أخبار رئيسيةأخبار عاجلةعرب ودولي

هل تواجه الأمم المتحدة مصير عصبة الأمم؟

ليس انتقاد الأمم المتحدة وفشلها في أداء مهامها وتحقيق وعودها بجديد. لكن حدة النقد لإخفاقات هذه المنظمة الأممية تزايدت في السنوات الأخيرة، وحتى أن بعض المراقبين ذهبوا إلى القول إن مصير الأمم المتحدة قد يكون مثل مصير سابقتها، عصبة الأمم، التي تم حلها بنهاية الحرب العالمية الثانية. والدافع لكل هذه الانتقادات هو أن الأمم المتحدة، التي تأسست في نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، ربما لم تعد قادرة على العمل بنفس الكفاءة في عالم أصبح أكثر تعقيداً من النواحي الجغرافية والسياسية، هذا بالإضافة إلى وجود نقاط ضعف بنيوية في هيكلية المؤسسة التي لا يبدو حالياً أنها ستنجح في إصلاحها والتخلص من إرثها البيروقراطي أو في التكيف مع تحديّات عالم أكثر عنفاً.

وسلط تقرير عن عمل بعثة الأمم المتحدة في ميانمار، صدر أخيراً، الضوء مجدداً على الإخفاقات والعراقيل البيروقراطية التي تمنع القيام بإصلاحات جذرية داخلية كافية للنهوض بمؤسساتها المختلفة، حتى لو توفرت النوايا الحسنة للقيام بذلك. وخلص التقرير، الذي صدر في إطار تقييم داخلي للأمم المتحدة، إلى وجود إخفاقات منهجية في تعامل المسؤولين في بعثة الأمم المتحدة في ميانمار مع ملف الروهينغا. ولم يحمّل التقرير، الذي أعده وزير خارجية غواتيمالا السابق جيرت روزنثال، المسؤولية لشخص بعينه، بل تحدث عن إخفاقات منهجية. ويتعلق التقرير بقضية نزوح نحو 700 ألف شخص، أغلبهم من مسلمي الروهينغا في ميانمار، إلى بنغلادش وتعرضهم للملاحقة والقتل والاغتصاب والطرد. وعلى الرغم من أن التقرير يضع المسؤولية الرئيسية لما حدث على عاتق حكومة ميانمار، إلا أنه يشير إلى ثلاث نقاط أساسية في تعامل الأمم المتحدة مع هذه القضية وإخفاقها. وهي تتخلص بطريقة تعامل الأمم المتحدة مع السلطات المحلية، وسياسات وهيكلية منظمات الأمم المتحدة على الأرض، والتنافس واختلاف الاستراتيجيات بين وكالات الأمم المتحدة وبين منظمات دولية أخرى. ويمكن إسقاط هذه النقاط وتعميمها على إخفاقات الأمم المتحدة في قضايا عديدة، على مر السنوات، مع خصوصية كل وضع وسياقه. ويتساءل التقرير “هل كان بإمكان الأمم المتحدة أن تلعب دوراً أفضل يتجنب وقوع الأحداث، التي وقعت بين 2012 و2017 وما زالت مستمرة، أو يقلل من انتشارها بطريقة ما، خصوصاً في ولاية راخين؟”

يشار إلى أن نفقات المؤسسات التابعة إلى الأمم المتحدة بلغت 50 مليار دولار في العام 2017. وتسدد كل دولة ما يتوجب عليها بحسب حجم ميزانيتها، بالإضافة إلى التبرعات التي تغطي أغلب النفقات التي تُصرف في الغالب على البرامج الإنسانية والغذائية والصحية واللاجئين وغيرها. وعند الحديث عن مؤسسات ومنظمات الأمم المتحدة فإن ذلك يشمل أكثر من 10 منظمات ومؤسسات وبرامج، بينها برنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، واليونسكو، واليونيسف، وقوات حفظ السلام، ومجلس حقوق الإنسان، ومجلس الأمن، والجمعية العامة وغيرها. وعلى الرغم من أن جميع هذه المنظمات تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو غوتيريس، إلا أن الأخير محكوم بديناميكيات تعوق حركته، كما كان الحال مع سابقيه، من دون أن يقلل ذلك من المسؤولية التي تقع على عاتقه للقيام بتغييرات جذرية.

