أخبار وتقاريرمقالاتومضات

ماذا يحمل لنا اليوم التالي لوقف الحرب على غزة؟

ساهر غزاوي

مع الإعلان عن الاتفاق حول وقف إطلاق النار في غزة، وصفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية في القطاع وإسرائيل، بوساطة قطرية، مصرية، وأميركية، يزداد الترقب في المنطقة مع اقتراب موعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل. هذا الاتفاق جاء في وقت يشهد فيه الوضع تصاعدًا في القلق والتوتر في جميع أنحاء المنطقة. وفي هذه اللحظات الحرجة، نتوجه إلى الله بالدعاء أن تنتهي هذه الحرب، وأن تنفرج هموم أهلنا في غزة، وأن يعم الأمن والاستقرار في ربوع المنطقة.

يأتي هذا الاتفاق في سياق تطورات بالغة الأهمية بعد شهور طويلة من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مما يجعله لحظة مفصلية في مسار الصراع الممتد على أرض فلسطين. فقد أسفرت الحرب عن دمار هائل وأدت إلى معاناة إنسانية شديدة، إلا أن الشعب الفلسطيني في غزة أظهر صمودًا أسطوريًا وإرادة لا تلين، متمسكًا بحقوقه رغم كل التحديات. ورغم أن هذا الاتفاق يمثل خطوة نحو تهدئة مؤقتة، فإنه يبقى جزءًا أساسيًا من صراع مستمر منذ أكثر من قرن، شهد تحولات استراتيجية جوهرية في ملامح هذا النزاع.

في هذا السياق، يبرز تساؤل مهم: ماذا يحمل لنا اليوم التالي لوقف الحرب؟ هذا السؤال لا يقتصر على غزة وحدها، بل يمتد ليشمل المنطقة بأسرها التي تعج بالصراعات والنزاعات. فالمشهد الإقليمي والدولي يعكس تنافسًا شديدًا على النفوذ والموارد والهيمنة السياسية، وهو ما يتطلب فهمًا عميقًا لأبعاد الصراع التي تتشابك فيها مصالح قوى دولية وإقليمية قد تتناقض مع آمال الشعوب وتطلعاتها.

إنَّ الصراعات في هذه المنطقة لا تخضع لقواعد ثابتة أو حلول جاهزة، بل تديرها موازين قوى متغيرة وديناميكيات معقدة. لذلك، تبرز الحاجة الماسة إلى دور فاعل للنخب الفكرية الواعية، التي يُنتظر منها أكثر من مجرد مراقبة المشهد أو الانغماس في نقاشات ضيقة. يجب أن يتحمل هؤلاء المفكرون مسؤوليتهم في عقلنة النقاشات، عبر تقديم رؤى مدروسة تستند إلى أسس معرفية عميقة، قادرة على صياغة الطروحات وإثراء الحوار في مختلف المنابر، سواء كانت على منصات التواصل الاجتماعي أو في الواقع الاجتماعي المعاش. فالمرحلة الحالية تتطلب فكرًا نقديًا مستنيرًا قادرًا على توجيه النقاشات من دائرة الانفعالات والتمنيات إلى مسارات بناءة، تساهم في
صياغة وتحليل الواقع بشكل أعمق، مما يحول دون الوقوع في التفاؤل المفرط الذي يتجاهل التحديات، أو التشاؤم الذي يحبط أي أمل في التغيير.

وعلى صعيد آخر، يتضح أن المنطقة لن تشهد نهاية للصراعات في المدى القريب. فالشرق الأوسط مليء بالأمثلة التي تظهر كيفية تنقل الصراعات من مكان إلى آخر، وكأنها حلقة مترابطة من الأحداث. فعلى سبيل المثال، ما إن يُعلن عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان حتى تندلع الأحداث الحاسمة في سوريا، وما إن ينسحب الجيش الأمريكي من أفغانستان حتى يتصاعد الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ما يجر وراءه تداعيات عالمية. كذلك، شهد عام 2020 توقيع اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، في وقت كانت الأزمة الليبية تتفاقم، ما زاد من تعقيد المشهد الإقليمي. وفي اليمن، تجد جبهات القتال نفسها متجددة بعد اتفاقات وقف إطلاق النار بين الحوثيين والحكومة اليمنية، في ظل تدخلات إقليمية ودولية مستمرة.

هذه الأمثلة توضح أن غالبية الحلول المؤقتة أو التفاهمات غالبًا ما تواكبها صراعات جديدة أو تجدد الأزمات القائمة، مما يعكس تعقيد المشهد الإقليمي والدولي. فالانتقال المستمر بين الصراعات يشير إلى منطقة مشحونة بالتنافس على النفوذ والمصالح، حيث تتداخل الحسابات السياسية والعسكرية مع الأطماع الاقتصادية والاستراتيجية. والنتيجة المتوقعة لذلك هي معاناة الشعوب، واستنزاف الموارد، واستمرار حالة اللااستقرار التي تلقي بظلالها على مستقبل المنطقة بأكملها.

عند العودة إلى سؤال “ماذا يحمل لنا اليوم التالي لوقف الحرب في غزة؟”، نجد أن هذا السؤال يفتح أمامنا العديد من السيناريوهات المتوقعة التي قد تكون لصالح شعوب المنطقة أو ضدها. فاليوم الأول للحرب في السابع من أكتوبر 2023 أسفر عن تداعيات عميقة على الصعيدين الفلسطيني والعربي، وأدى إلى رسم بعض السيناريوهات المحتملة لمسارات الأوضاع على المديين المتوسط والبعيد. ونحن اليوم على أعتاب مرحلة جديدة قد تساهم في تحقيق شروط معادلة التغيير في بعض الدول العربية، حيث من المتوقع أن يكون التغيير سريعًا، ناتجًا عن عوامل تراكمية، كما حدث في سوريا، ما يعكس تحولًا عميقًا في مجريات الأحداث.

إن اليوم الذي يلي وقف الحرب في غزة يحمل فرصًا واعدة وتحديات جسيمة، ويُعتبر محطة فارقة في مسار الصراع الإقليمي والدولي. هذه المرحلة تستدعي تبني رؤية شاملة تستند إلى تحليل واقعي ورؤية استراتيجية عميقة، تسعى إلى تحقيق تطلعات الشعوب نحو الحرية والانعتاق من قبضة أنظمة الاستبداد وعسكرتها التي لطالما ارتبطت بالمستعمر الغربي.

إن العمل الجاد من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة يتطلب تعزيز قيم العدالة والحرية، وترسيخ أسس التعاون الإقليمي والدولي بعيدًا عن سياسات الهيمنة والتبعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى