل يديه أسئلة الامتحان.
لكننا هنا بين يديّ حالة وقصة لمعلم كشف عن أسئلة الامتحان وقام بنفسه بنشرها وتوزيعها على الطلّاب قبل يوم الامتحان، وكانت المفاجأة أن أكثرهم قد فشلوا ورسبوا في الامتحان. وقد قال لهم أنها الأسئلة السبعة التي ستكون في الامتحان وأنها تقسّم إلى مجموعتين:
الأولى تتضمّن ثلاثة أسئلة، والثانية تتضمن أربعة أسئلة. وأكد لهم المعلم أن هذه الأسئلة يقينًا ستكون ولن يحدث تغيير في أحدها ولو في آخر لحظة.
الغريب واللّافت أن الطلّاب قد تعاملوا مع كشف الأسئلة لهم من معلمهم بطرق مختلفة وانقسموا إلى قسمين: القسم الأول فإنهم كذبوه ولم يصدقوا أقواله ورفضوا التعامل مع الأسئلة بجدية أبدًا، وضربوا بما قال عرض الحائط. وأما القسم الثاني فإنهم الذي صدّقوا المعلم ولكنهم أيضًا انقسموا إلى فئتين: فئة قرأت الأسئلة جيدًا وراجعت المادة والمصادر المطلوبة واستوعبت كل ما كتب. فلمّا كان يوم الامتحان كانت أجوبتهم أجوبة الواثق من نفسه، فكانت الإجابات صحيحة، والنجاح مؤكدًا. وأما الفئة الثانية وهي كذلك صدّقت المعلم وما سرّبه لهم من أسئلة الامتحان، ولكنهم كانوا مستهترين ولم ينكبوا على كتبهم للدراسة ولم يسهروا الليالي وقالوا ما دام السؤال معلومًا، فنحن سندرس قبل الامتحان بساعات ونجتهد ونذاكر. ولمّا كان وقت الامتحان تبين لهم فعلًا أن الأسئلة كانت كما سرّبها لهم المعلم، لكن إجاباتهم كانت ركيكة ومعلوماتهم غير دقيقة، وقد أصابهم الذهول، بل والندم على التقصير لعدم الاستعداد الكافي، فكانت النتائج مخيبة للآمال.
أما المعلّم فإنه ليس إلا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وأما التلاميذ، فإنهم المسلمون كل المسلمين، بل كل البشرية. إنه النذير الذي قال عنه ربه سبحانه وتعالى {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} آية 214 سورة الشعراء، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} آية 45-46 سورة الأحزاب.
إنه الذي حذّرنا وأطلعنا وعرّفنا على الامتحان الذي سيكون وعلى الأسئلة السبعة بمرحلتين:
أما المرحلة الأولى فإنها الأسئلة الثلاثة في القبر، وأما المرحلة الثانية فإنها الأسئلة الأربعة يوم القيامة.
أما أسئلة القبر الثلاثة، فهي التي قال فيها صلى الله عليه وسلم، وأخبرنا بها قبل أن تكون من أجل أن نستعد ونتهيأ جيدًا للجواب الصحيح غير المتلعثم. إنهما الملكان اللذان يأتيان كلًا منا في قبره، فتعاد روحه في جسده، فيقولان له: من ربك، فيقول ربي الله، فيقولان: ما دينك، فيقول ديني الإسلام، فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم، فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما الكافر فإنهما يقولان له من ربك؟ فيقول: ها وها، لا أدري، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ها وها لا أدري، فيقولان: وماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: ها وها لا أدري.
إنها الأسئلة الثلاثة إذن في القبر: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فمن استعد لهذا اليوم وصدّق رسول الله صلى الله عليه وسلم المعلّم والهادي، فإنه سيجيب الإجابات الصحيحة بإذن الله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} آية 26 سورة إبراهيم.
إن صاحب الإجابات الصحيحة هو الذي سينادي منادِ من السماء أن قد صدق عبدي فافرشوا له من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة وألبسوه من الجنة، فيأتيه من ريحها وطيبها، ويفتح له فيها مدّ بصره. وأما من لم يصدّق المعلم ولم يستعد للامتحان والإجابة على الأسئلة الثلاثة، بل كان جوابه المتلعثم والمرتبك ها وها لا أدري، فإنه ينادي منادِ من السماء أن كذب فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار. فيأتيه من حرّها وسمومها ويضيّق عليه في قبره حتى تختلف فيها أضلاعه.
إنها أسئلة ثلاث إذن في المجموعة، الأولى قالها وسرّبها لك المعلم صلى الله عليه وسلم، من ربك وما دينك ومن نبيك، إنها أسئلة يسيرة فوق الأرض، لكنها عسيرة تحتها في ظلمات القبور يوم تطيش العقول، إلا أن يكون التثبيت من الله تعالى وحسن الاستعداد.
وأما المجموعة الثانية من الأسئلة وهي الأسئلة التي أخبرنا بها المعلّم والهادي صلى الله عليه وسلم، والواردة في حديثه “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟”
إنها أسئلة عظيمة، ليست أمام معلم الدنيا في المدرسة، وإنما أمام الواحد القهار. إنها الأسئلة الأربعة في مواضيع أربعة: العمر، الشباب، العلم والمال.
يوم القيامة، يسأل كل واحد منا أسئلة اليوم يعرفها ويسمعها وقرأ عنها ما قاله صلى الله عليه وسلم. فالسعيد من استعدّ للجواب، والشقي هو من كذب أو ظلّ يسوّف. وإنه الفارق الكبير بين امتحان الدنيا الذي يمكنك تدارك تقصيره بالنجاح في الامتحان الذي يليه، أما امتحان يوم القيامة، فهو المصيري والنهائي والذي لا فرصة لإعادته {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} آية 8 – 9 سورة القارعة.
أيها المسافر، قف!
خطط الزوجان كثيرًا للرحلة العائلية التي سيقضيانها مع الأولاد، حتى إذا جاء وقت السفر حملوا معهم حاجاتهم وزادهم. وبينما الرجل يقود السيارة في الطريق السريع، وإذا به يرى على جانب الطريق رجلًا يشير بيديه، فأوقف الرجل سيارته ونزل ليسأله عن حاله وإلى أين سيذهب. قال الرجل: أنا المال! فسأل الرجل زوجته وأولاده هل نأخذ المال ونسمح له بركوب السيارة معنا؟ أجابت الزوجة والأولاد مباشرة بالقبول بدون تردد، ولسان حالهم يقول: “هذا المال لا يمكن لأحد أن يتخلى عنه، لعله سينفعنا في السفر”.
أكملت العائلة طريقها، وبعد قليل وإذا برجل آخر يجلس على جانب الطريق يلوّح بيديه، فأوقف الرجل سيارته وترجّل ليسأل الرجل عن حاله واسمه وإلى أين سيمضي. قال الرجل: أنا المنصب، أنا السلطة، فسأل الزوج زوجته وأولاده: هل نسمح له بالقدوم معنا؟ قالت العائلة بلا تردد: بالطبع، إن المنصب ينفعنا ويحقق تطلعاتنا، وبواسطته نصل للذي نريد وتشرع لنا كل الأبواب.
انطلقت العائلة ومعها كلًا من المنصب والمال، تحفّهم السعادة الغامرة بهذا الحظ الجميل الذي صادفهم. ومرة أخرى وإذ برجل ثالث يجلس على قارعة الطريق يلوّح بيديه، فنزل إليه الأب وسأله كما سأل سابقيه، فقال الرجل: أنا الدين، هل تأذن لي بالركوب معكم؟ فسأل الرجل عائلته وأجابوا جميعا أننا ماضون إلى رحلة للاستمتاع، وأن الدين سيحرمنا منها بنهيه عن الأمور وضوابطه وأحكامه، وإنما نحن خرجنا من أجل الكيف والمرح، ولكن ربما نأخذه معنا في رحلة العودة إن بقي مكانه فنحمله معنا إلى حيث يريد.
مضت السيارة فيها الزوج والزوجة والأولاد، معهم المال والمنصب، وتركوا الدين على قارعة الطريق. فجأة وخلال سيرهم، وإذا بحاجر ونقطة تفتيش في وسط الشارع، قد سبقتها بعض الإشارات. أشار الرجل الواقف في نقطة التفتيش للزوج بالنزول من السيارة، وراح يسأله عمن بداخلها، فأجاب الرجل إنها عائلته ومعهم المال والمنصب. فسأل الرجل، أليس الدين معكم؟ إنما أبحث عن الدين. فقال الزوج، لا والله، لقد لقيته في الطريق منذ فترة قصيرة، اسمح لي أن أرجع لآتي به، وسأعود اليك. قال الرجل: لا ليس بإمكانك الرجوع، ولتعلم أنه الدين وحده الذي كان سينفعك لو أنك أركبته معك. قال الرجل: وزوجتي وأولادي والمال والمنصب، ألا ينفعونني؟ قال لا، إنهم لن ينفعوك ولا حاجة لي بهم. قال الرجل السائق: فمن تكون أنت يا هذا؟ قال أنا الموت الذي كنت عنه غافلًا، ولم تحسب حسابه.
فجأة وبينما الزوج السائق يقف مع الرجل عند نقطة التفتيش (الموت) وإذا به يسمع ويرى زوجته وقد ركبت السيارة وانطلقت بها هي وأبناؤها ومعهم المال والمنصب. جنّ جنون الرجل وأخذ يصرخ بأعلى صوته “يا زوجتي يا أبنائي، يا مال يا منصب” لكن أحدًا لم يجبه، ليظل وحده يقف أمام الموت في طريق الرحلة التي انتهت بشكل مفاجئ. لقد ذهبوا جميعًا ولم يبق منهم معه أحد، وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف “يتبع الميّت ثلاثًا، فيرجع اثنان ويبقى معه واحد: يتبعه ماله وأهله وعمله، فيرجع ماله وأهله ويبقى عمله”.
كثيرون هم الذين تخطفهم الدنيا بطريقها ويستعبدهم المال والمنصب وحب الزوجة والأولاد، وينسون أنهم يومًا سيرحلون عن هذه الدنيا دون أن ينفعهم واحد من هؤلاء {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ بَنُون إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} آية 88-89 سورة الشعراء.
لقد أصبح لكل شيء قيمة في ميزان الناس في زماننا هذا إلا الدين، فإنه بالنسبة للبعض على هامش اهتماماتهم مع أنه العنصر الأساس الذي بغيره خسارة الدنيا والآخرة. وما أجمل ما قاله الإمام الخوارزمي يوم سئل عن قيمة الإنسان ومكانته، فأجاب: إذا كان الإنسان ذا دين وأخلاق فإنه يساوي واحد (1)، وإذا كان ذا جمال فأضف إلى الواحد صفرًا (10)، وإذا كان ذا مال فأضف صفرًا آخرًا (100)، وإذا كان ذا منصب وجاه فأضف صفرًا آخر (1000). فإذا ذهب الدين والأخلاق فقد ذهبت قيمة الانسان ولا يبقى له إلا أصفارًا لا قيمة لها.
إنه الدين الذي أراد أعداء الله أن يكون بالنسبة للمسلمين مجرد مظاهر جوفاء في حياتنا بعد إذ كان يحكم كل صغيرة وكبيرة من حياة المسلمين أفرادًا وجماعات بدء من الآداب البسيطة، مرورًا بالعبادات والفرائض وانتهاء بنظام الحكم ودولة الخلافة. إن الدين ليس شيئًا هامشيًا في حياتنا، بل إن الحياة بلا دين تصبح بلا قيمة وتصبح كالغابة، فاجعلوا الدين كل شيء في حياتكم، واجعلوه الضابط والميزان لكل فعل أو قول.
هيا لنستعد للامتحان وضمان الفوز بإذن الله، وكيف لا يكون ذلك، وأنت تعرف الأسئلة سلفًا وقد عرّفك بها البشير النذير والمعلم والمربي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى