أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

بالإحسان إلى الجيران نستقبل رمضان

الشيخ كمال خطيب
أيام قليلة تفصل بيننا وبين أن يهلّ علينا هلال رمضان. فاللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام. شهر رمضان الذي يعتبره كثير من المسلمين فرصة ومناسبة وتوقيتًا لزيادة الطاعات وتكثير الحسنات وهو كذلك، لكنه وبالموازاة فيجب أن يكون فرصة لمحو السيئات. يستعد له كثير من المسلمين لأنه فرصة لإشباع البطن مع أنه يجب أن يكون فرصة لتخفيف حمل الظهر من الذنوب والخطايا. هو فرصة ومناسبة لمعرفة أن لله علينا حقوقًا فيجب علينا أداؤها ولكن هو كذلك لنتذكر إن كان لعباد الله علينا حقوقًا يجب سدادها.
وإن من أعظم الحقوق التي يجب علينا الاهتمام بها فإنما هي حقوق الجيران، وإن الله جل جلاله لا يقبل منا أن نصطلح معه في رمضان دون أن نصطلح مع عباده الذين هم جيراننا. وكيف لا يكون ذلك وهو سبحانه الذي وفي آية واحدة من كتابه الذي أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فإنه جمع فيها بين عبادته سبحانه وبين الإحسان إلى الجيران {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} آية 36 سورة النساء. وإن رسوله صلى الله عليه وسلم قد اعتبر علامة الإسلام ودليله القاطع هو بالإحسان إلى الجار لمّا قال: “وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلمًا”. بل إنه اعتبر الإساءة للجيران وسوء معاملتهم هو علامة انتفاء الإيمان ودليله وبرهانه القاطع لمّا قال صلى الله عليه وسلم والله: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه. قالوا: وما بوائقه يا رسول الله. قال: شرّه”.
ولشدة حرصه صلى الله عليه وسلم على توطيد العلاقة بين المسلمين في مجتمعاتهم ليكونوا مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فإنه جعل العلاقة الحسنة مع الجيران هي اللبنة الأولى من لبنات المجتمع المتماسك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “حق الجار أربعون دارًا هكذا أو هكذا أو هكذا وهكذا يمينًا وشمالًا وقدامًا وخلفًا”. وهو الذي لمّا جاءه رجل يشكو جارًا له أساء إليه، فأمر صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه أن ينادي “ألا إن أربعين دارًا جار”. وبهذا استدل الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى أن حد الجوار الواقع فيه من أمر الله بالإحسان إليهم وأن لهم حقوقًا هم أربعون جارًا. وقد قال بعض أهل العلم: “من يسمع صوت مؤذن الحي فهو جارك” وقال آخر: “من يصلي معك الفجر في المسجد فهو جارك”.
إن من عظيم مزايا هذا الدين العظيم أنه قد أوصى بالجار مهما تفاوتت طبيعة العلاقة به، وسواء كان قريبًا لك فله حق الإسلام وحق القربى وحق الجيرة، وإن كان غير قريب فله حق الإسلام وحق الجيرة، وإن كان غير مسلم فله حق الجيرة “والصاحب بالجنب” حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم في قصته المشهورة لمّا ذبح شاة وأمر بتوزيعها وسرعان ما عاد وقال: “هل أهديتهم منها لجارنا اليهودي، قالها ثلاثًا”.
حقوق الجار لا بد منها
إن من أعظم حقوق الجار على جاره وفق شريعة الإسلام والتي فصّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة الإحسان إلى الجار، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “أحسن مجاورة جارك تكن مسلمًا”. ومن حقوق الجار كذلك إكرام الجار لجاره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره”. ومن حقوق الجار كذلك كف الأذى عنه وعدم الإساءة إليه، وقد قال في ذلك صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه”. وقال صلى الله عليه وسلم: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره” . لا بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن أذى الجار لجاره حيث تجعل هذين الخصمين أول من يقضي بينهم من الخصوم يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: “فإن الجار يخاصم جاره، إن هو آذاه أو امتنع من الإحسان إليه”.
وإن من أهم حقوق الجار على جاره أن يحافظ على حرمة جاره فلا ينتهكها ولا يعتدي على عرضه، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الزنا فقالوا الزنا حرام حرّمه الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: “لأن يزني الرجل بعشرة نسوة خير من أن يزني بامرأة جاره”. وهو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه الذي قال: “سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أكبر؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك. قلت ثم أي؟ قال: أن تزاني حليلة جارك”. قال ابن مسعود وتصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نزل بقوله سبحانه {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} آية 68 سورة الفرقان.
لقد جاءت تعاليم الإسلام العظيم هذه لتؤكد وتقرّ أعرافًا كانت سائدة عند العرب في جاهليتهم. وإذا اعتبر العرب هذه الأعراف من المروءات ومكارم الأخلاق ومعاني الرجولة، فإن الإسلام اعتبرها دينًا يدين به المسلم لله تعالى. فمن منا لم يقرأ قول عنترة بن شداد العبسي الفارس المغوار والشاعر المشهور وهو يقول:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مثواها
وقال شاعر آخر :
ناري ونار الجار واحدة
ما ضرّ جارًا لي أجاوره
أعمى إذا ما جارتي برزت
أي إنني لا أنظر إليها حتى كأنني أعمى فأغض بصري عنها مروءة وحرمة وتقديرًا للجيرة وسمو معاني الحفاظ عليها.
طويلة اللسان على الجيران من أهل النيران
ولأن للمرأة دورًا مميزًا في إرساء معاني الجيرة الحسنة مع جارتها وبالتالي مع زوج جارتها وأبنائها، أو أن يكون العكس إذا كانت هي لا تتخلق بأخلاق الإسلام، ولذلك وجّه النبي صلى الله عليه وسلم النداء ولفت الانتباه إلى النساء بشكل خاص لمّا قال: “يا نساء المسلمين لا تحقرن جارة جارتها ولو بفرسِن شاة”. بل إنه النبي صلى الله عليه وسلم وقد قيل له: “يا رسول الله إن فلانه تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتتصدق غير أنها تؤذي جيرانها. فقال صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها هي من أهل النار. ثم قالوا: يا رسول الله إن فلانه تصلي المكتوبة وإنها تصدق بالأثوار من الإقط ولا تؤذي جيرانها. فقال صلى الله عليه وسلم هي من أهل الجنة”. وإن من أهم ما يجب أن تحافظ عليه المسلمة من حقوق جارتها خصوصًا وجيرانها عمومًا وكذلك المسلم هو الستر لأسراره وعدم البوح بها وعدم فضحه بالحديث كما اطّلع أو اطّلعت عليه. وفي هذا قال الله سبحانه {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} آية 58 سورة الأحزاب.
حسن الجوار وبورصة الأسعار
دائمًا وأبدًا كان من يسعى للبحث عن مسكن له فإن حرصه كان ينصب أولًا على الجار قبل الدار، لأن حسن الجوار أو عكسه يجعل العيش في ذلك البيت يطيب أو أن صاحبه يعجل بالرحيل هربًا من جار السوء.
فقد ورد أن أحد الناس قد باع منزلًا له بثمن جعل الناس يستغربون ويعيبون عليه البيع بهذا الثمن، وأن بيته يساوي أكثر من ذلك الثمن بكثير، فأنشد الرجل قائلًا:
يلومونني إن بعت بالرخص منزلي ولم يعرفوا جارًا هناك ينغّص
فقلت لهم كفوا الملام فإنما بجيرانها تغلو البيوت وترخص
إنه فضّل أن يبيع البيت بثمن بخس على ألّا يظل يجاور شخصًا ينغّص عليه عيشه باستمرار إساءته إليه.
وهذا أبو جهم العدوية وقد أصابته ضائقة مالية فأراد أن يبيع بيته ثم يشتري بيتًا بأقل ثمن. فعرض أبو جهم البيت على رجل بمائة ألف دينار، ثم قال للمشتري وبكم تشترِ جوار سعيد بن العاص وكان جاره، كان رجلًا فاضلًا، فقال المشتري: وهل يشتري الجوار قط؟. فقال أبو جهم وقد أدرك أن الرجل لا يقدر قيمة الجيرة الحسنة، فقال له ردّ عليّ داري وخذ مالك، فإنني والله لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني وإن رآني رحّب بي، وإن غبت حفظني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن نابتني حاجة فرّج عني. فلمّا وصل الخبر إلى جاره سعيد بن العاص أرسل إليه مائة ألف دينار وقال له والله لا تبيع دارك أبدًا، إنني أشتري جوارك بمائة ألف.
فيا من يرى في رمضان الفرصة السانحة واللحظة المواتية للصلح مع الله تعالى من أجل أن يتجاوز عنك ذنوب سنة مرت، فاعلم أن هذا الصلح يظل ناقصًا بل لعله مردود عليك مهما تقربت إلى الله سبحانه إن لم تتوج هذه القربات، وإن لم يكن الباب الأول من أبواب هذا الصلح هو صلحك مع جيرانك الذين أوصاك سبحانه بهم. وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم فاستقبال رمضان بالإحسان والصلح مع الجيران ولا تتردد أن تفعل هذا قربى وطاعة لربك سبحانه، وعند ذلك ستدخل إلى شهر رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، وستدخل بإذن الله من باب الريان بما جمعت فيه من صوم رمضان والصلح مع الجيران والإحسان إليهم.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى