أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الكرامة والتأثير والكنيست.. أَخرجوا الاقصى من تجارة الكنيست

توفيق محمد

 

يستفزك أعضاء الكنيست العرب إلى حد الانتفاض بعد إذ اكتشفوا الإعلام والجماهير العربية وأصبحوا يجودون عليهم بالمقابلات السخية، يستفزونك وهم يتحدثون عن الأقصى والقدس والثوابت والتأثير والكرامة ونبض الشارع، وتكاد تنفلق غضبا وأنت تسمع الفصل بين التوصية على مرشح لتركيب الحكومة الإسرائيلية وبين المشاركة في الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، وتستشيط غضبا وأنت تسمع من يحاول أن يقنعنا بأن الوطن والوطنية والكرامة تمر من هناك بجانب سموطريتش وبن غفير وغانتس ولبيد ونتنياهو.

تحاول القائمة الثنائية (الحزب الشيوعي الإسرائيلي- الجبهة، والعربية للتغيير) إقناعنا بأنها ستؤثر بكرامة، وتحاول الموحدة إقناعنا رغم مشاركتها في الائتلاف الحكومي منتهي الولاية بأنها الأقرب للتأثير، والأقرب لنبض للشارع، ويحاول التجمع إقناعنا بأن حب الوطن مرهون بعبوره لنسبة الحسم وجلوسه على مقاعد الكنيست، ويوظف الجميع فجأة اقتحامات المستوطنين ومبعوثي الحكومة الاسرائيلية للمسجد الأقصى لصالح حملاتهم الانتخابية، في محاولة منهم لاستثمار مكانة الاقصى الدينية والوطنية والقومية في صدور أبناء شعبنا.

في الواقع يجد الناس صعوبة بالغة في التوفيق بين شعارات الأحزاب العربية المشاركة في انتخابات الكنيست، وبين الواقع الذي يحيونه من حيث الممارسات العنصرية الإسرائيلية والتمييز الصارخ والانتهاكات المستمرة لمقدساتهم، فلا هم يدركون كيف ستكون الموحدة أقرب للتأثير أو أقرب إلى نبض الشارع وهي منذ أُقيمت هذه الحكومة وهي شريكة في الائتلاف الحكومي، وقد رفعت لواء مكافحة الجريمة لدى دخولها هذا الائتلاف، لكن تأثيرها في كبح جماح العنف ووقف جرائم القتل يؤول إلى الصفر إذا استثنينا فتح مراكز الشرطة في بلداتنا تلك (مراكز الشرطة) التي تؤدي أهدافا غير مكافحة العنف والجريمة، ويجد شعبنا صعوبة في فهم شعار أقرب لنبض الشارع، بل يثور استنكارا وغضبا وهو يسمع رئيس الموحدة يصف المسجد الأقصى بالمصطلح المزعوم “هار هبايت” ويصف حائط البراق بالمصطلح المزعوم ” هكوتل” وهو يخاطب بن غفير بل يتوسل إليه أن يستمع إليه وهو (أي عباس) يدير جلسة الكنيست ويعيد ويكرر: “ايتمار.. ايتمار… ايتمار تشماع اوتي (أي اسمعني) ثم يخاطبه: “أنت تذكر الأحداث التي كانت في هار هبايت (أي جبل الهيكل المسمى العبري المزعوم للأقصى) وفي المسجد الأقصى….”، (إذًا هي أحداث وليست اعتداءات على الأقصى ومصليه وهو هار هبايت وليس الأقصى). وبعد ذلك يقول في مقابلة مع القناة 12 للصحفي اليميني عميت سيغل: “المسلمون يصلون في الأقصى واليهود يصلون في “الكوتل” وهذا مرحليا ترتيب مناسب”، بل إن الموحدة ورغم كونها ضلعا أساسيا في الائتلاف الحكومي إلا أن هذا الإئتلاف كان الأكثر تغولا في اقتحام وتدنيس المسجد الأقصى، والأكثر تغاضيا عن وحشية المستوطنين واعتداءاتهم على أهلنا وشعبنا الفلسطيني، أرضا وإنسانا، وهو أكثر ائتلاف باع شعبنا في الداخل أوهاما وسرابا، سواء على مستوى الميزانيات أو على مستوى مكافحة العنف والجريمة، فكيف إذن سيكون الأقرب إلى نبض الشارع وما هو التأثير الذي تتغنى بأنها- أي الموحدة- ستكون الأقرب إليه.

ولا هم- أي شعبنا- يدركون كيف سيكون التأثير بكرامة، فمكونات ما تبقى من القائمة المشتركة وهي الحزب الشيوعي الإسرائيلي-الجبهة، والعربية للتغيير كانوا هم من أوصوا على لبيد- بينيت لتشكيل الحكومة منتهية الولاية، وقبلها كانوا هم كمشتركة ضمت التجمع أيضا من أوصوا على غانتس، وبمعنى آخر فإن كل الموبقات التي اقترفتها هذه الحكومة جاءت بفضل التوصية التي قدّمتها القائمة المشتركة والتي أعطت الضوء الأخضر للقائمة الموحدة للسير قدما في سياسة التعاطي مع الواقع الإسرائيلي على الشكل الذي تعاطت معه، والمشاركة في انتخابات الكنيست- وهي في العرف القانوني العالمي تعتبر المجلس التشريعي- تعني القبول بقوانين اللعبة الإسرائيلية كما يقرها المجلس التشريعي- الكنيست- وتعني أن الأحزاب المشاركة توافق على قوانين اللعبة المفروضة هناك، ونحن نعلم أن قوانين اللعب هناك تقضي ليس بالتفوق اليهودي فقط، إنما تسعى إلى القضاء على الآخر، سياسة ووطنا ودينا وعقيدة وتراثا وتاريخا، والإبقاء عليه آلة تشتغل في ورشاتهم وجسدا يأكل ويعمل ويسافر، ويكون مجردا من تاريخه ووطنه ومعتقده، فعن أية كرامة وعن أي تأثير يتحدثون.

الآن سوف تخرج علينا هذه الأحزاب ببرامجها الانتخابية طبعا كالعادة والتي سيقيمون من خلالها- ورقيا- فلسطين إلى جانب إسرائيل، وسيحررون أملاك الوقف والأراضي، وسيحلون مشاكل مسطحات البناء والخرائط الهيكلية ومشاكل الأكاديميين و….، وسينعم شعبنا- ورقيا- بفضل هذه البرامج بالحياة الرغيدة والعيش السعيد، وسيكون في صلب هذه البرامج هذه المرة المسجد الأقصى المبارك والأوقاف، التي فطنوا أنها ليست مجرد مقبرة ومقام ومسجد وكنيسة، إنما هي تاريخ شعب وجذور وطن تسعى المؤسسة الإسرائيلية إلى محوه عن الوجود واستبداله بحاضرها. وعلى ذكر الأقصى، فإنه قبل أن يكون حالة سياسية كما تتعاطى معه المكونات الحزبية العربية، فإنه حالة دينية وحق ديني وهو محور المحاور، والحكومة الإسرائيلية التي تسعى عبر أذرع مختلفة من جمعيات وجماعات المقتحمين إلى فرض السيادة الإسرائيلية عليه إنما تستمد ذلك من الرؤية الدينية اليهودية للمسجد الأقصى، فالرؤية السياسية الاسرائيلية مشتقة من الرؤية الدينية اليهودية ومبنية عليها، وإلا ما كان المسجد الأقصى على هذه الأهمية لدى كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

على كل حال، فإن المسجد الأقصى يجب أن يكون في أولويات شعبنا كله على كل مكوناته السياسية والاجتماعية والدينية وفق الرؤية الدينية التي تقدسه وتحميه، مع حفظ المكانة السياسية المشتقة عن ذلك له بما تحمل من بعد وطني وقومي، ومن العيب أن يستعمل المسجد الاقصى المبارك كمادة انتخابية لدغدغة مشاعر الجماهير ومحاولة استرضاء بعض الأصوات الانتخابية، فهذه لا يمكن تسميتها إلا بانها تجارة مقيتة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى