أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

“بير هداج” في النقب وسياسات العنصرية الإسرائيلية… اعتراف منقوص ومحاولات فرض طابع معيشي على الأهالي كمقدمة للتهجير

ساهر غزاوي
سياسات التمييز والهدم ومحاولات الاقتلاع اليومية التي تنتهجها السلطات الإسرائيلية بحق بلدات النقب مسلوبة الاعتراف وسكانها وحتى المعترف فيها، تجعلها تعيش في كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى الكلمة، إذ تحرم هذه القرى العربية من أبسط مقومات الحياة جرّاء هذه السياسات والممارسات الإسرائيلية بحق السكان العرب الفلسطينيين هناك، الذين يصرّون على التجذر في أرضهم ويرفضون مخططات الاقتلاع والتهجير الإسرائيلية.
قرية “بير هدّاج”، هي واحدة من قرى النقب الزراعية، المعترف فيها بشكل منقوص من قبل السلطات الإسرائيلية، وتتعرض البلدة لسياسة التمييز والهدم ومحاولات الاقتلاع بشكل يومي، ومنذ عدة سنوات تقوم السلطات بالتضييق على الأهالي في بير هداج، من خلال أوامر الهدم التي توزع باستمرار، وهدم الحظائر ومحاصرة مواشيهم ومطاردتها في مراعيها، لضرب الاقتصاد المحلي ومصدر رزق الناس هناك، حيث تعتبر هذه القرية من إحدى البلدات العربية القليلة التي ما زالت تحافظ على الطابع الزراعي.

وتحاول السلطات الإسرائيلية فرض الأمر الواقع على الأهالي في قرية بير هداج وإجبارهم على قبول صفقات التنازل عن أرضهم بشروط ما تسمى “سلطة تطوير وتوطين البدو”، وفرض طابع معيشي وسكني جديد على أهالي القرية وسلبها الطابع الزراعي، في ظل تهديد بالإخلاء والتهجير لأربعين منزلا في البلدة بأمر من المحكمة الإسرائيلية، فيما يدير أهلها معركة قضائية لانتزاع ما يستطيعون من حقوق إنسانية مشروعة.


لمحة تاريخية

هُجّر أهالي بير هداج من بلدتهم التاريخية، أول مرة في عام 1949 على أيدي العصابات الصهيونية، ولم ينتظر أهالي البلدة كثيرا، حيث قرروا العودة إلى أرضهم في العام 1950، ليواجه الجيش الإسرائيلي عودتهم إلى أرضهم بالتنكيل وتحميلهم في شاحنات وإعادتهم إلى داخل منطقة السياج، لكنهم لم يخضعوا لإرادة الجيش وعادوا مرة أخرى إلى أرضهم الأصلية في العام 1954.

تمت العودة الثالثة لأهل بير هداج خلال تسعينيات القرن الماضي، بقرار الرحيل من منطقة المصانع الكيماوية بجانب وادي النعم (رمات حوفاف بالتسمية الإسرائيلية) الواقعة داخل حيز قرية وادي النعم مسلوبة الاعتراف، والعودة إلى القرية، وذلك قرب أماكن سكناهم التاريخية، وإلى جانب قرية عبدة خارج منطقة السياج التاريخية في النقب غرب شارع 40 بالقرب من “كيبوتس رفيفيم” وهو التجمع السكاني الوحيد القريب الذي يتلقى منه أهالي بير هداج الخدمات.
تلقت القرية المهددة بالتهجير بشكل مستمر، اعترافا منقوصا كان نتيجة النضال السياسي والاحتجاج المتواصل من قبل أهالي البلدة. وقررت الحكومة الإسرائيلية في العام 2003، الاعتراف بهم. وتقع القرية التي يقطنها أكثر من 6000 نسمة، ضمن نفوذ المجلس الإقليمي واحة الصحراء. ويعود اسم القرية إلى بئر ماء في المكان التاريخي.
المساحة الكلية لقرية بئر هداج هي 20.000 دونم يسكنها الناس منذ عام 1994 ولكن الخارطة الهيكلية تعطي الناس فقط 6000 دونم، ولذلك يطالب الأهالي بضمان منطقة النفوذ وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه حسب الخارطة الهيكلية التي تم إقرارها. برغم الإجحاف والظلم.
وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية اعترفت ببير هداج منذ العام 2003، إلا أنها لم تربط منازل القرية بشبكة الكهرباء القطرية، ويضطر سكانها لاستخدام ألواح الطاقات الشمسية. كما تفتقر القرية لشبكة مياه، ويقوم السكان بمد الأنابيب حتى بيوتهم من نقطة تزويد رئيسية. ولا توجد كذلك شبكة تصريف صحي، وباستثناء شارع واحد معبد يصل حتى المدارس فإنه لا توجد في القرية أي طرق معبدة، إضافة إلى انعدام خدمة جمع النفايات من المنازل، وجمعها فقط من المدارس. وفي بير هداج مدرستان ابتدائيتان، ومدرسة ثانوية واحدة، و4 روضات أطفال، وعيادة طبية، وعيادة لرعاية الأم والطفل تقدم خدمات الصحة للسكان.
تراجعت السلطات الاسرائيلية من جهتها عن الاتفاق الذي تم توقيعه عام 2003 والذي يضمن الحياة للناس في قرية زراعية، وتريد كذلك ترحيلهم من الارض المحيطة بالمخطط، وتسعى السلطة لمصادرة 12.000 دونم وإرغام الناس على القبول بحياة ضمن مخطط جديد لا يمت لحياتهم الزراعية بصلة. في حين يرفض أهالي بير هداج هذا ويتمسكون بأرضهم ويطالبون بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه والحفاظ على منطقة النفوذ وهي 20.000 دونم كاملة كونها مأهولة بالسكان.


لا تتركونا وحدنا

يسطّر أهالي قرية بير هداج درسا في الصمود والثبات في أرض النقب ويقومون بالتظاهر بصورة دائمة إلى جانب خوضهم للمعركة القضائية، إلا أن عبء هدم 40 بيتا بحاجة إلى هبة شعبية من قيادات المجتمع العربي في النقب والمؤسسات المدنية ومؤسسات حقوق الإنسان، ويجب عدم ترك الناس لوحدهم في هذه القضية، يقول رئيس اللجنة الشعبية في بير هداج السيد سليم الذنفيري.

ويقول الذنفيري في حديث لـ “موطني 48”: إن “السلطات الإسرائيلية تستكثر علينا أن نعيش في أرضنا كما نشاء وتريد أن تفرض علينا طابعا معيشيا وسكنيا جديدا لا نطيقه وتسعى لسلب منا الطابع الزراعي، وتهدم الحظائر وتحاصر المواشي وتطاردها في المراعي من أجل ضرب اقتصادنا المحلي الذي نعتاش منه والذي هو مصدر رزقنا الوحيد، فضلا عن محاولة تهجير أهلنا في بير هداج المهددين بهدم 40 بيتًا، صادقت المحكمة الإسرائيلية على هدمها من أصل 70 منزلًا تقطنها عائلات تلقت إخطارات بالهدم في الأشهر الأخيرة”.
ويضيف: “رغم أن الأهالي وبمشاركة عدد من قيادة المجتمع العربي في النقب وأعضاء كنيست عرب، يواجهون المخطط العنصري بما أوتوا من قوة وبكل الوسائل المشروعة، من خلال التظاهرات والوقفات الاحتجاجية وغيرها من الوسائل، إلا أن السلطات الإسرائيلية ماضية في تعنتها وتجبرها ولن تصغي لأي أحد مهما كان منصبه وتسعى لتنفيذ مخطط الاقتلاع والتهجير، لكننا أبدا لن نرضى وسنتشبث بأرضنا وحقنا في العيش على هذه الأرض ولن نتزحزح عنها قيد أنملة”.
وبخصوص زيارة وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أريئيل، الاستفزازية لتفحص المنازل المهددة بالهدم، الأسبوع الاخير، والتي واجهها أهالي قرية بئر هداج بتظاهرة احتجاجية، يقول رئيس اللجنة الشعبية: “بسبب التظاهرة الاحتجاجية اضطر الوزير أريئيل للجوس معنا بعد أن كان يريد تجاهلنا، ونحن من جهتنا عرضنا عليه مطالبنا إلا أنها قوبلت بالرفض والتشدد منه، بل وتبجح بالقول إن أهالي بير هداج ليسوا فوق القانون وعملنا في النقب يتضمن البناء والتطوير وإنفاذ القانون دون هوادة” على حد تعبيره.

النضال مستمر

النائب سعيد الخرومي المتابع لملف بير هداج، أوضح من جانبه أن “السلطات الإسرائيلية تحاول‏ فرض حلول من طرف واحد وتريد إجبار الناس على القبول بالحلول من خلال توزيع أوامر الهدم والإخلاء وهدم يومي للبيوت”، مؤكدا في الوقت ذاته على أن “النضال مستمر في بئر هداج وباقي قرى النقب حتى تحقيق كافة المطالب الإنسانية والمشروعة وصمود الأهل على أرضهم هو صمام الأمان لمستقبل القرية”.

وبيّن الخرومي لـ “موطني 48” أنه يعمل مع اللجنة المحلية في أكثر من مسار لتعزيز صمود الناس، بهدف احباط كل المخططات التي تطرحها السلطة من حين إلى آخر. ويقول أيضا إن “الجميع يلاحظ العمل الميداني القوي لأهلنا في بئر هداج وبدعم من لجنة التوجيه العليا لعرب النقب وهذا النشاط سيستمر حتى نيل كافة المطالب”، لافتا إلى أنه توجد مسارات مهنيه أخرى يجري العمل بها بموازاة النضال الشعبي.
وأشار خرومي إلى أن “مظاهرة الآلاف في قرية بئر هداج والتي توجّت بمظاهرات يومية خلال الشهر الأخير هي تأكيد على صمود أهلنا على أرضهم وفي قريتهم وتمسكهم بمطلبهم الشرعي في السكن بنمط حياة زراعي ريفي يلائم ظروف حياتهم”.

النقب قادرة على افشال المخططات

عضو لجنة التوجيه في النقب الشيخ أسامة العقبي يؤكد على ثبات وصمود أهل النقب ويقول: “رغم كل التضييق سنبقى في أرضنا في النقب عموما وفي بير هداج على وجه الخصوص، ونحن نعلم يقينا أن هذه المؤسسة لن تلتزم بوعودها في بير هداج، وبالتالي هم يساومون الأهل على ستة آلاف دونم من عشرين الفا وهذا لن يكون، وأهل النقب أفشلوا من قبل جميع مخططات المؤسسة الإسرائيلية ومصادرتها للأراضي وهم يقدرون أن يفشلوا أي مخطط، وما مخطط برافر عنا ببعيد”.

وعن الزيارة الاستفزازية لوزير الزراعة الإسرائيلي “أوري أريئيل” لقرية بير هداج أضاف الشيخ العقبي لـ “موطني 48”: أن زيارة وزير الزراعة إلى النقب كانت من أجل رفع أسهمه وتسعيرته السياسية وخصوصا أننا على أبواب انتخابات الكنيست الإسرائيلي، لكن على صخرة صمود الأهل في النقب ها هو “أوري أريئيل” قد خسر أمام منافسيه واعتزل السياسة وانصرف غير مأسوف عليه وهذا درس للجميع أن كل من يساوم على اخضاع الأهل في النقب لمخططاته الشيطانية فهو إلى زوال”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى