أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقارير

عامان على تحرير الموصل: السكان يتعايشون مع الخراب

في مثل هذا اليوم قبل عامين، كانت سحب الدخان تغطي سماء الموصل العراقية، فالمدينة كانت قد خرجت لتوها من قبضة تنظيم “داعش” بعد معركة طاحنة استمرت أكثر من تسعة أشهر، شارك فيها أكثر من 100 ألف عنصر من القوات العراقية و”الحشد الشعبي” والبشمركة وقوات العشائر، بدعم بري وجوي واسع من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، ووحدات خاصة من الحرس الثوري والباسيج الإيراني التي كانت ترافق المليشيات العراقية. غير أنّ التحرير جاء بفاتورة بشرية ومادية فادحة، إذ خلّفت المعارك بحسب تقارير حكومية وبرلمانية ومنظمات محلية، أكثر من 40 ألف قتيل وجريح ومفقود بين المدنيين، ودماراً هائلاً أتى على أكثر من 70 في المائة من المدينة.

وعلى الرغم من مرور عامين على تحرير الموصل، ثاني أكبر مدن العراق بعد بغداد، إلا أن الخراب ما زال يسيطر على المشهد فيها وعلى ضواحيها، فالمنازل المهدمة التي تخفي تحت الكثير منها جثث مدنيين بعضها لعائلات كاملة قضت بالقصف، ما زالت شاخصة، خصوصاً تلك الواقعة على ضفتي نهر دجلة وداخل المدينة القديمة. كما أنّ أكثر من ربع سكان الموصل ما زالوا في الخيام أو في بلدات داخل إقليم كردستان العراق لأسباب مختلفة، أبرزها أنهم بلا منازل، وأخرى تتعلق بانعدام الماء والكهرباء والخدمات، أو بسبب فوضى الملف الأمني، حيث تتعدّد الجهات الحاملة للسلاح داخل المدينة بين الجيش العراقي والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية، وجهاز مكافحة الإرهاب ومكتب الأمن الوطني والاستخبارات العسكرية وفصائل عشائرية وأخرى تابعة لـ”الحشد الشعبي”، أوجدت لنفسها مصالح اقتصادية مختلفة داخل المدينة ضمن ما يطلق عليه اليوم “المكاتب الاقتصادية”.

وذكر المجلس النرويجي للاجئين، في تقرير له أوّل من أمس الاثنين، بمناسبة ذكرى مرور عامين على تحرير الموصل، أنّ أكثر من 300 ألف نازح موصلي لا يزالون غير قادرين على العودة إلى بيوتهم. ونقل التقرير عن ريشانا هانيفا، مدير مكتب المجلس النرويجي في العراق، قوله إنه “من المؤسف جداً بعد مرور سنتين، ما يزال مقدّرا لآلاف العوائل والأطفال أن يعيشوا في معسكرات للنازحين، وبأوضاع مزرية، وذلك لأن أحياءهم السكنية ما تزال بحالة أنقاض”. وتحدث التقرير عن آلاف المباني المدمرة في المدينة، والكثير من العائلات المهجرة التي أنفقت كل ما كانت تدّخره، وهي الآن مثقلة بالديون وتعيش على ما تقدّمه المنظمات الإنسانية من معونة، فيما آخرون محرومون من العمل والدراسة والخدمات الصحية.

المدينة التي تعاقب على إدارتها منذ تحريرها، محافظان وثلاثة قادة عسكريين، يؤكد مسؤولون فيها أنّ نسبة الإعمار الحكومية تكاد لا تذكر. فجسور الموصل الخمسة لم يعد منها إلا واحد وهو لا يكفي إلا لمسارين وتم بتمويل من منظمة غربية، بينما مستشفيات المدينة التسعة لم يعد منها إلا واحد للعمل بشكل كامل، وأخرى بنصف طاقتها، فيما لا تزال أكثر من 250 مدرسة مدمرة، وكذلك نحو 80 مركزاً صحياً، والماء الصالح للشرب يكاد يكون معدوما وسط انتشار أمراض مختلفة بين السكان نتيجة تلوث الآبار.

ووفقاً لمسؤول عراقي في المدينة التي اعتبرت منكوبة بقرار للبرلمان العراقي العام الماضي، فإنّ الحكومة تنصلت من وعود الإعمار، ولولا المنظمات الأجنبية والأممية لكان الوضع أسوأ بكثير، مضيفاً في حديث صحفي، أنّ “أغلب السكان ممن وجدوا سكناً بديلاً في مكان آخر، أو لديهم إمكانية مادية، غادروا المدينة في الأشهر الماضية”. ولفت المسؤول الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إلى أنّ “الموصل الآن تحكمها أكثر من 10 جهات، ليس من بينها أي جهة من أهلها، إنما جميعها من خارجها”. وأشار إلى أن “بغداد خصصت لكل محافظة نينوى 125 مليار دينار (نحو 118 مليون دولار)، حصة الموصل منها قرابة 30 مليون دولار، وهو مبلغ لا يكفي لتعبيد طرق المدينة أو إيصال ماء شرب نظيف للسكان”.

من جهته، قال النائب عن مدينة الموصل، عبد الرحيم الشمري، في حديث صحفي، إنّ “من يقف عند أنقاض الجسر الخامس في المدينة، سيتوقع أنه يشاهد فيلماً عن الحرب العالمية الثانية، فلن يجد أمام عينه سوى البيوت المدمرة والخراب ولا شيء غير ذلك، على الرغم من مرور عامين على تحرير المدينة”.

وبالنسبة للتعويضات على السكان، قال الشمري “حتى الآن لا تعويض حقيقياً، فهناك لجان تقوم بتقييم المنزل المدمر بنصف قيمته وترسل التقييم إلى لجنة في بغداد، وهذه اللجنة تقوم بدورها بخصم نصف آخر من القيمة، وإذا دُفعت، فلا يصل للمواطن سوى أقل من ربع قيمة المنزل، وهو ما لا يكفي لشيء”، مؤكداً أنه “لم يتم دفع تعويضات تذكر حتى الآن”. واعتبر الشمري أنّ “أبرز خطر يحدّق بالموصل اليوم هو التسابق على انتزاع المدينة سياسياً، ومشاريع الاستيلاء والنفوذ من جهات خارجية وداخلية مختلفة، فهذا خطر حقيقي يذبح المدينة”.

أمّا محمد عبد ربه، وهو نائب سابق في البرلمان وأحد أعيان الموصل، فجزم بأنّ “عدداً كبيراً من الجثث، ما زال تحت أنقاض المنازل المدمرة”، معتبراً في تصريحات صحفية، أنّ “الجثث والمفقودين في المدينة ملف إنساني مفجع”. وأضاف عبد ربه أنّ “الحكومة تخلّت عن إعمار أي شيء في الموصل، والمناشدات لا تكفي ولا تنفع معها، وأغلب العمل الآن لمنظمات أجنبية تساعد سواء بتأهيل قطاع الصحة أو التربية أو في تأمين المياه”. ولفت إلى أنّ “الموصل الآن في عين عاصفة تنافس حزبي وسياسي لانتزاع السيطرة عليها، فيما المواطنون تعصف بهم البطالة والفقر وانعدام الخدمات والتعمير”.

من جهته، قال عضو التيار المدني، أحمد كمال، في حديث معه، إنّ عمليات الاعتقال التي تتم في الموصل “هي العليا في العراق”، مضيفاً أنّ “الاعتقالات في المدينة لم تتوقف منذ عامين، وهو ملف شائك كون الجميع يمارس هواية الاعتقال الليلي باقتحام المنازل”. وتابع: “رائحة الجثث ما زالت في المدينة، والأيتام والأرامل تغصّ بهم شوارع الموصل، والناس وصلت في المدينة إلى حدّ أنها لم تعد تبالي بشيء، وقد تسير ساعات عدة في طرقات المدينة ولا تجد وجهاً مبتسماً أو علامة ارتياح على سيدة تمشي بالشارع”. واعتبر أن الحكومة تتحمل مسؤولية أخلاقية عن الوضع في الموصل اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى