أخبار رئيسية إضافيةمقالات

عاشق البيارة (2)

عاشق البيارة (2)

 

عبد القادر سطل- يافا

 

لا شك أن منة الله على أهل يافا والتي تمثلت باكتشاف صنف “البرتقال الشموطي”، والذي أطلق عليه فيما بعد “البرتقال اليافاوي” في حديقة السيد أنطون أيوب في سكنة أبو كبير، كان لها الأثر الأكبر على مجريات الأمور عامة، وعلى جميع الأصعدة، لتتربع مدينة يافا عروس فلسطين، على عرش أهم مصدري الحمضيات إلى أوروبا والعالم، وتنافس بشكل كبير مصدري الحمضيات وبالأخص أسبانيا وأمريكا، حيث أن المحاولات لزراعة “الشموطي” في أماكن أخرى لم تلق النجاح الذي تحقق في يافا، ونضيف إلى ذلك المثل القائل: “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فاندلاع الحرب الأهلية في أسبانيا جمّد عملية التصدير هناك، لتصبح مدينة يافا أهم مصدر للحمضيات في العالم، الأمر الذي قلب الموازين في يافا في شتى الميادين.

تحوّل ميناء يافا التاريخي والذي يعتبر بوابة فلسطين والقدس، إلى محور هام لعملية التصدير والاستيراد، فقدم إليها مئات العمال من الدول العربية وشرق أوروبا للعمل في شتى مجالات الحياة في يافا وبشكل خاص البيارات والميناء، لتحمل يافا اسمًا آخر “أم الغريب”.

بناء على هذه المستجدات والكم الهائل من القادمين إلى يافا، اضطر السلطان عبد الحميد أن يتخذ قراره بإزالة سور يافا عام (1872)، علمًا أنَّ يافا كان لها بوابة واحدة فقط في حين كان للقدس سبع بوابات، ولذلك، لأن يافا كانت عرضة لمحاولات كثيرة لاحتلالها ونهب ثرواتها، وقد عرفت يافا بـ “خزانة فلسطين” (الدخل من تصدير الحمضيات وميناء يافا وصل إلى 60% من دخل حكومة فلسطين). وتوسعت المدينة باتجاه الشمال حيث بُني أكبر حي في يافا سمي بحي “المنشية” الذي وصل عدد سكانه إلى 15000 نسمة (عام 1948 تعرض حي المنشية إلى تطهير عرقي وتفريغه من سكانه تحت قصف القنابل من مدينة تل أبيب المجاورة فهدمت البيوت وشرد الناس نحو ميناء يافا إلى الشتات واللجوء). تجدر الإشارة إلى أن الحكم العثماني في نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد عام 1893 باشر ببناء محطة سكة حديد يافا التي أطلق عليها اسم يافا- القدس. كما وأقيم في يافا وبالتحديد في بداية القرن العشرين، العديد من الأسواق نذكر منها: سوق إسكندر عوض للذهب، وسوق السكسك للحبوب والتموين، وسوق البلابسة لمعروضات طريق الحرير، وسوق الصلاحي وسوق الحلال.

وفي عام 1909، وقع حدثان مهمان في تاريخ يافا، الأول بناء برج الساعة بمناسبة مرور 25 عامًا على تولي السلطان عبد الحميد الحكم، والثاني الشروع ببناء أول مدينة عبرية على الساحل الفلسطيني “تل أبيب” (أرجو ألا يحاول أحد أن يترجم الاسم للعربية لأن ذلك يعني تشويه الواقع) التي بنيت على أنقاض القسم الشمالي من أراضي يافا وتم توسعتها على حساب قرى يافا، نذكر منها: صوميل، والشيخ مؤنس، والجماسين، وجليل الغربي، والقبلي، وجريشة، وسلمة.

وهنا لا بد من الإشارة إلى موقع مدينة يافا على السهل الساحلي الفلسطيني، والذي يبدأ عند حيفا وينتهي في رفح جنوبًا. هذا السهل على شكل مثلث، رأس المثلث في واد الجمال، المدخل الجنوبي لحيفا حيث يضع جبل الكرمل أطرافه في البحر الأبيض المتوسط، وكلما اتجهنا جنوبًا يتوسع السهل ليصل عرضه إلى 25 كلم، في منطقة يافا (من البحر وحتى جبال القدس)، أمَّا في رفح فيصل عرض السهل الساحلي إلى 45 كلم. يتميز هذا السهل بخصوبة أرضه واحتوائه على سماد طبيعي يغذي النباتات والأشجار المزروعة فيه، والتربة لها دور لا يقل أهمية كون الطبقة العليا هي من الكركار الرملي الأبيض الذي يمنع احتراق الجذور، بل تدفئتها ويساعد على امتصاص سريع للمياه إلى الطبقات السفلى من التربة. ويافا هي الموقع الوحيد على هذا الساحل التي ترتفع عن سطح البحر بحوالي 40 مترًا لتصبح الفنار الطبيعي للساحل الفلسطيني.

أمَّا المجتمع الفلسطيني في يافا قبل النكبة، فكان ينقسم إلى ثلاثة تجمعات، سكان مدينة يافا القسم الأكبر، وسكان السكنات في الجهة الشرقية من المدينة وكان يطلق عليهم (البراوية)، والقسم الثالث هم سكان القرى في محافظة يافا وعددها 23 قرية أكبرها وأقربها ليافا قرية سلمة. عُرف هذا الساحل في الماضي البعيد كمنطقة غنية بالغابات من أشجار البلوط والسنديان، وهذا ما جعل الكنعانيين يبنون يافا في هذا الموقع. وقد عُرف الكنعانيون بمهنة صناعة السفن، وقد قام الفراعنة من بعدهم باحتلال يافا واقتطاع الاخشاب منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى