أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

غزة تتحدى مصيرها

د. جمال زحالقة

كشفت تداعيات مسيرة العودة الكبرى أمرًا في غاية الأهمية والبساطة، وهو أن الصراع هو بين الحق والباطل، بين الضحية والجلاد، بين وحشية الاحتلال الذي “يحمي ما سلب” وبسالة الفلسطيني الذي يريد الفوز بحياة طبيعية ويسعى إلى “استرداد حقّ مسلوب”.

المسيرات كانت سلمية بامتياز، هكذا خطط لها، وهكذا كان، ولم يتعرّض أي من الجنود الإسرائيليين للخطر، ولا يستطيع أحد الادعاء أنهم أطلقوا النار دفاعًا عن أنفسهم أو عن نفوس غيرهم. المنطق الوحيد لإطلاق النار هو “الدفاع” عن الاحتلال وسلب الأرض والوطن من الفلسطينيين. هو منطق الحرامي الذي يدافع عن “حقّه” في الاحتفاظ بما سلب ونهب.

لم يدع أحد أيضًا أن الجنود أطلقوا النار عن طريق الخطأ، بل كان هناك اعتراف واضح أن القتل كان عمدًا ومستهدفًا من إسمتهم إسرائيل بالمحرّضين. هذا ليس قتلًا مع سبق الإصرار والترصد فحسب، فحين تقوم جهة رسمية وجيش نظامي بمثل ذلك فهو حكم إعدام، وحكم إعدام على ماذا؟ على “التحريض” على التظاهر السلمي؟ لقد انتبهت إسرائيل الرسمية إلى أنها تورط نفسها بادعاء قتل “المحرضين”، فلجأت إلى اختلاق رواية جديدة وهي أن عندها مؤشرات بأن المقاومة تستغل المظاهرات السلمية للقيام بعمليات عسكرية، وبعد بث هذا الادعاء في بيان رسمي للجيش قتلت اسرائيل أربعة متظاهرين فلسطينيين، وأعلنت أنهم “إرهابيون”. هكذا وضعت إسرائيل حجر الأساس لروايتها باستخدام ادعاء “الإرهاب”، الذي تجيّره لتبرير ارتكاب المزيد من المجازر.

من المهم أن نشير إلى أن إسرائيل (سوى قلة قليلة من اليسار الراديكالي) وقفت ودعمت جنودها الذين يقتلون الفلسطينيين العزّل، الحكومة وقيادة الجيش والقيادات السياسية في الائتلاف والمعارضة، وكذلك الصحافة التي تصرفت كصحافة بلاط وإعلام متطوع في خدمة العسكر.

العنف الإجرامي الإسرائيلي في محاولة قمع مسيرة العودة الكبرى هو أمر مقصود ومخطط له سلفًا، وله هدف محدد وهو “كيّ الوعي” وخلق حالة من الردع لمنع أكثر ما تخشاه اسرائيل، وهو نضال شعبي واسع النطاق ومسيرات شعبية تخترق الحدود وتحاصر المستوطنات. إطلاق النار على المتظاهرين استهدف القتل لزرع الخوف والهلع في قلوب الناس. لكن إسرائيل لا تعي حالة الفلسطيني، الذي لا يجد ما يخسره واخترق حاجز الخوف بلا رجعة، وانطلاق مسيرة العودة يبشر بأنّ هناك تغييرا في أفق النضال الفلسطيني وبأن غزّة تتحدى مصيرها.

من مفارقات الهبّات الشعبية أنها كثيرًا ما تأتي حين يخبو الأمل، وحيت تصل القوى السياسية إلى باب موصود وتكف الجماهير، التي تعيش أزمة معيشية وحياتية، عن التعويل عليها كممثلة لها، وتنزل إلى الشارع لتقول كلمتها وتطلق صرختها. هذه الهبّات تنعش أملًا خبا وتوقظ حلمًا وتشعل نار النقمة على واقع لا يحتمل. وفي مسيرة العودة الكبرى، التي انطلقت من غزة يسطر شعبنا التاريخ ويعبّد طريق العودة والحرية والاستقلال.

شكرًا غزّة لأنك وجهت رسالة وحدة وطنية في عهد الانقسام. شكرًا غزة لأنك حولت النضال الشعبي إلى واقع بعد أن حوصر في خانة الكلام. شكرًا غزة، ومعنى الشكر أن نتحرّك جميعًا ونقف معًا ومع غزّة العزّة في نضال هدفه واضح: تصحيح الغبن التاريخي الذي لحق بشعب فلسطين.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى