أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةمقالات

1 محرم 1439هلال رُشد وخير

الشيخ كمال خطيب

لم يتحدث القرآن عن قصص المستضعفين في مواجهة الطواغيت، والمظلومين في مواجهة الجبابرة، والمؤمنين في مواجهة الكافرين إلّا من أجل العظة والعبرة. وإنه ما تقلب الليل والنهار، وما طلعت الشمس وغابت إلّا والصراع بين الخير والشر، بين الحق وبين الباطل قائم لا ينقضي. وحتى لا يشعر المستضعفون بالوحشة، ولا يشعر المظلومون أنهم لوحدهم في الميدان تأتي آيات القرآن في كل زمان ومكان لتسرد صورة من صور هذا الصراع، وكيف تكون النهاية المفجعة للظالمين رغم جولات كثيرة كانوا هم الأقوى و أيديهم هي العليا، لكن الجولة الأخيرة والكلمة الفصل يحسمها الله سبحانه لصالح أوليائه {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامن وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}5-6 سورة القصص.

وها نحن بين يدي فصل من فصول للظلم يتسلط على شعبنا الفلسطيني، نرى مشاهده ونعيش لفحاته المؤلمة، وحتى أننا لا نكاد ننسى أو نشفى من لفحات وجراحات ذلك الفصل إلّا وملامح فصل جديد من فصول الألم بدأت تتشكل. وها نحن بين يدي ذكرى مجزرتين من المجازر التي أوقعتها المؤسسة الإسرائيلية بأبناء شعبنا، حتى إذا كدنا ننسى فإنها تعود لتذكرنا بأنّه لا ينافسها ولا يضاهيها في الظلم والقسوة أحد.

 مجزرة صندلة :حبرٌ أزرق، دم أحمر، حقد أسود

كان ذلك قبل ستين سنة بالتمام والكمال، وتحديدًا يوم 17/9/1957  وبينما الطلاب والأطفال في قرية صندلة الواقعة على أطراف مرج بن عامر يعودون بعد ظهر يوم الثلاثاء من مدرستهم المشتركة مع قرية المقيبلة المجاورة. ومثلما أنهم كانوا مثل سرب حساسين جميلة أو مثل مجموعة غزلان يافعة، وإذا ببومٍ ينعق بين الحساسين وإذا بوحش يمزق أجساد الغزلان.

لم يكن ذلك البوم وذاك الوحش إلّا ذاك “الخواجا” الذي عثر على تلك القذيفة الملعونة، قذيفة دبابة من مخلفات الجيش الإسرائيلي حيث المنطقة تلك كانت منطقة حدودية مع الأردن الذي كان يسيطر على الضفة الغربية. كيف ولماذا لم يجد ذلك الخواجا مكانًا ليضع فيه القذيفة أو يتلفها أو يسلمها للجيش، وإنما  وضعها في الطريق الترابي الذي سيعود منه التلاميذ والأطفال من المدرسة إلى القرية، ولأنها كانت نحاسيةً براقةً فإنها قد جذبت إليها الطلاب الصغار دون أن يعرفوا أنها تدعوهم وتجذبهم إلى وليمة دم ومأدبة أشلاء ستتناثر، هي ليست إلّا أشلاءهم ودماءهم.

وخلال لعبهم بالقذيفة وعبثهم بها، وإذ بها تنفجر بهم لتقتل على الفور خمسة عشر منهم وتجرح ثلاثة آخرين. تناثرت الأشلاء واختلطت دماؤهم وفتات لحم أجسادهم الطرية مع الكتب والدفاتر كانت في حقائبهم على ظهورهم، فكان هذا الخليط من الدم الأحمر والحبر الأزرق والرصاص الأسود من أقلام الرصاص التي يحملونها.

قال القتلة بعد ذلك في محاولة التهرب من تبعات الجريمة أنها قذيفة أردنية وليست إسرائيلية، فلما لم ينجحوا في تسويق هذه الفرية قال الخواجا الذي وضعها أنه قد نسيها في المكان، وقالت النيابة العامة أن الملف قد أغلق ثم قالوا بعد ذلك إنه قضاءٌ وقدر.

لقد جاءت جريمة ومجزرة أطفال صندلة الخمسة عشر حيث كل سكان صندلة يومها كانوا قريبا من 350 نسمة. لقد وقعت المجزرة بعد عام من مجزرة كفرقاسم. في صندلة أطفال عائدون من المدرسة، وفي كفرقاسم عمّال عائدون من الحقول وورشات العمل.

وإذا كان قريبا من خمسين شهيدًا في كفرقاسم لا يساوون إلّا قرشًا واحدًا تم تغريم القاتل “شدمي” به، فإن أطفال صندلة كانوا لا يساوون حتى أغورة واحدة في عيون حكام إسرائيل وقضاتها، بها يغرم ويدفع الجزاء ذاك القاتل.

في العام الماضي وتحديدًا في 29/10/2016  كانت الذكرى الستين لمجزرة كفرقاسم، وفي هذا العام 17/9/2017  ستكون الذكرى الستين لمجزرة صندلة والتي سنحييها بمهرجان تنظمه لجنة المتابعة ولجنة الحريات واللجنة الشعبية وذوي الشهداء في صندلة يوم السبت 23/9/2017 احياء لذكرى الشهداء.

مجزرة صبرا وشاتيلا وثلاثية الحقد

فإذا كانت جريمة مجزرة صندلة قد وقعت يوم 17/9/1957  فإن جريمة ومجزرة صبرا وشاتيلا قد وقعت في نفس اليوم من العام 1982 ، أي بعد 25 سنة من مجزرة صندلة. وإذا كان ضحايا مجزرة صندلة خمسة عشر شهيدًا، فإن ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا قريبًا من خمسة آلاف من الشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين اللاجئين، من قرى عمقا ومجد الكروم والياجور في فلسطين، وقد سكنوا مخيمي صبرا وشاتيلا، وكان من ضمن الشهداء مئات من اللبنانيين المسلمين كانوا من جيران المخيم.

إنه التحالف الدنس يومها ضم جيش الإحتلال الإسرائيلي الذي كان قد احتل جنوب لبنان ووصل إلى العاصمة اللبنانية بيروت، وضم كذلك جيش جنوب لبنان العميل، وضم حزب الكتائب اللبناني وضم حركة أمل الشيعية ولكل واحد من هؤلاء حساباته من الفلسطينيين.

شارون وزير دفاع إسرائيل، سعد حداد قائد جيش لبنان الجنوبي، إيلي حبيقة وسمير جعجع من حزب الكتائب ونبيه برّي قائد حركة أمل ذراع حافظ الأسد يومها والتي من رحمها ولد حزب الله ورئيسه حسن نصر الله، ولأنها كانت علمانية فقد انفصل عنها هؤلاء وأسسوا حركة دينية هي حزب الله.

ثلاثة أيام 16،17،18/9 والرصاص يلعلع ويحصد أرواح الشيوخ ويبقر بطون النساء الحوامل، و يذبح الأطفال بالسكاكين، وأما الفتيات والنساء فإنه القتل ولكن ليس قبل الاغتصاب. ولقد أفلت كل القتلة من العقاب لا بل إن شارون قد أصبح فيما بعد رئيسًا لحكومة إسرائيل.

لم يبق من مجزرة صبرا وشاتيلا إلا صور الموت والاشلاء والأجساد المنتفخة والمتحللة تُذكر الأجيال أنّ الأشرار سيظلّون في هذا العالم، ولكن لتذكر أنه لن يضيع حق ووراءه مطالب، وأن محكمة السماء العادلة ليست ولن تكون على حساب قصاص الأرض وعقاب الدنيا الذي يجب ألّا يفلت منه هؤلاء الجزارون.

 هلال رشد وخير

يوم الخميس القريب 21/9/2017 سيكون هو اليوم الأول من الشهر الأول شهر محرم من العام الهجري الجديد 1/محرم/1439 . وكان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال مطلع كل شهر نظر إليه وقال : (اللهم أهلّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال رشد وخير ربي وربك الله ). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتفاءل إذا رأى الهلال، وهذا يُفهم من معاني كلمات دعائه صلى الله عليه وسلم، وهذا ما سار عليه المسلمون من جعل الهلال دلالة للأمل والتفاؤل. قال الدكتور محمد أحمد الراشد في رسالته اللطيفة “آفاق الجمال” ص13 : ( والرموز الإسلامية التي هي في الاستخدام الفعلي الناجح كثيرة، وقد اعتادها المؤمنون وبذل الرواد الأوائل في ترويجها جهدًا طيبًا، ويمكن أن تكون قاعدة لانطلاق عمل فني أوسع. فمن هذه الرموز:الهلال، حتى أنه أضحى شعار الإسلام منذ اختارته الدولة العثمانية لبيارقها ولمعت البوارق تحته. وأما البدر الكامل المستدير الأصفر فإنه يومئ إلى التمام والوضوح والاستبشار والنفس المطمئنة بالإيمان. وأما الشمس المتوهجة فإنها مكمن الحرارة العاطفية، ودليل انتهاء ليل المحن، وعنوان جوازم الشرع ونور الفكر).

ولأنه ليل المحن والبلاء الذي امتد ليس لسنوات ولكنها لعقود بل قرون، فإنها ومع هلال محرم وقمر محرم وشمس محرم نستبشر ونتفاءل بأن هذا الليل إلى انقضاء بإذن الله سبحانه وتعالى رغم أننا نعيش ذكريات مؤلمة لمجازر ومآسي نزلت على شعوبنا، كتلك التي ستمر ذكراها بعد غدٍ الأحد 17/9  ذكرى مجزرة صندلة وذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، بل وتلك المآسي والظلم والبلاء النازل في هذه الأيام بل والساعات على أهلنا واخواننا مسلمي الروهينغا في بورما، وما يجري وينزل على أهلنا واخواننا في مصر وسوريا واليمن وليبيا، وفي مواقع كثيرة من بلاد العرب والمسلمين ومن أرض الله الواسعة.

ورغم أن الشاعر وقف يخاطب هلال محرم المنبلج من ليل وعتمة ذي الحجة، يخاطبه بأسى ولوعة لأن المصائب تتوالى، والبلاء يُصبّ صبًا حتى لكأنه يخجل من أن يتفاءل ، وكيف يتفاءل كما تفائل واستبشر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال:

ماذا سيروي في غدٍ أحفادنا          عنا أجِبْنا يا هلال محرم                                                                        أنت الذي شهد الجدودَ ومجدَهم    وشهدتنا والمجدُ جد محطم                                                                       سيُقال لو أن المؤرخ منصف     هذي الشعوب لأحمدٍ لا تنتمي                                                                 رضيت من الإسلام ظاهر لفظه    ومن العروبة لهجة المتكلّم

صحيح أن هذا حال شاعر الأمس وشاعر اليوم وكاتب اليوم وصحفي اليوم، بل وحتى عالم اليوم ممن لكثرة الباطل وسطوته، و للبلاء الشديد النازل على أهل الحق فلكأن كل هؤلاء أصبحوا يخجلون من الحديث عن الأمل والتفاؤل، خشية أن يقال عنهم أنهم غير واقعيين وأنهم غيبيون وأنهم لا يجيدون قراءة الواقع، حيث كل الإشارات والدلالات لا تشير وفق منطقهم، إلا أننا نسير من  سيء إلى أسوأ، وأننا ما إن نتخلص من ظالم إلا ويأتينا من هم أظلم.

لكن لكل هؤلاء بل ولكل الدنيا فإننا نقول بلهجة الواثق والموقع، كما أن الله سبحانه واحد لا شريك له، فإنه مثل ذلك نعتقد أن المستقبل لنا وأن ليلنا البهيم يلفظ أنفاسه، و توشك اشراقات صبحنا أن تمزق ستر ذلك الليل. إننا ومن هدي ومنطق وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإننا نسأله بلسان الواثق عن أخبار الخير وبشريات الأمل يحملها لنا في طياته وبين بريق أنواره، ولكن ولأنه صاحب الأدب والذوق فإنه لن يفشي سرًا بل ولعله يحبّ لنا المفاجآت، فاللهم يا ربنا أهلّ علينا هلال المحرم باليمن والإيمان والسلامة والإسلام. اللهم اجعله هلال رشد وخير ونصر مبين، وفتح وتمكين لأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى