أخبار رئيسية إضافيةمقالات

ولو بتميرة.. ولو بابتسامة

ليلى غليون

يا باغي الخير أقبل هذا شهر مكرمة         أقبل بصدق جزاك الله إحسانا

أقبل بجود ولا تبخل بنافلة              واجعل جبينك بالسجدات عنوانا

تميرة في سبيل الله تنفقها               أروت فؤادًا من الرمضاء ظمآنا

إنها كلمات أطلقتها قريحة ذاك الشاعر، تدغدغ الفؤاد فتحرك أوتاره لتعزف بنغمات العطاء والإيثار والشعور بالغير، وقبلها تناثرت من الدرر السنية، بل تلألأ قبس من مشكاة النبوة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم حينما قال: (… وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر).

إنه نداء حنون يناديك يا صاحب القلب الكبير الواسع والذي هو أوسع من هذا الكون الرحب، يناديك تحفيزًا وشحذًا لهمّتك لاستباق الخيرات لأنك أنت الخير، نعم لأنك أنت الخير وأنت المقصود يا من تقرأ هذه الكلمات، كيف لا وأنت من أمة اختصت بالخيرية من دون سائر الأمم؟ كيف لا وأنت مفطور على جبلة الخير، وفطرة الخير الكامنة في أغوار ذاتك، وفيك من جداول الخير العظيمة المنسابة في حناياك ما تعلمه وما لا تعلمه.

أنت الخير، لأنك ما تعبت بالبحث عن السعادة، ولا فتشت طويلًا عن الطمأنينة وراحة البال، لأنك وجدت سعادتك وراحة بالك فقط في طريق الخير حين بادرت بالصلح مع الله عز وجل وعزمت عزمًا أكيدًا أن تذر نفسك لله محررًا لفعل ما يرضيه تبارك وتعالى، لتثور تلك الهمة الكامنة في أعماقك وتقول: هلمّ يا نفس إلى رضوان الله، هلم إلى تجارة رابحة لا خسران فيها، هلم إلى سباق جائزته حتما الجنان بإذن الله.

فنظرت بمنظار الرضا واليقين والتفاؤل لتكتشف كم هي مساحات الخير الخضراء الواسعة فيك، وكم هو عميق وغزير ينبوع العطاء المتدفق في أغوار نفسك، لتنبت فيها نباتًا أخضر حسنًا كان حصاده الخير الوفير عليك وعلى من حولك. أنت الخير وأنت في مواسم الخير فاجعل الله يرى منك كل خير.

يقول من فيه الخير كله صلوات الله وسلامه عليه: “إن لله عبادًا اختصهم لقضاء حوائج الناس، حببهم بالخير وحبب الخير إليهم، أولئك هم الناجون من عذاب النار”.

فركبت قارب النجاة من النار وعزمت أن لا يسبقك إلى الله أحد وقلت: سأكون من بين هؤلاء العباد المختصين الساعين لقضاء حوائج الناس. فيا لسعدك ويا لهناك، وطوبى لك هذا الاختصاص طوبى لك وقد جعل الله مفاتيح الخير في يديك. طوبى لك وقد جعلك الله تعالى دليل معروف وسفير هداية ورسول صلاح. طوبى لك وقد أشرعت أبواب الخير في قلبك ليلج فيها كل حزين وكل مكروب وكل مهموم ومحروم، طوبى لك وقد اتسع قلبك للجميع، لا بل لا يزال فيه فسحة للمزيد. طوبى لك وأنت ترسم بسمة على شفتي حزين. طوبى لك وأنت تزرع أملًا في قلب مهموم. طوبى لك وأنت تمسح بيدك الحانية على رأس يتيم. طوبى لك وعيناك تدمع رحمة بوالديك وقد دعوت الله تعالى أن يرضى عليك بعبورك جسر رضاهما. طوبى لك وقلبك يخفق رأفة وحبًا بمن استأمنك الله عليهم فكنت لهم الوالد الحنون والمربي الفاضل وكنت لها الزوج الصالح المحب. طوبى لك وخطواتك في طريق الخير كالهمسات لا يسمع لها صوت ولا صدى كمن يمشي على الرمال، ولكن آثار خطواتك غائرة في الأعماق. طوبى لك وأنت إذا حضرت حضر الخير معك، وإذا تكلمت تساقطت درر الخير من فيك، وإذا فكرت توقد بأفكار الخير ذهنك، وإذا سكت فلأجل الخير، وإذا صاحبت كنت دليلًا لصاحبك للخير، كالغيث أينما وقع نفع، وكالنجم في العلا يهدي ويدل ويرشد، ينبوع خير يتدفق بالنفع والبركة.

فها هو رمضان موسم الخير العظيم، فطعم العمل الخيري فيه ليس كمثله في سواه، وها هي فرصتك العظيمة لولوج أبواب الخير التي لا تعد ولا تحصى وكلها مفتوحة ومشروعة وتناديك أنت بالذات لأنك أنت عنوان الخير والعطاء فلا تستصغر فعل الخير مهما كان بسيطًا.

قال صلى الله عليه وسلم: “رأيت رجلًا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين”. أرأيت ما أسهل وصولك للجنة؟ إنه عمل بسيط تبتغي به وجه الله يكون مفتاحًا بيديك للسعادة الأبدية، حتى لو كان قطرة من ماء تقدمها لطائر، حتى لو كان تميرة، حتى لو كان ابتسامة تزهر في قلب مكلوم. وليكن لك حظ ونصيب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلمس حاجات الناس، والصبر على أذاهم، بل ليكن لك حظ في جميع أبواب الخير والبر ما استطعت إلى ذلك سبيلًا مبتغيًا في كل ذلك وجه الله عز وجل. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنوات”. ويقول المفكر الإسلامي مالك بن نبي رحمه الله: “إنّ الإنسانية في حاجة عامة إلى صوت يناديها إلى الخير، وإلى الكفّ عن جميع الشّرور، وإنّها لحاجة أكثر إلحاحًا من سواها، لأنّ الإنسان توَّاق إلى الخير بفطرته، ومَن يرفع راية الخير قد يسدّ حاجة تشعر بها الإنسانية في أعماقها، ويحقّق لنفسه مكانًا كريمًا في المجتمع العالميّ. وفي هذا المجال يمكن أن يكون مجالنا إذا حقّقنا في سلوكنا معنى الآية الكريمة: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى