أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودولي

بعد انقلاب النيجر.. ما خيارات فرنسا تجاه معقلها العسكري في أفريقيا؟

“فلتسقط فرنسا والإمبريالية، عاشت روسيا”.. رسالة كُتبت بأحرف كبيرة أمام السفارة الفرنسية في العاصمة النيجرية نيامي الأحد الماضي، بعد 4 أيام من الانقلاب الذي قاده الجنرال عمر عبد الرحمن تياني ضد رئيس البلاد محمد بازوم.

هذه الرسالة تعكس الأوقات الصعبة التي تمر على نفوذ فرنسا في أفريقيا، رغم قيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجولته الأفريقية الـ 18 في 6 سنوات خلال مارس/آذار الماضي، بهدف سد الثغرات التي أحدثتها المشاعر المعادية لفرنسا وإعادة بلاده لاستمالة الأفارقة.

ويبدو أن معقل فرنسا الأخير يتعرض لتهديد حقيقي، وتدور حوله تساؤلات بشأن مستقبل الامتيازات الفرنسية في منطقة الساحل بعد سقوط حليفها بازوم.

فشل استخباراتي

في هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي جان بيير بيران إنه لم يتفاجأ من ردة فعل المتظاهرين أمام السفارة لأنه، حتى لو لم يكن الكرملين متورطا بشكل مباشر في الانقلاب، ففرنسا يُنظر إليها دائما بصورة المستعمر السابق الذي يوضع ككبش فداء، رغم أن دول الاتحاد الأوروبي (إيطاليا وألمانيا وغيرهما) لديها وجود عسكري ومالي قوي في البلاد.

وأشار بيران إلى أن باريس فشلت استخباراتيا، لأن مخابراتها لم تتوقع بكل وسائلها صعود الانقلابيين في بلد يوجد به عناصر من الجيش الفرنسي، فهذا أمر مقلق من وجهة نظر معلوماتية، ويشكل صفعة أخرى في منطقة الساحل.

ولفت المحلل السياسي إلى أن هذا الفشل تسبب في 4 إخفاقات فرنسية، بدأت في بوركينا فاسو ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، التي استقبلت موسكو و”فاغنر” بحفاوة، ثم أخيرا النيجر.

ومن جانبه، يرى المحلل العسكري والمؤسس المشارك لشبكة التفكير الإستراتيجي حول الأمن في منطقة الساحل بيني جيروم، أن فرنسا فقدت نفوذها في مستعمراتها السابقة وأن العلاقات بين باريس ودول المنطقة ليست مثالية، خاصة مع وجود قوى أخرى في المنطقة مثل روسيا والصين وتركيا وغيرها.

وأضاف جيروم أن فرنسا افتقدت القدرة على التنبؤ بما حدث، وربما استهانت بالأمر كما فعلت الدائرة المحيطة بالرئيس بازوم، فرغم درايتها بالمنطقة، إلا أن الأحداث الحالية تجاوزت قدرات باريس الاستخباراتية، لأن معادلة الساحل أصبحت أكثر تعقيدا بمرور الوقت.

وأوضح جيروم أن “التعاون مع النظام الحاكم لم يكن كافيا لضمان الاستقرار وحماية المصالح الحيوية له. لكن مرة أخرى، ستؤكد باريس أنها موجودة لدعم دولة حليفة، وأنه ليس من مهامها التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد الأفريقي. والحقيقة أن مصالحها اليوم ومصالح استقرار المنطقة أمام تهديد كبير”.

انقسامات داخلية وأفريقية

الأوضاع المتقلبة في النيجر سياسيا وعسكريا، بررها المحلل السياسي بيران بالوقت الطويل الذي استغرقته نقاشات الجنرالات والضباط لتعيين الرئيس الحالي للحرس الوطني، مما يدل على انقسام داخلي في صفوفهم، على حد تعبيره.

وقال بيران “إن ما يظهر في البداية على أنه تمرد، يختلف قليلا عن السيناريوهات الأخرى، حتى لو كان الجنود دائما من يسعون للاستيلاء على السلطة. ويبدو جليا أن الصراع فيما بينهم ينمو تدريجيا، إنهم منقسمون وعالقون حتى في طريقة تعاملهم مع باريس”.

وأضاف “يجب ألا ننسى أن معظم هؤلاء الجنود درسوا في فرنسا، خاصة في الأكاديميات العسكرية أو المدارس الحربية، ما يولد نوعا من الارتباط لن يستطيعوا التغاضي عنه بسهولة”.

من جهة أخرى، أشار جيروم إلى مدى هشاشة حكومة بازوم، موضحا أنه كان الوريث الظاهر للرئيس السابق محمد يوسفو، وأنه استخف بمحاولة بعض المتربصين زعزعة استقراره، وهو ما يعني أنه لم يكن مستقلا ذاتيا، فأنصار الرئيس الأسبق لا يزالون موجودين في النظام من خلال نجله المعتقل أيضا، وفق معلومات وردت بداية هذا الأسبوع، كما أن رئيس أركان بازوم كان شخصية مقربة من الرئيس يوسفو.

شبح سيناريو مالي

تم استدعاء القوات الفرنسية في يناير/كانون الثاني 2013 للتدخل في مالي بناء على طلب السلطات الانتقالية حينها لوقف تقدم الجهاديين في البلاد، الذين انتشروا في منطقة الحدود مع بوركينا فاسو والنيجر، قبل أن تعلن وزارة القوات المسلحة الفرنسية خروج قواتها نهائيا مطلع العام الماضي.

ورغم عدم استبعاده خروج الأوضاع عن السيطرة، لا يعتقد جيروم أن النيجر ستعيش نفس سيناريو مالي، معتبرا أن المنطقة أمام “لحظة تاريخية لإعادة تعريف القوى الحاضرة وشكل العلاقات بين أفريقيا والمجتمع الدولي، وهي بمثابة صراع على النفوذ يشبه ما عشناه قبل بضعة عقود خلال الحرب الباردة”.

وعند سؤاله عن سياسة روسيا للتقرب من مسرح الأحداث، أعرب المحلل العسكري عن عدم قناعته أن الانقلابيين أرادوا الإطاحة ببازوم للاقتراب من روسيا. موضحا أنه “إذا أتيحت الفرصة أمام موسكو ومجموعة فاغنر لتأمين نظام مناهض للديمقراطية نتج عن انقلاب، فيجب التفكير آنذاك في أن ضمان التحرك نحو انتخابات شفافة سيذهب في مهب الريح. وسيكون ذلك مؤسفا لهذه الدول الناشئة التي نالت استقلالها قبل 60 عاما فقط”.

من جهته، قال الكاتب بيران إن وضع النيجر يختلف عن بوركينا فاسو ومالي، لأن المجموعات الجهادية لا تزال تحت السيطرة هناك ولم تنفذ أي اختراقات عميقة أو هجمات كبيرة مؤخرا. كما أن الجيش النيجري يبدو أكثر قدرة على التعامل مع التمرد الجهادي.

وأوضح المتحدث أن مهمة الـ 1500 جندي فرنسي في الأراضي النيجرية تقتصر على مساعدة جيش البلاد في مواجهة الحركات الجهادية وتقديم الخدمات اللوجستية والتدريب العسكري. أما في مالي، فقد شاركت القوة الفرنسية في الخطوط الأمامية، لأن الجيش المالي لم يكن على أهبة الاستعداد لخوض مثل هذه المعارك.

تدخل عسكري مستبعد

دخلت مالي وبوركينا فاسو على خط الأزمة في النيجر، وحذرتا في بيان مشترك، الاثنين الماضي، من أي تدخل عسكري في النيجر، قائلة إنه سيعادل “إعلان حرب على بلديهما”.

لكن الخبير في شؤون منطقة الساحل يستبعد هذا الأمر، معتبرا أن “لا مصلحة لفرنسا في التدخل عسكريا لأنها ستغذي الرواية المعادية لها داخل البلاد”.

وفي بيان مشترك بين وزارة الخارجية والقوات المسلحة الاثنين الماضي، أكدت باريس أنها ملتزمة بأمن الموظفين الدبلوماسيين والمقيمين الأجانب بموجب القانون الدولي، ولا سيما اتفاقيات فيينا، وأضاف البيان “على عكس ما يزعم بعض المسؤولين العسكريين النيجريين، لم تستخدم قوات الأمن الفرنسية أي وسائل قاتلة”.

وفي سياق متصل، لفت جيروم إلى أنه في حال وجوب التدخل عسكريا في هذا البلد، فيستم ذلك على مستوى الاتحاد الأفريقي مع بقاء فرنسا في الصفوف الخلفية، تماما مثل أميركا، لأنه “يجب على باريس أن تكون حريصة بشأن ما تقوله وما تفعله، وإذا أرادت التدخل لإعادة الحكم الدستوري للرئيس بازوم، فعليها تعزيز الجانب الأمني لحماية النظام”.

ولا يختلف المحلل السياسي بيران عن هذا الرأي، إذ يعتبر أن باريس الآن تكتفي بالإعراب عن دعمها للحكومة المنتخبة ديمقراطيا، مشيرا إلى أنه “حتى إذا تدخلت فرنسا عسكريا، فسيتم ذلك بتعاون مشترك مع الحلفاء لمراقبة ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل”.

 

تغيير الإستراتيجيات

وفي سياق زعزعة الاستقرار القوي، سيؤدي احتمال انسحاب القوات العسكرية الفرنسية من النيجر إلى اقتراب حقبة من نهايتها، بعد أن صورت فرنسا نفسها كشرطي مناهض للجهاديين في منطقة الساحل، وهو ما يجعل ضرورة تغيير إستراتيجيتها الحالية أمرا لا مفر منه.

ويرى جيروم أن على فرنسا “إعادة تحديد إستراتيجيتها الأمنية والعسكرية في النيجر، أي ما بعد عمليتي برخان وتاكوبا، وتحمّل نصيبها من المسؤولية بسبب ضعف تواصلها وعدم حزمها بما يكفي لتضمن ما يسمى خدمة ما بعد البيع”.

ولفت إلى ضرورة تفكير باريس في نمط فرنسي أفريقي مختلف “لأنه عندما نرى الاتحاد الأوروبي يضخ مليارات اليوروهات مساعدات للتعاون من خلال مشاريع البنية التحتية والتنمية ودعم الميزانية، أصبح من الواجب إعادة التفكير في برنامج التعاون بين الشمال والجنوب”.

وأضاف المحلل العسكري أن “هناك من سيقول إن فرنسا قدمت آمالا زائفة، فيما يرى آخرون أنها صفعة على وجه القوة الاستعمارية السابقة التي تفقد موطئ قدمها، ويتم التلاعب بها من قبل قوى أخرى مثل روسيا في عملية قيادة جبهة جديدة للنضال ضد ما يسمونه معاداة الإمبريالية، التي تعتبر شكلا مستحدثا للاستعمار، لاستبدال فرنسا بأي طريقة وبمصالح خفية نكتشفها كل يوم، وعلى شعوب الساحل الحذر منها”.

 

المصدر الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى