أخبار رئيسيةمقالاتومضات

إسرائيل بين مأزقين.. السياسي والأمني

 صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

لا ينكر إلا مكابر أنّ إسرائيل دولة قوية الجانب، أمنيا وخاصة في مسائل التقانة الأمنية، السايبر، ولها جيش من العملاء يزودها بالمعلومات كما أنها تملك ترسانة عسكرية هائلة وشرطة ضاربة، وفي السياق ذاته تعيش هذ الدولة منذ عدة سنوات أزمات طاحنة في السياسة وصار معلوما لدى كل باحث في السياسة الإسرائيلية عن حجم تأثير القرار العسكري والأمني على المستوى السياسي سواء كان في الحكم أو خارجه.

صحيح أن العمليات الثلاثة فاجأت تلكم الأجهزة وجاءت كما يزعمون وهم غير مستعدين لمثل هذا الحدث على اعتبار انهم شهدوا اختراقا للعالمين العربي والإسلامي وقربهم زلفى إلى موائد تلكم الدول، وظنوا أن القضية الفلسطينية قد تراجعت في العقل الجمعي العربي بعد تدمير الربيع العربي ومن آمن به، ومستغلين أنّ الشعوب العربية قد أثخنتها جراح الوكلاء من الحكام وصار همُّ الناس التعاطي مع هذه الجروح وتفكيكها، وهو ما يمنح إسرائيل الفرصة التاريخية للعمل على وأد القضية الفلسطينية.

ولأنّ المؤسسة الإسرائيلية تعيش همًا وجوديا فقد عمدت منذ هبّة الكرامة للتحضير لمواجهة كل متوقع ورسمت السيناريوهات وشدت الرحال إلى عديد دول الجوار لإشعار الجيران بخلق حالة من التهدئة ولممارسة الضغط على الفلسطيني، وقد أصدر رئيس سلطة رام الله أوامره إلى منتسبي حركة فتح على منع التظاهر والمواجهات مع الجيش في القدس علما أنّ الاحتلال الإسرائيلي يعمل متعمدا على كسر فرحة الفلسطيني بشهر الصيام، خاصة في باب العمود الذي يعرف مكانته كل فلسطيني عاش في مدينة القدس منذ احتلالها وإلى هذه اللحظات.

تتحسب المؤسسة الإسرائيلية من حدوث حدث يشكل فارقًا سياسيًا وأمنيًا في عموم البلاد ويبدو أنّ الزّخم الذي يمارسه الإعلام الإسرائيلي سيدفع نحو مواجهة شاملة بين الشعبين. ولأنَّ الإعلام الإسرائيلي مجندٌ ويعمل وفق أجندات مرسومة تضعها الأجهزة الأمنية تحديدا ومن ثم توافق عليها المؤسسات السياسية فنحن عمليًا أمام برامج تنفذها المؤسسة بغض النظر في هذا التحليل عن الأيديولوجيات الحاكمة والمُصّرِفةُ لهذه البرامج او السياسات، وهذا بحد ذاته يضع العديد من علامات السؤال الكبيرة على مجمل الاحداث التي وقعت مؤخرا سواء حول التوقيت أو الاجندات التي يمكن أن تخدم هيئات عامة خاصة وأن رئيس هيئة الأركان تفاخر مؤخرًا أن المخابرات والجيش أحبطت عشرة عمليات مؤكدة.

طبعًا كوخافي لا يمكنه أن يشير إلى التعاون الأمني شبه المطلق مع سلطة رام الله. يمكن ان تكون هذه المؤسسات قد تفاجأت من حجم النتائج وليس من الاحداث ذاتها وبما أن هذه المؤسسة تتحدث منذ عام عن استخلاص النتائج والعبر من أحداث رمضان الماضي فإن كافة الإجراءات التي اتخذتها السلطات المختلفة تصب عمليًا في تطبيق هذه التوصيات، ولعل ما يحدث اليوم في مدينة القدس وما يدور في الضفة الغربية ومن تعزيزات هائلة لقوى شرطية وأمنية في الداخل الفلسطيني، تصبّ في نفس الاتجاه المتعلق بالتوصيات من جهة وبما يراد تنفيذه من أجندات الجهاز الأمني بكل مقوماته ومكوناته وهو ما يستوجب المتابعة والحذر من قبل المؤسسات الفاعلة في الداخل الفلسطيني.

المؤسسة الإسرائيلية في تعاملها مع الملف الفلسطيني إن في القدس أو غيرها هي في حقيقتها تتعاطى مع الملفات برسم هويتها الاحتلالية والكولونيالية وهو ما ينفي عنها مسائل السيادة المدنية وفي ظل التحول الجاري في المدن الإسرائيلية من مدن إلى ثكنات عسكرية، فيما البلدات العربية تتمتع بحرية رغم مآسيها الخاصة وهو ما يحدث الفارق بين نظام ديموقراطي إثني هيَّاب من أصحاب البلاد دائم التأهب ويعيش حالة من الخواف وبين صاحب البلد والأرض، الأول تحميه الدبابة والطائرة والثاني تحميه إرادته وحقه التاريخي الذي لا يتزعزع.

الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية والقدس وممارساته الاحتلالية ومعه مليشيات مسلحة وعيناتِ متواطئة من الفلسطيني مضافٌ إليه ما يحصل اليوم في النقب وما يشهده الداخل عموما من غليان بسبب سياسات المؤسسات العنصرية وما تراكمه من ظلم وفجور سياسي مصحوب بممارسات سوائب الداعشية اليهودية المدعومة حكوميًا، فقد باتت مشهديات الحدث السياسي الفلسطيني متداخلة وتتأثر خاصة في شهر كرمضان ومنطقة حساسة كالقدس وموقع مقدس كالمسجد الأقصى المبارك.

المأزق السياسي

في ظل هذه الإجراءات، تتراجع الحالة السياسة لتصل إلى مستويات متدنية كان آخرها ما أعلنت عنه رئيسة الائتلاف الحكومي النائبة من قبل حزب يمينا عيديت سيلمان صبيحة يوم الأربعاء عن عزمها ترك الائتلاف الذي يقوده نفتالي بينيت وهو ما سيشكل حرجا للحكومة وأزمة ستطالها وبيانًا لحالة الانحطاط السياسي الذي وصلت اليه البلاد بفعل سياسات استعملها نتنياهو من قبل ودَرجَ عليها اليمين، وقد كشفت وسائل الاعلام الإسرائيلية الدور الذي مارسه زوجها في إعلانها المذكور وهو المقرب من الليكود والموعود من قبل رئيسه كما يبدو أن تكون وزيرة الصحة إذا ما سقطت هذه الحكومة وتولى الليكود زمام السلطة دون انتخابات عامة جديدة، وهو ما يؤكد حجم الانحطاط والوصولية في السياسة الإسرائيلية قاربت دول الموز العربية.

ردود الأفعال التي صدرت من اقطاب اليمين الإسرائيلي على الاجراء الذي اتخذته عيديت يبين حجم الازمة والتوق لدى اليمين للعودة الى السلطة، فإغراءات السلطة وبريق المال يدغدغ عواطفهم وأحاسيسهم التي غابوا عنها يومًا أو بعض يوم، وفي ظل تناقضات الفعل السياسي ومصالحه التي عادة ما تتجاوز الأخلاقي لصالح المصلحي يتم التعاطي مع الملف الفلسطيني في كل التراب الفلسطيني “الانتدابي” بعقل أيديولوجي استعماري، إذ يتم عبره اكتساب عديد المواقف السياسية والحشد السياسي لأطراف اليمين ومن يدور في فلكهم المعبأ بالكراهية للعربي الفلسطيني، مخلوطًا بكسوبات مالية هائلة وهذه الكسوبات هي عين الحقيقة الغائبة والمسكوت عنها في السياسة الإسرائيلية، وكنت قد تناولت هذه الحيثية في مقالات سابقة تناولت فيها هبة الكرامة.

العجيب في راهننا السياسي الإقليمي أنه في الوقت الذي تتراجع إسرائيل في مستوياتها السياسية الداخلية وتتأكل عمليا من هذه الحيثية، وهو ما يعني في الفهم الحضاري بوادر الانهيار خاصة مع علو شأن المجموعات المتطرفة خاصة الداعشية اليهودية التي يقف في مقدمتها بن غفير وسموطريتش ممثلين في الكنيست، في هذا الوقت بالذات يهرول العرب الى تل ابيب ليحموا انظمتهم وشبكات مصالحهم الفاسدة بعد تدميرهم للربيع العربي لتتحصل إسرائيل الدولة والمجتمع على إنفوزيا جديدة تمنحها نوعا من البقاء السياسي يتم تسخيره انتخابيا.

من السابق لأوانه الإعلان عن وفاة هذه الحكومة إذ الأبواب السياسية منفتحة على مصراعيها وكافة الاحتمالات السياسية واردة، ولكن المؤكد أن إسرائيل لن تنعمَ مستقبلًا بحكومات مستقرة وهو وإن كان أحد امراض بعض الدول “الديموقراطية” اعتمادا على أن الفعل السياسي العام لن يؤثر على دولة مؤسسات كما الحالة الطليانية “مثلا”، فأن الحالة السياسية المقرونة بالفساد الذي فيما يبدو طال كافة شؤون الحياة السياسية سيكون مدخلًا تأسيسيا لحالة التراجع في الفعلين السياسي والحضاري المتعلق بالوجود الصهيوني على هذه الأرض، وسينسحب وما ينسحب عليها سنن التآكل الحضاري حيث ستلعب المفاعيل الهادمة للبنية الحضارية/ المدنية الصهيو- يهودية، خاصة إذا كان المقابل قد مَلكَ سنن الاستعداد والمواجهة الحضاريتين.

المأزق الأمني

تمارس إسرائيل القوة والبغي ضد الوجود الفلسطيني منذ قيامها وكلما تقدم بها العمر تفننت في أدوات القتل والقهر والبغي، مستعينة بما تملكه من قدرات وملكات خاصة وبجيش من العملاء والمتواطئين من فلسطينيين وعرب ومحمية من دول غربية تتعاطى معها بنكهة صليبية.

وهو إذ يمارس القتل اليومي تحت لافتات مختلفة سعيًا لبث الطمأنينة في نفوس الساكنة من الإسرائيليين، فإنه يمارس عمليات غسيل دماغ لمجموعات فلسطينية تكاد تكون مبتورة عن سياقها الفلسطيني بكل تركيباته وتعقيداته، وفي ذات السياق لا يتردد وهو يمارس عمليات التدجين الثقافي والفكري والعملي أن يقتل وأن يمضي على سنة معلمهم القتل شارون الذي نادى إلى التعامل بالعنف مع الانسان الفلسطيني، فإن لم ينفع العنف فممارسة المزيد من العنف ليكون ضامنًا لكسر شوكة هذا الانسان.

ومع ذلك كله فلم تنجح هذه الدولة الاحتلالية بكسر الشعب الفلسطيني بل تشير المعادلات الى أنّ المجتمع الإسرائيلي أكثر خوفا من الماضي القريب ولعل تركيز الاعلام الإسرائيلي على ذاك الشاب الفلسطيني الملثم والمكسو بالبياض المنسوب للاستشهاديين قد دبَّ الرعب في نفوس المواطن الإسرائيلي الذي من المفترض أن يعيش حياة كريمة وعادية، ولكن سياسات المؤسسات الأمنية ما زالت تؤمن بنظريات موشيه ديان أن إسرائيل قامت على حد السيف وبقائها مرهون به.

لقد لعب الاعلام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة دورًا كبيرًا في تعزيز هذا الخوف بعدئذ ظنَّ انه يفعل حسنًا، ولعل ما فعله رئيس الوزراء نفتالي بينيت على أثر العمليات الثلاثة من دعوة المواطنين الإسرائيلية لحمل السلاح معتبرا إياها “لحظة حمل السلاح” وهو بذلك إذ يعسكر المجتمع يقربه مطلقا الى ان يصبح عمليا مجتمع ابرتهايد ومجتمع مليشيوي يهدد حيوات الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم، وبما أننا نعيش أجواء من إرهاب دولة في مناطق سلطة رام الله وتتجه الأمور نحو أن تكون كذلك في الداخل الفلسطيني فإن المؤسسة الإسرائيلية بمرافقها المختلفة وأجهزتها المتعددة، إنما تقارب لحظة المواجهة مع الكل الفلسطيني، فهل تسعى الأجهزة الأمنية للوصول إلى هذه اللحظة بناء على ما ذهبت إليه في مقدمة هذه المقال.

 

 

.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى