صدقت وستصدُق وعمّا قريب سيبدو القمر
الشيخ كمال خطيب
إنها النصوص الشرعية التي نتعبد بها لله رب العالمين، تلك التي نزلت في القرآن الكريم كتاب الله رب العالمين {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ*نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} آية 192-195 سورة الشعراء. وتلك التي قالها وتحدث لنا عنها رسول الله محمد ﷺ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} آية 7 سورة الحشر. وإن من هذه النصوص ما تحدثت عن غيبيات وعن أحداث ستقع في قادم الأيام علمها الله عز وجل قبل وقوعها وأعلم رسوله ﷺ بها قبل وقوعها {إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡیࣱ یُوحَىٰ*عَلَّمَهُۥ شَدِیدُ ٱلۡقُوَىٰ*ذُو مِرَّةࣲ فَٱسۡتَوَىٰ*وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعۡلَىٰ*ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ*فَكَانَ قَابَ قَوۡسَیۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ*فَأَوۡحَىٰۤ إِلَىٰ عَبۡدِهِ مَاۤ أَوۡحَىٰ} آية 4-10 سورة النجم. إنها النصوص الشرعية التي حدثتنا عن عزتنا وقوتنا ورفعتنا، وهي التي حدثتنا عن ذلنا بعد عزتنا وعن ضعفنا بعد قوتنا، وعن هواننا بعد رفعتنا. وإنها النصوص الشرعية التي حدثتنا أننا سننهض من عثرتنا ونتجمع بعد فرقتنا ونُعز بعد ذُلنا ونسود الدنيا كما كنا يومًا سادتها.
لقد صدقت النصوص الشرعية فيما كان وتحقق ما تحدثت عنه سواء كان ذلك في عهد رسول الله ﷺ أو بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وأن النصوص الشرعية يقينًا ستصدق ويتحقق ما تحدثت عنه فيما أخبر عنه ﷺ أنه سيكون.
صدقت
لقد صدقت نصوصنا الشرعية فيما تحدثت به عن عزتنا ورفعتنا كما ورد في قصة حفر الخندق يوم اعترضتهم صخرة فأخذ النبي ﷺ الفأس فقال: “بسم الله فضرب ضربة فكسر ثلثها وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض، ثم ضرب الثالثة فقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا”. نعم لقد صدق رسول الله ﷺ فيما قال ففتح المسلمون بلاد فارس والشام واليمن وأكثر وأبعد من ذلك.
ومثل صدق هذا النص فإن النص الآخر لرسول الله ﷺ في الحوار الذي كان بينه وبين عدي بن حاتم الطائي يوم جاءه وكان على النصرانية، فيحدّث عدي عن قصة إسلامه فيقول: “بعث الله محمدًا ﷺ فكرهته أشدَّ ما كرهتُ شيئًا قط، فخرجتُ حتى أتيتُ أقصى أرض العرب مما يلي الرُّوم، ثم كرهت مكاني أشدَّ مما كرهتُ مكاني الأول، فقلتُ: لو أَتَيْتُهُ فسمعتُ منه، فأتيتُ المدينةَ فَاسْتَشْرَفَنِي النَّاسُ، وقالوا جاء عديُّ بنُ حاتمٍ الطَائي! جاء عديُّ بنُ حاتمٍ الطَّائي! فقال: “يا عديَّ بنَ حاتمٍ الطَائي أسْلِمْ تَسْلَمْ”، فقلت: إنّي على دينٍ. قال: “أنا أعلم بدينِك منكَ” قلت: أنتَ أعلم بديني مني؟! قال: “نعم”، قال هذا ثلاثًا، قال: “ألستَ رَكُوسِيًّا”؟ قلتُ: بلى، قال “ألست تَرْأسُ قومَك”؟ قلتُ: بلَى، قال: “ألستَ تأخذ المِرْبَاعَ؟” قلت: بلَى، قال: “فإنَّ ذلك لا يحل لك في دينك”. قال: فوجدتُ بها عليَّ غضاضةً. ثم قال: “لعلَّه أنْ يمنعَك أنْ تُسْلِمَ أنْ ترى عندنا خَصَاصةً، وترى النَّاس علينا إِلْبًا واحدًا، هل رأيتَ الحِيْرَةَ”؟ قلتُ: لم أَرَهَا، وقد علمتُ مكانَها، قال: “فإن الظَّعِيْنَةَ سترحلُ من الحِيْرَة تطوفُ بالبيت بغير جوارٍ، وليفتحنَّ الله علينا كُنُوزَ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ”. قلت: كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ؟ قال: “كنوزُ كِسْرَى بنِ هُرْمُزَ، ولَيفِيْضُ المالُ حتَى يهتمَّ الرَّجُلُ مَنْ يقبلُ منه صَدَقَتَهُ”. قال: فقد رأيتُ الظَّعِيْنَةَ ترحل مِنَ الحِيْرَةِ بغير جوارٍ، وكنت في أوَّلِ خيلٍ أغارتْ على المَدَائِنِ. وواللهِ لتكونَنَّ الثالثةُ؛ إنَّه حديثُ رسولِ الله ﷺ”. قال الإمام البيهقي وقد وقعت الثالثة في زمن عمر بن عبد العزيز.
مثل صدق هذا النص فإنه النص الآخر الذي صدقت به نبوة النبي ﷺ لما قال: “لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” وهو ما كان وتحقق على يد محمد الفاتح في العام 1453 للميلاد، أي بعد 800 سنه من يوم أن قال ما قاله ﷺ.
وتحققت
ومثل ما صدقت نصوصنا الشرعية وتحقق ما ورد فيها من معاني اتساع الفتوحات الإسلامية وبلوغ عزة الإسلام وأهله كل مبلغ، وما أكثر الأمثلة من نصوص تشبه النصّين اللذين ذُكرا، فإنها النصوص الشرعية التي صدقت كذلك لما تحدّثت عن خيبتنا وعثرتنا وتراجعنا وتبدّل أحوالنا من الذي كنّا عليه إلى الذي صرنا إليه، وكل ذلك بأسباب من صنع أيدينا وانحراف عن الجادة والبعد عن الهدي الذي أراد الله عز وجل أن نكون عليه، وأراد رسوله ﷺ أن نسير عليه. قال ﷺ: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت”. وقوله ﷺ: “لتتبعن سنن من قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال النبي ﷺ: فمن؟ “. قال شرّاح الحديث: ومن دلائل نبوته صلوات الله وسلامه عليه، أن يخبر ببعض ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن ذلك من أنباء الغيب التي يوحيها الله تعالى إليه وما كان يعلمها هو ولا قومه من قبل. ومن هذا القبيل وهو في صحيح السنة غير قليل، أن أمته إلا من عصم الله، ستركب رؤوسها وتتبع أهواءها وتسير سيرة أهل الكتاب من قبلها حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل لا تغادر شيئًا من معاصيها وبدعها وزيفها وانحرافها إلا وقعت فيه وآثرته على تعاليم دينها وآداب شرعها”.
وكذلك قوله ﷺ وصدقه وتحقق ما قال: “ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم نسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عليهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جورًا وظلمًا لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم….”.
حيث في هذا الحديث إشارة واضحة إلى الظلم الذي سينزل بأمة الإسلام ليس من أعدائهم وإنما من حكامهم وسلاطينهم وزعمائهم حتى تضيق عليهم بلادهم وأوطانهم فيلجأون إلى بلاد الكفر خوفًا وهربًا من ظلم حكامهم المسلمين، وما في هروب ملايين السوريين والمصريين واليمنيين والعراقيين والتونسيين وغيرهم إلى بلاد الغرب وإلى تركيا وغيرها طلبًا لسلامة لدينهم وأعراضهم وأجسادهم، إلا دليلًا على ظلم ذوي القربى من زعمائهم.
وستصدق وتتحقق
مثلما صدقت نصوصنا الشرعية وتحقق ما قاله رسول الله ﷺ في رفعتنا وعزتنا، ومثلما صدقت في بيان انتكاستنا وهواننا وعثرتنا ونكوصنا، ولهذا أسبابه الواضحة وقوانينه التي لا يجامل الله عز وجل فيها أحدًا حتى نحن المسلمين وإن كان رسولنا هو أحب الخلق إلى ربه سبحانه.
فمثلها كذلك ستتحقق وستصدق بإذن الله تعالى نصوصنا الشرعية التي تتحدث عن عودتنا لقيادة الدنيا وعن عودة الخلافة الراشدة.
قال رسول الله ﷺ: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.
وهو الذي قال ﷺ: “لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلمًا وجورًا وعدوانًا، ثم يخرج من أهل بيتي من يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وعدوانًا”.
وهو الذي قال ﷺ في نهاية الحديث الذي قال فيه: “ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم… “، فقال في آخر الحديث ﷺ مشيرًا إلى تغير هذا الحال إلى ما هو أفضل منه: “فيبعث الله عز وجل رجلًا من عترتي، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئًا إلا أخرجته، ولا السماء من قطرها شيئًا إلا صبّه الله عليهم مدرارًا، يعيش فيها سبع سنين أو ثمان أو تسع ، تتمنى الأحياء الأموات مما صنع الله عز وجل بأهل الأرض من خيره “.
ولعلّ من أشهر النصوص التي تتحدث عمّا سيكون من خير قادم وعزة للأمة بعد ذلّها ووحدة بعد تفرّقها وقيادة بعد تبعيتها قوله ﷺ: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبريًا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت”.
وفي التأكيد على أن نص هذا الحديث سيصدق بإذن الله، بل وأكثر من ذلك، فإن دورة ودولة الخلافة القادمة ستكون في القدس بإذن الله تعالى، وقد قال في ذلك الصحابي الجليل عبد الله ابن حواله في حديثه مع رسول الله ﷺ ثم وضع يده على رأسه أو قال: على هامتي، ثم قال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك”. وقد ذهب بعض شرّاح الأحاديث إلى أن المقصود بالحديث خلافة الإمام المهدي، وأن المراد بالأرض المقدسة بيت المقدس. وقال الدكتور حمود التويجري في كتابه -إتحاف الجماعة بما شاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة-: “وفي هذا الحديث الصحيح إشارة إلى ما جاء في حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن المهدي ينزل بيت المقدس”. ولفظ حديث أبي سعيد قال: “سمعت رسول الله ﷺ يقول: يخرج رجل من أمتي يعمل بسنتي، يُنزل الله عز وجل له القطر من السماء وينبت له الأرض من بركتها، تُملأ الأرض منه قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس”.
وعليه وإيمانًا منا بما قال الله تعالى ووعد سبحانه، وتصديقًا منا لما جاء ونطق به الذي لا ينطق عن الهوى ﷺ فإن هذه النصوص ستصدق وستتحقق، وإننا إذ نعيش ونتنسم عبقها وإرهاصاتها وما أكثرها، وأنها لا تخفى إلا على من عميت أبصارهم وطمست بصيرتهم.
ولقد تحدث القرآن الكريم في آيات سورة الروم عن معركة حدثت انتصر فيها الفرس على الروم، ولكنها نفس الآيات تحدثت عن معركة ستقع وينتصر فيها الروم على الفرس وهو ما كان وصدق الله وتحقق ما قاله سبحانه: {غُلِبَتْ الرُّومُ*فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ*فِي بِضْعِ سِنِينَ للهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ*بِنَصْرِ اللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ*وَعْدَ اللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} آية 1-6 سورة الروم.
وإننا إذ نشفق على حال اليائسين والمحبطين من أصحاب مدرسة ما {مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} آية 112 سورة الأحزاب، ومع ذلك فإننا نزيدهم من الشعر بيتًا،أنه ليس فقط حديث فتح القسطنطينية قد تحقق وإنما سيتحقق حديث فتح روما، نعم روما عاصمة الفاتيكان وقد سئل ﷺ أي المدينتين تفتح أولًا قسطنطينية أم رومية فقال ﷺ: مدينة هرقل تفتح أولًا يعني القسطنطينية.
وما أجمل وأصدق ما قاله الشاعر هاشم الرفاعي وهو يخاطب الهلال يناجيه ويحدّثه عما كنا عليه وعما صرنا إليه فقال:
ماذا سيروي في غد أحفادنا عنا أجبنا يا هلال محرم
أنت الذي شهد الجدود ومجدهم وشهدتنا والمجد جدّ محطم
ومثله في الجمال والصدق ما قاله القاضي ابن اليمن محمد الصادق المراني في أبيات شعر يخاطب فيها الهلال، تتحدث كيف أن نصوصنا ستصدق وأن خلافة راشدة تعم الأرض هي قاب قوسين أو أدنى:
زمان تولّى وعهد غبر وعصر قضى وأبقى العبر
وقرن وليد بوجه جديد ستجري به مجريات القدر
كأن الليالي وترحالها حنين إلى القادم المنتظر
أيا بدر هذا أوان الظهور فما بالك يا بدر هل من خبر
وفيما استتارك والعالمون يخوضون في الظلمات الخطر
أيا أرض هل تذكرين الهلال هلال الهداية لما ظهر
وحين استدار وعمّ الكمال وعمّ الضياء به وانتشر
ودونك يا أرض حان القدوم وعما قريب سيبدو القمر
نعم إننا على يقين أن قمر الخلافة سيبدو وأن شمسها ستشرق تبدد عتمتنا وتنير ظلمتنا، به تتحقق صدق نصوصنا التي هي ليست إلا وعد الله الذي لا يخلف {وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ} آية 6 سورة الروم، ووعد رسوله ﷺ الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
لا عزاء للمحبطين والمتشائمين واليائسين.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.