لكنّ غوتيريس أقل استقلالية، مقارنة بسابقيه. وهو يحاول، منذ توليه منصبه في 2017، اتباع سياسة “الدبلوماسية الناعمة” وعدم إغضاب الفاعلين الكبار، كالولايات المتحدة وروسيا والصين وغيرها من الدول، إذ يتجنّب انتقادها بشكل مباشر، متبعاً سياسة الإمساك بالعصا من الوسط. لكن سياسته لم تنجح في حل أي من المشاكل العالقة في الملفات السياسية، بينها اليمن وفلسطين وسورية وليبيا والسودان والعراق وغيرها، حيث الانقسامات على الساحة الدولية والأرض أكبر من أن تتمكن الأمم المتحدة من مواجهتها. والوقوف بوجه الدول الكبرى بحزم يعني عدم انتخابه لولاية ثانية، كما حدث مع بطرس غالي الذي اضطر لسحب ترشحه لولاية ثانية بعدما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضده في أربع جولات انتخابية في مجلس الأمن. ولم يأت تولي دونالد ترامب للحكم في الولايات المتحدة بنفس الفترة التي بدأت بها رئاسة غوتيريس إلا بالمتاعب على الأمين العام للأمم المتحدة.

لكن هناك مجالات أخرى يمكنه إحراز تقدم فيها، ألا وهي البنية التنظيمية والبيروقراطية والشفافية في الأمم المتحدة. وأحد هذه الإشكاليات يتعلق بمجلس الأمن، وتحكّم الدول دائمة العضوية، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا، به واستخدامها لحق الفيتو. وتعود هذه الإشكالية إلى تاريخ تأسيس الأمم المتحدة الثاني، أي بعد الحرب العالمية الثانية، وسيطرة الدول المنتصرة على المنظمة. ومنذ نحو 25 سنة هناك خطط ولجان ومشاورات سارية من أجل إصلاح عمل مجلس الأمن، بما فيها ضم دول جديدة دائمة العضوية وتغيير نظام الفيتو وغيره. إلا أنه لم يتم إحراز أي تقدم ملموس، خصوصاً أن الدول ذات النفوذ لا تريد التنازل عن هذا الأمر وعليها الموافقة على الإصلاحات المقترحة.

وإذا كان صوت الدول “العظمى” هو الأعلى عموماً، فإن أصوات ضحايا الصراعات والحروب الذين يدفعون الثمن، غائبة عن النقاشات والجلسات في معظم الأحيان. وهناك من يطالب بألا تكون هناك جلسات سريّة ومغلقة، بل أن تكون جميعها مفتوحة، وعلى الملأ، لأن من شأن هذا الأمر أن يعطي مصداقية ويضفي شفافية ويُحمل الأطراف مسؤولية أكبر. وتستخدم بعض الدول التمويل كورقة للضغط على مؤسسات الأمم المتحدة، أو حتى إضعاف أو إفشال مهامها. فالولايات المتحدة، مثلاً، تمول قرابة 20 في المائة من ميزانية الأمم المتحدة، الأساسية والإضافية، ما يجعلها وأمينها العام “رهينة” لسياسات الولايات المتحدة ودول أخرى. لكن جزءا من الحل قد يكمن في أمرين أساسيين، وهما تفعيل أفضل لدور الجمعية العامة، والتي يصل عدد الدول الأعضاء فيها إلى 193 دولة، وأن تؤخذ قراراتها بالأغلبية البسيطة أو الثلثين حسب نوعية القرار. وهذا الأمر يتطلب كذلك تنسيقاً أفضل بين الدول غير الأوروبية أو الغربية. أما الأمر الآخر فيتعلق بتغييرات جذرية يحتاج الأمين العام للقيام بها في عدد من المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، ما يزيد من الشفافية.

بعد كل كارثة أو فضيحة تعصف بالأمم المتحدة، يسمع العالم تصريحات تقول “لن نسمح بأن يتكرر ذلك”، لكنه يتكرر. وأوضح روزنثال، في تقريره السبب وراء تكرار ذلك، بقوله “بالإضافة إلى الحدود التي يضعها الميثاق على المؤسسة في علاقتها مع الدول الأعضاء ذات السيادة، فإن الإخفاقات نابعة من عوائق بنيوية تمنع أن يكون هناك تماسك أكبر في نظام عمل الأمم المتحدة لكي تقوم بمهامها. وفي هذا السياق، فإن ميانمار تبين بوضوح، أكثر من حالات أخرى، طبيعة هذه العوائق وحجمها، والديناميكيات التي تقف وراءها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى