أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتشؤون إسرائيليةومضات

ما بعد تصعيد غزة… عين إسرائيل على الاغتيالات

عاد الهدوء إلى قطاع غزة ومستوطنات الغلاف، أمس الجمعة، بعد ساعات من التصعيد العسكري بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، لكن هذا الهدوء يبقى مؤقتاً ما دامت المشكلة التي تفجّر بسببها التصعيد لم تُحلّ، وهي الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة في المسجد الأقصى، والتي تتصاعد بالتزامن مع الأعياد اليهودية.

ولساعات (منتصف ليلة الخميس/الجمعة وحتى ساعات صباح أمس الجمعة) ظل القصف متبادلاً بين المقاومة والاحتلال، لكن القصف والتوتر كان يؤشر منذ البداية على أن الجولة الحالية لن تتوسع إلى حرب، وستبقى جولة تصعيد وتوتر محدودة، في ظل ضبط طرفي المعادلة قواعد الاشتباك وعدم الذهاب في القصف بعيداً.

وقصفت طائرات حربية ومسيّرة إسرائيلية مواقع عسكرية لحركة “حماس” في مناطق مختلفة من قطاع غزة، فيما قصفت المقاومة بنحو 40 صاروخاً مستوطنات “غلاف غزة” وأطلقت مضاداتها الأرضية تجاه الطيران المُغير. وذكر الاحتلال في بيانين منفصلين أن الجيش نفّذ هجمات ضد أنفاق ومواقع عسكرية لـ”حماس” رداً على إطلاق الصواريخ خلال اليومين الماضيين من القطاع.

وعلى الرغم من أنه فُهم من كثافة النيران المستخدمة من قبل الاحتلال، وهي أكثر من جولة توتر عابرة، أنّ العدوان رد على إطلاق الصواريخ من لبنان، والتي حمّلها الاحتلال لحركة “حماس” أيضاً، وليس على صواريخ غزة فقط التي انطلقت رداً على ما يجري في الأقصى.

وكان لافتاً أنّ الحديث الإسرائيلي خلال ساعات التصعيد كان كمن يحاول تهدئة الأوضاع لا توتيرها أكثر، ويمكن أن يُفهم من ذلك أنّ الاحتلال روّج لمنع انزلاق الأوضاع والتوتر “مؤقتاً” وفي جعبته خيار الذهاب إلى تنفيذ اغتيالات، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ضد المقاومة، أكان في قطاع غزة أم في لبنان وسورية.

وتبدو تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قبل أيام، غير بعيدة عن هذا المسعى، إذ طالب الحكومة بالرد بشكل قوي على إطلاق الصواريخ من غزة. وقال بن غفير إنّ صواريخ “حماس” تستدعي رداً أكبر من قصف الكثبان الرملية والمناطق غير المأهولة. ودعا صراحة إلى استئناف سياسة الاغتيالات ضد قيادات المقاومة في غزة، قائلاً: “يتوجب عدم تجاوز المعادلة التي تقوم على وجوب توجيه رد جدي على كل عملية إطلاق صاروخ”.

 

سياسة إسرائيلية استراتيجية

وعن ذلك، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، حسن لافي، إنّ سلاح الاغتيالات أمر استراتيجي لدى الإسرائيليين لا يمكن أن يتخلوا عنه، ودولة الاحتلال تظن أنّ الاغتيالات تعرقل تطور ونمو المقاومة ومساراتها بشكل أساسي، وتعمل على هندسة الحالة الفلسطينية. ولفت لافي إلى أنّ إسرائيل لديها جرأة في تنفيذ الاغتيالات، ولكنها مع اختيار التوقيت المناسب وآلية الاغتيال التي تخدم استراتيجيتها السياسية، مشيراً إلى أنّ إسرائيل قد تلجأ إلى اغتيالات “نظيفة” تكون هي المستفيدة من الحدث لكن لا تظهر يدها في التنفيذ.

لافي: إسرائيل قد تلجأ إلى اغتيالات “نظيفة” تكون هي المستفيدة من الحدث لكن لا تظهر يدها في التنفيذ

وبيّن لافي أنّ الذهاب إلى اغتيالات ضد قيادات فلسطينية قد يكون عبر الاغتيال الصامت، لأن لبنان كدولة و”حزب الله” كمقاومة لن يذهبا إلى حرب مفتوحة أو واسعة في ظل توتر المنطقة من دون وجود دليل واضح على من يقف وراء الاغتيال. ونوّه إلى أنه خلال الأعوام الماضية تم اغتيال شخصيات لبنانية من “حزب الله” ولا أحد يعلم من اغتالهم، على الرغم من أنّ الحزب يدرك أنّ المستفيد من وراء تغييب هذه الشخصيات إسرائيل.

وقرأ لافي جولة التصعيد الأخيرة في غزة والغلاف، والقصف المتبادل، على أنه تثبيت لقاعدة القصف بالقصف التي اعتمدتها المقاومة في السنوات الأخيرة. وقال إنّ “المقاومة لديها جرأة للحفاظ على معادلة القصف بالقصف، وعدم التراجع أمام الاحتلال، وهذه معادلة قديمة تم تجديدها وتأكيدها، في ظل التوتر الأخير”.

ونوّه كذلك إلى أنّ “إسرائيل هي العنصر الذي كان يريد إسكات هذا التوتر، لأنها لا تريد الذهاب لمعركة بعد معركة سيف القدس في 2021 ما لم تكن الضربة الأولى لها”. غير أنه لفت إلى أنّ “أساس المشكلة والتوتر هو الاعتداءات والتهويد في الأقصى وهو أمر لم ينتهِ، ونحن في أيام ما يسمى عيد الفصح اليهودي، وإسرائيل أرادت تأجيل حسم هذا المواجهة لأن التوقيت مريح للمقاومة سواء في غزة أو لبنان”.

وشدد لافي على أنّ إسرائيل لا تستطيع أن تذهب إلى معركة لم تحدد هي ساعتها الأولى ولم تكن المبادرة بيدها، وهذه من أهم الدروس من معركة “سيف القدس”، موضحاً أنّ ما يجري اليوم هو محاولة من إسرائيل لطمأنة مجتمعها الداخلي والقول إنّ الجيش قادر على الضرب.

اغتيالات مضبوطة لمنع مواجهة واسعة

من جهته، استبعد الكاتب والمحلل السياسي، إبراهيم المدهون، أن تكون هناك مواجهة أوسع في قطاع غزة، خصوصاً أنّ تقديرات الاحتلال تغيّرت تجاه غزة، ولم يعد من السهولة الذهاب إلى حرب.

غير أنه لفت إلى أنّ الاحتلال قد يحاول أن يرد بطرق مختلفة على التوتر، عبر عمليات الاغتيال، فالاحتلال معني باغتيالات، خصوصاً في الخارج، بشرط ألا تؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة، وهو لا يريد أن يدفع تكلفة مثل هذه العمليات سياسياً، ويسعى لتجنّب ردود الأفعال، الأمر الذي يضيّق من خياراته.

المدهون: الاحتلال معني باغتيالات، خصوصاً في الخارج، بشرط ألا تؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة

وأضاف المدهون: “سيحاول الاحتلال تنفيذ عمليات اغتيال ضد نشطاء المقاومة التنفيذيين في الساحات الخارجية، لكن أي ردة فعل إسرائيلية سواء عبر القصف أو الاغتيال ستجلب ردود فعل أوسع من المقاومة”. ورأى أنّ “الاحتلال بات يدرك أن مقاومة غزة ليست وحيدة، وأنه يمكن أن يصل إلى لحظة حقيقية تكون مواجهة مفتوحة من عدة جبهات واتجاهات”، متابعاً “لم تصل هذه الحالة إلى نهايتها، ولكنها تسير في هذا الاتجاه”.

وبيّن المحلل السياسي أنّ ساحة الاشتباك مع الاحتلال توسعت لتشمل العديد من الجبهات، وتعمل المقاومة على تعزيز وحدة الساحات والتنسيق بينها، واليوم يبدو أن هناك قدرة فلسطينية في بعض دول الطوق على العمل وتوجيه الضربات للاحتلال. وذكر أنّ ما يجري تأكيد أنّ “المقاومة لن تترك الأقصى وحيداً وأن معركة القدس والأقصى هي معركة كل فلسطيني في الداخل والخارج، وأن هناك استعداداً لعملية اشتباك واسعة تشترك فيها عدة ساحات وجبهات”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى