أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودوليومضات

تصاعد الصراع القضائي بشأن ملف المرفأ.. ما المخاطر التي تواجه لبنان؟

 في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية في لبنان يخشى كثيرون من تداعيات الصراع القضائي والسياسي على استقرار البلاد ومستقبلها، وذلك إثر الاشتباكات التي حدثت أمس الخميس أمام مجلس القضاء الأعلى بين قوات الأمن وأهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، فيما لم يتمكن مجلس القضاء الأعلى من الانعقاد بسبب عدم اكتمال النصاب وخلافات بين أروقة القضاء اللبناني.

فقد كان من المقرر أن يعقد مجلس القضاء الأعلى جلسة لبحث قرارات المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، والتي أحالها وزير العدل هنري خوري إلى المجلس للاطلاع عليها والتأكد مما وصفه بحسن سير العدالة.

لكن الجلسة لم تعقد بالتزامن مع سقوط جرحى إثر التدافع بين قوات الأمن وعشرات المواطنين، معظمهم من أهالي ضحايا التفجير، وتصاعد التوتر بعد تضارب وقع داخل قصر العدل بين مرافقين للوزير خوري ومجموعة من نواب “التغيير” كانوا مجتمعين معه.

وأفادت مصادر قضائية باعتراض بعض أعضاء المجلس على عقد اجتماع تحت ضغط الشارع، إضافة إلى اعتراضهم على ما وصفوه بالتدخل السياسي للنواب الذين اجتمعوا مع وزير العدل.

 

انقسام عمودي

وتوضح مصادر قضائية موثوقة للجزيرة نت أن عدم اجتماع مجلس القضاء الأعلى أمس الخميس يتجاوز مسألة تنفيس الاحتقان في الشارع إلى حالة الانقسام العمودي التي تسود داخله.

وأوضحت المصادر أنه “من جهة يصر رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود على دعم البيطار، فيما أغلبية أعضاء المجلس (7 أعضاء) كانوا يريدون أن تنتهي الجلسة بإصدار قرار سحب ملف التحقيق من يد البيطار والتوجه لتعيين قاضٍ بديل عنه، وذلك على قاعدة أن مجلس القضاء ومعه وزير العدل يحق لهما دستوريا إسقاط تكليف أي قاضٍ بملف ما ونقله إلى قاضٍ آخر”.

وبينما يزيد انقسام مجلس القضاء الأعلى تعطيل ملف التحقيقات تفيد المعلومات بأنه لم يتخذ قرارا بتحديد موعد جلسة أخرى، في ظل التشاور بين شريحة من المسؤولين القضائيين على الآلية الأنسب لسحب الملف من يد البيطار.

ويجد أهالي ضحايا تفجير المرفأ ومعظم اللبنانيين أن ما يحدث على مسرح القضاء يدفع مرة جديدة إلى طمس العدالة، ويعبر كثيرون عن دعمهم القاضي البيطار باعتبار أن الضغوط التي يواجهها سياسيا وقضائيا هدفها منع التحقيق.

وفي هذا السياق، يقول الخبير الدستوري بول مرقص إن ما يحصل بين البيطار وعويدات حالة غير مألوفة وغير اعتيادية ويخرج عن الإطار القانوني المعتاد، معتبرا أن ملف التحقيقات محفوف بالمخاطر، وثمة علامات استفهام كبرى تحوم حول ما إذا كان سيفضي إلى العدالة وكشف الحقيقة أم لا، حسب تعبيره.

وفي حديثه للجزيرة نت، يجد مرقص أن الأحداث تجاوزت شرحها بالإطار الدستوري والقانوني، بل تحكمها “ضغوط سياسية هائلة أدت إلى الانقسام والشرخ الكبير داخل الجسم القضائي، وكان ذلك أكثر سهولة لو نجح مجلس القضاء في معالجته سابقا قبل استعصاء الوقائع”.

 

خلفيات الأزمة القضائية

يأتي ذلك إثر مواجهة قضائية تواصل فيها السجال بين النائب العام اللبناني غسان عويدات والقاضي البيطار الذي أعلن الاثنين الماضي عودته لمتابعة التحقيقات باجتهاد استند فيه إلى دراسة قانونية نشر مضمونها، وذلك بعد توقفه عن التحقيق منذ نحو 13 شهرا بسبب أكثر من 40 دعوى رد وارتياب رفعها ضده نواب حاليون ووزراء سابقون.

وقدم البيطار طلبا لاستجواب 8 شخصيات من كبار القضاة والأمنيين، من بينهم النائب العام غسان عويدات، لكن الأخير نقد قرارات البيطار، معلنا أول أمس الأربعاء الإفراج عن كافة الموقوفين بالقضية الذين يبلغ عددهم 17 شخصا، وكان البيطار قد طلب إخلاء سبيل 5 منهم فقط.

وما ضاعف غضب الأهالي أن أحد هؤلاء الموقوفين هو رئيس مصلحة الأمن والسلامة في مرفأ بيروت محمد العوف، وهو لبناني يحمل الجنسية الأميركية، غادر ليلا إلى الولايات المتحدة فور الإفراج عنه رغم صدور قرار بمنع سفر جميع من أخلي سبيلهم.

كما أعلن عويدات إحالة البيطار إلى هيئة التفتيش القضائي بتهمة “التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”، وهو ما رفضه قاضي التحقيق، وصرح للجزيرة بأنه لن يمثل أمام النائب العام في الجلسة التي حددها أمس الخميس، مؤكدا أنه مستمر في عمله بملف انفجار مرفأ بيروت ويسعى إلى تطبيق القانون.

 

أبعاد سياسية وتداعيات خطيرة

وأمام هذا المشهد يذكر الباحث الأكاديمي والكاتب السياسي اللبناني وسام سعادة أن ملف التحقيقات في البداية كان من المفترض أن يكون بيد القاضي غسان عويدات، لكنه تنحى عنه بسبب قرابته من وزير الأشغال الأسبق غازي زعيتر (المدعى عليه من قبل البيطار)، ثم تم تعيين القاضي فادي صوان، فتمت تنحيته بعد 4 أشهر بسبب دعاوى الارتياب التي رفعها ضده سياسيون ومسؤولون مدعى عليهم.

وبينما صمد القاضي البيطار طوال هذه الفترة يجد سعادة أن الإشكالية لم تعد بشخصية المحققين وهويتهم، بل تتمحور حول رغبة سياسية بوقف التحقيقات كليا، موضحا أن لبنان لم يعهد في تاريخه أي محاسبة، لا بجرائم الاغتيالات والفساد المالي والمصرفي، ولا بجريمة العصر الأخيرة التي جسدت عدوانا على بيروت وأهلها.

وفي حديثه للجزيرة نت، يصف واقع لبنان بشديد الاستعصاء سياسيا، وهو يقف راهنا أمام 4 مشهديات في سلطاته: رئاسة شاغرة، برلمان جديد شبه معطل، حكومة تصريف أعمال عاجزة عن العمل، وحراك هستيري داخل القضاء كانعكاس لكل الأزمات والصراعات، واصفا واقع معظم القضاة بـ”قادة محاور لأقطاب القوى السياسية المتصارعة”، حسب تعبيره.

ويربط المتحدث هذا التدهور القضائي بواقع القضاة الاقتصادي كموظفين، معتبرا أن “هذه السلطة تغيب عنها سمة العقلانية بعدما صار راتب أعلى قاضٍ يوازي أقل من 400 دولار جراء تدهور الليرة”، ومع ذلك يرى أن مستوى الانفعالية ضد البيطار يزيد الشكوك بشأن ما تخشاه القوى السياسية في تحقيقات المرفأ.

ورغم كل تعقيدات المشهد القضائي اللبناني فإن سعادة يعتبر أن النظام الدولي معطل ومحكوم بالفيتو الروسي والصيني وغيرهما في مجلس الأمن، مذكرا بأن تجربة المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري ليست مشجعة، متوقعا أن يأخذ تدويل ملف تحقيقات انفجار المرفأ أشكالا أخرى تتناسب مع التطورات على الساحة اللبنانية.

ويتوقع الباحث أن تكون فاتورة ما يصفه بـ”الانهيار والخصام السياسي والقضائي” كبيرة هذه المرة، خاصة في ظل صعوبة إحياء النظام الدستوري والعلاقات غير السوية بين أقطاب الحياة السياسية، محذرا من التداعيات الخطيرة لهذه الوقائع على الشارع واللبنانيين.

ويشهد الاقتصاد اللبناني أزمة غير مسبوقة، إذ تقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 80% من السكان أصبحوا تحت خط الفقر، وهبطت العملة الليرة اللبنانية أمام الدولار إلى 60 ألف ليرة، وبذلك تكون قد فقدت أكثر من 95% من قيمتها منذ بداية الأزمة المالية في البلاد منتصف عام 2019.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى