أخبار رئيسية إضافيةمقالاتومضات

التلويح بـ “نكبة جديدة”.. تصديرًا للأزمات أم تنفيذًا للأجندات؟

ساهر غزاوي

لم تكن مفاجئة أبدًا التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي تحمل لغة التهديد والوعيد والتلويح بارتكاب جريمة تطهير عرقي جديدة (نكبة) بحق الفلسطينيين الذين بقوا في قراهم ومدنهم العربية الفلسطينية في العام 1948، وكان عددهم وقتئذٍ ما يقرب من 150 ألفًا وأصبح عددهم اليوم بعد 74 عامًا 1.67 مليون فلسطيني- أي ما معناه أن العدد تضاعف 11 مرة بنسبة 1100%.

تعمدت هنا أن أذكر هذا العدد الذي تضاعف على مدار سبعة عقود لأن عامل التعداد السكاني مهم جدًا في سياق الحديث عن “نكبة جديدة” في العام 2022 وتهجير وطرد السكان الأصليين من بيوتهم وبلداتهم، مع العلم أن الـ 150 ألفًا استطاعوا بصمودهم وثباتهم أن يبقوا في وطنهم وعلى أرضهم رغم المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد القرى والبلدات العربية. ومع العلم أيضا أن مشروع التطهير العرقي الذي هندسه ديفيد بن غوريون؛ أول رئيس وزراء للكيان الإسرائيلي الذي أسس عام 1948، لم يتوقف حتى اليوم وما زال شعبنا الفلسطيني يعيش نكبات متلاحقة. ورغم صعوبة ذلك كله، علينا أن لا نستبعد أبدًا احتمالية الإقدام على تهجير أعداد من الفلسطينيين على مراحل من وطنهم، وبصرف النظر عن تداعيات مثل هذه الخطوة التي سترتد سهامها على المؤسسة الإسرائيلية قبل غيرها.

وفي العودة إلى التصريحات الإسرائيلية الأخيرة التي تحمل لغة التهديد والوعيد والتلويح بـ “نكبة جديدة” كما جاء على لسان الوزير السابق يسرائيل كاتس الذي قال: “تذكروا الـ 48، تذكروا حرب استقلالنا ونكبتكم، اسألوا أجدادكم وجداتكم، وهم سيشرحون لكم أنه في نهاية الأمر اليهود ينهضون، ويعرفون الدفاع عن أنفسهم، وعن فكرة الدولة اليهودية، لا تشدوا الحبل أكثر من اللازم”.. وكما جاء على لسان الوزير السابق أيضًا يوآف غالانت الذي ذكّر فلسطيني الداخل بما جرى قبل 74 عامًا.. لتضاف هذه التصريحات إلى تصريح عضو الكنيست من حزب “الصهيونية المتدينة” اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش قبل أشهر الذي حمل تصريحه لغة التهديد والوعيد عندما قال: “أنتم هنا عن طريق الخطأ، إنه خطأ بن غوريون لم يكمل المهمة ولم يطردكم عام 1948”.. وقبل ذلك ليبرمان الذي دعا إلى “ترانسفير طوعي” عبر نقل فلسطينيي الداخل في منطقة المثلث إلى الضفة الغربية.. ولا ننسى بكل تأكيد نتنياهو الذي قال: “إذا صار العرب يشكلون 40% من السكان، فإن هذا سيكون نهاية الدولة اليهودية” لكنه استدرك حديثه بالقول: “لكن نسبة 20% هي أيضًا مشكلة وإذا صارت العلاقة بهؤلاء الـ 20% إشكالية، فإن للدولة الحق في اللجوء إلى إجراءات متطرفة”!!

باعتقادي، أنّ هذه التصريحات المجنونة التي تحمل لغة التهديد والوعيد والتلويح بـ “نكبة جديدة”، تعكس الوجه الحقيقي للمشروع والفكر الصهيوني الذي ينظر إلى العرب الفلسطينيين في داخل أراضي الـ 48 كخطر استراتيجي عليه وتهديدا له، وتعكس مدى حرص المؤسسة الإسرائيلية على الحفاظ على أسس وقواعد التمييز العنصري والتفوق العرقي والديمغرافي لليهود على غير اليهود (العرب). والمهم في هذا السياق أن معظم هذه التفوهات والتصريحات والعبارات العنصرية المذكورة هنا وغيرها، وما أكثرها، من داخل المؤسسة الإسرائيلية، فإنها قيلت من على منبر الكنيست الصهيوني الذي هو مقر المؤسسة التشريعية للكيان الإسرائيلي وهو يعكس العقلية الإسرائيلية العنصرية الغارقة في كراهيتها لشعبنا الفلسطيني والمتنكرة لحقوقه الشرعية في العيش في وطنه.

ومن جهة أخرى، فإن هذه التصريحات المجنونة تعكس مدى الأرق والقلق الملازمين للإسرائيليين منذ عام النكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا والذي يتوارثونه جيلاً عن جيل، هذا الأرق والقلق يُساور العقلية والأيدلوجية الصهيونية منذ عقود طويلة قد تُرجم في الماضي، كما هو في الحاضر، إلى ممارسات قمعية في حق شعبنا الفلسطيني، وتُرجم إلى أعمال قتل واعتقال وإهانة للكرامة الإنسانية وهدم للمنازل ومصادرة للأراضي وتجريف واتلاف للمحاصيل الزراعية واغلاق للمؤسسات والاعتداء على المقدسات وانتهاك حرمتها ومحاولة التغيير من معالمها وطابعها الديني.

خلاصة القول، فإن هذه التصريحات المجنونة جاءت من رحم أجندات العقلية والأيدلوجية الصهيونية التي تحاول استغلال أية فرصة لإكمال مشروع التطهير العرقي بحق الفلسطينيين الذين بقوا في قراهم ومدنهم العربية الفلسطينية في العام 1948 وصار وتضاعف تعدادهم السكاني 11 مرة – أي بنسبة 1100%-، كما أنها أيضا ليست بعيدة عن تصدير الأزمات التي تعيشها المؤسسة الإسرائيلية في هذه الأيام وتتخوف من اندلاع انتفاضة ثالثة بدأت فعليا بالظهور والتي تحاول جاهدة اتخاذ خطوات استباقية قوية لمنعها، إلى جانب الانقسام الداخلي الإسرائيلي غير المسبوق، والقلق الراهن من حرب أهلية داخلية، على ضوء أزمة الحكم المتواصلة منذ آذار 2019 إلى إجراء 4 جولات انتخابية انتهت أخيرا بالحكومة الائتلاف “متعدد الرؤوس” التي يرأسها بينيت، والتي بدأ العد التنازلي لتفككها.

ويبقى السؤال: لولا أن التلويح بـ “نكبة جديدة” يأتي في سياق تصدير الأزمات ومحاولة تنفيذ أجندات؛ هل يستحق كل هذا التخوف والقلق الإسرائيلي ليدفع بعض المأفونين للتفوّه بتصريحات مجنونة من على منبر الكنيست الصهيوني (تصريحات كاتس وغالانت تحديدا) كردة فعل على إحياء الطلاب العرب في جامعة “بن غوريون” بمدينة بئر السبع، الذكرى الـ 74 لنكبة الشعب الفلسطيني ورفعهم للأعلام الفلسطينية وشعارات للتذكير بالنكبة؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى