أخبار رئيسية إضافيةمقالات

كلام في جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة

 ساهر غزاوي

إن جريمة الاغتيال البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الإعلامية المتميزة القديرة مراسلة قناة الجزيرة الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، أثناء تغطيتها اقتحام هذه القوات مدينة جنين ومخيمها، جريمة هزّت كل ضمير إنساني حر، ومسّت بأبسط حقوق العمل الصحافي الذي يكفله القانون الدولي الإنساني، لا سيّما وأن الراحلة أبو عاقلة دفعت من حياتها ثمن رسالة عظيمة حملتها بأمانة واقتدار وبمهنية عالية على مدار أكثر من ربع قرن من الزمن، إلى جانب أنها انتصرت للرواية الفلسطينية الحقيقية التي آمنت أنها لم ولن تموت وحتمًا ستنتصر على الرواية والدعاية الإسرائيلية المضللة التي تعمل على تجميل صورة الاحتلال الوحشية وممارساته العنصرية المخالفة للأعراف والمواثيق والقوانين الدولية، خاصّة وأن تواجد الاحتلال الإسرائيلي فيما يسمى (مناطق الـ 67) هو أصلًا يخالف القانون الدولي.

بصمود وتماسك الرواية الفلسطينية الحقيقية التي انتصرت لها الإعلامية شيرين أبو عاقلة على مدار أكثر من ربع قرن من الزمن والتي سجّلت مكاسب كثيرة لصالح القضية الفلسطينية، افتضح وانكشف زيف وتهافت الرواية والدعاية الإسرائيلية أثناء وبعد جريمة اغتيال شيرين، وهذا ما دفع الإعلام الإسرائيلي ليُقر بالعجز أمام الرواية الفلسطينية واعترافه بـ “هزيمة إسرائيل في الإعلام” كما نقلت صحيفة “يديعوت أحرنوت”. ودفعت هذا الإعلام المجند لخدمة الرواية الإسرائيلية أن يُحذّر من أن عدم التحرك الإسرائيلي لخلق رواية مقنعة، يعني تقزم عمل الجيش الإسرائيلي في الساحة الدولية، ليبقى كجيش احتلال، بحسب معاريف أيضا. غير أنه توجد أصوات إسرائيلية رأت أن جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة رغم انكشاف عورة وعنصرية المؤسسة الإسرائيلية، فإن المؤسسات والجهات الدولية الداعمة للرواية الإسرائيلية لن تقوم بمعاقبة إسرائيل بالقدر المطلوب، فالمصالح تتغلب على الاعتبارات الأخلاقية، كما تقول صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية.

شيرين أبو عاقلة بأدائها المهني المتميز وغير المُسيس ولا المنحاز إلا لصالح القضية الفلسطينية، والتي ظلت ملتزمة بتغطية جميع القضايا التي تمس الفلسطينيين، وعاشت وماتت من أجل رواية القضية الفلسطينية الحقيقية العادلة، استطاعت أن تدخل قلوب الناس دون استئذان قبل أن تدخل بيوتهم، وهي التي اختارت الصحافة لتكون قريبة من الناس لإيصال صوت معاناتهم، واستطاعت أن تُبصر عيون الناس على مَظلمة الفلسطينيين التاريخية أمام العالم كله، واستطاعت أن ترفع من وعي الأجيال وحسهم الوطني والأخلاقي والإنساني تجاه قضيتهم، فكانت صحافية رائدة على مستوى الصحافة الفلسطينية والعربية.

من أجل هذا وغيره، كان خبر جريمة الاغتيال البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق شيرين أبو عاقلة مثل نزول الصاعقة والصدمة الكبيرة على كل إنسان حر مسلم وعربي وفلسطيني، حيث أشعرتهم جريمة الاغتيال البشعة أنهم فعلًا فقدوا عزيزًا وأن الرصاصة الغادرة التي أصابت شيرين والتي أظهرت بجلاء كم هي حياة الفلسطينيين رخيصة ومستباحه، أصابت قلوبهم أيضًا، لذلك لا عجب أن تقترن مشاعر الحب والوفاء بالألم والقهر على فقدان شيرين أبو عاقلة.

وعلى الرغم من أن جريمة اغتيال الإعلامية المتميزة شيرين أبو عاقلة استطاعت أن توحد الفلسطينيين عاطفيًا وشعبيًا، واستطاعت أن تشكل رأيًا عامًا داعمًا ومساندًا للقضية الفلسطينية، إلى جانب ردود فعل عربية وعالمية غاضبة تدعو إلى محاسبة ومعاقبة الاحتلال الإسرائيلي على جريمته البشعة، إلا أن هناك ثمة محاولات كانت وما زالت لجرّ الناس إلى سجالات ومعارك جانبية ومحاولات أخرى لإحداث حالة تعارض بين العقائد والمفاهيم الإسلامية وبين التفاعل والتعامل مع القضية، مع أنه لا يوجد أي تعارض أبدًا، بل إن المفاهيم والتعاليم والأخلاق الإسلامية والأوضاع السياسية والاجتماعية في حالتنا تحديدًا تحتم علينا أن لا نبتعد عن نقطة النقاش الجوهرية وهي جريمة الاغتيال البشعة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وفضحه وكشفه وتجريمه على كافة المستويات.

ختاما، فإن النقاش في قضية اغتيال شيرين أبو عاقلة أو أية قضية أخرى التي من شأنها أن تجمع وتوحد الكلمة وتكون مكسبًا لصالح قضايانا العادلة وفرصة علينا أن نحسن التعامل معها، نستطيع بسهولة وبكل أريحية أن لا نضيع البوصلة وأن نحافظ على حالة توحد الفلسطينيين عاطفيًا وشعبيًا ونستطيع أن لا نُصرف الناس عن الجريمة وبشاعتها ولا نشغلهم عن جوهر القضية لنتسبب في إسعاد الاحتلال الذي وجد أن السهام لم تعد تُصوّب نحوه، نستطيع أن نفعل ذلك وأكثر إن وضعنا هذا النقاش في الإطار الصحيح وتجنبنا أي استفزاز متبادل من شأنه أن يفشلنا في إدارة معاركنا والتحديات التي تواجهنا، ونستطيع أيضًا إن وضعنا نصب أعيننا مراعاة المشاعر ومراعاة واحترام الخصوصية الدينية والعقدية لكل طرف، حيث أن كل طرف غير مضطر ولا مجبر أن يتجاوز حدود خصوصيته الدينية والعقدية وله كامل الحق في التمسك بهما، مع شديد الحرص على التأكيد أن مقتضى الشهامة والمروءة والوفاء يدعونا لأن نغضب ونحزن لجريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة ويدعونا لأن نقدر ونثمن التضحيات التي قدمتها شيرين من خلال دورها الإعلامي المتميز ومعركة الوعي التي خاضتها وماتت لأجلها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى