أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

 معركة الوعي (108): ملاحظات إضافية حول ملف الانقسام

حامد اغبارية

ربما لا تُسعفك الصفحات لتسجيل كل ما تعرف حول واحدة من أكثر القضايا خطورة في تاريخ الصحوة الإسلامية في الداخل الفلسطيني، تلك هي قضية الانقسام أو الانشقاق، والذي أرى أنه لم يكن انقساما ولا انشقاقا بقدر ما إنه كان تصحيحا للمسار، في خطوة شجاعة اتخذها التيار الرافض لخوض انتخابات الكنيست، والرافض أكثر لنهج الشيخ عبدالله نمر درويش رحمه الله تعالى.

وحتى لا تبقى بعض المسائل معلقة أو يشوبها بعض الضبابية أو الغموض، فإنه من الواجب أن أضيف هنا جملة من التوضيحات والإضافات على ما كتبته في المقالات الثلاثة الأخيرة، لله ثمّ للتاريخ، ثم للأجيال التي من حقها علينا أن ننقل إليها الحقيقة كما رأيناها وكما نراها.

وأود بداية أن أؤكد أن الهدف ليس تسجيل انتصار أو إنقاص من مكانة أحد أو قدره أو حقه أو جهده أو عمله، وإنما هو سعي إلى قولة الحق مما علمتُ ومما تحصل لديّ من مصادر موثوقة، وأؤكد أنني لن أتردد لحظة واحدة في التصحيح والتصويب والتوضيح إذا ما تبين أنني أخطأت في مسألة ما.

  1. وجدتُ الأستاذ عبد المالك دهامشة، سواء في حديثه خلال البرنامج الذي أذيع في راديو “الناس”، أو في أحاديث سابقة، يكرر جملة لها مغزى وفيها تلميح غير برئ. فقد قال إن بيان “تصحيح المسار” الذي نُشر في صحيفة “صوت الحق والحرية” يوم 29/3/1996 لم يبدأه الشيخان رائد صلاح وكمال خطيب بالبسملة!! وإن كنت لا أدخل في النوايا، ولكن الهمز واللمز واضح من أنه أراد أن يقول إن الذي لا يبدأ كلامه بالبسملة توجد عنده مشكلة ما!! وتكرار هذه المقولة في كل مجلس وفي كل مقابلة تجعلك تفهم المقصد وإن لم يصرّح به.
  2. قال الأستاذ دهامشة، مبررا نهج الشيخ عبدالله، إن “الشيخ كانت له نظرة… كان خائفا عليهم أن تحظر مؤسساتهم وهذا ما حدث، هو رأى ما لم يره بعض الإخوة”. والسؤال: كيف يجب أن تقاس الأمور؟ هل حظر الحركة (الجناح الشمالي) وحظر مؤسسات العمل الأهلي هو نتيجة للخيار الذي سار فيه الشيخ رائد صلاح وتياره، بحيث يحملهم الأستاذ دهامشة المسؤولية، أم هو نتيجة السياسة الرسمية الإسرائيلية التي تستهدف كل مشروع يعمل خارج دائرة اللعبة السياسية الصهيونية؟ وهل المطلوب أن تطأطئ أمام العواصف حتى تمر بسلام؟ هل المسألة هي مبدأ السلامة أم سلامة المبدأ؟ ومن الذي دفع الثمن غاليًا حقا؟ هل هو الجناح الشمالي الذي رفض كل المساومات وعمل بشرف وظل رافع الرأس، أم الذي سار في طريق ونهج أصبح فيه شريكا في ائتلاف حكومي، بعد أن ظل يقدم التنازلات تلو التنازلات، وبعد أن أطلق النار على الثوابت واحدا واحدا، بحجة حماية المشروع الإسلامي؟؟ وهل نجح أصحاب هذا النهج في حماية مشروعهم فعلا؟ أم أن مشروعهم سقط على أمّ رأسه من شاهقٍ إلى وادٍ سحيق؟ أتقاسُ الأمور ببقاء الإطار، بغض النظر عما يجري داخله؟ أم تقاس بما أنجزه النهج بغض النظر عن بقاء الإطار من عدمه؟
  3. أشار الأستاذ دهامشة إلى أن بيان “تصحيح المسار” تحدث عن نقطتين دفعتا إلى ما سماه الانشقاق، وهما النقطة التي تتعلق بالتفاوض مع أحمد الطيبي والنقطة التي تتعلق بدعم شمعون بيرس كمرشح لرئاسة الحكومة.

أولا: حتى لو لم تكن غير هاتين المسألتين لكانتا كافيتين لاتخاذ هذه الخطوة الشجاعة. وقد تحدثتُ في المقال السابق عن قضية الوفد الذي زار الطيبي من طرف الشيخ عبدالله وسلمه رسالة تدعوه إلى التفاوض دون الرجوع إلى مجلس الشورى. وأما بخصوص دعم شمعون بيرس، فأذكّر فقط بأن الشيخ عبدالله شخصيا كان قد بادر إلى تلك “الخدعة” (التريك) التي أراد بواسطتها معاقبة شمعون بيرس وحزب العمل بسبب إغلاق مؤسسة الإغاثة الإسلامية. فكيف حدث هذا الانعطاف الحاد من “معاقبة” بيرس إلى الدعوة لدعم بيرس؟؟

ثانيا: لم تكن هاتان المسألتان هما فقط اللتين حسمتا الموقف، بل كما ذكرتُ في المقالات السابقة، هو النهج الذي لم يعد الشيخان رائد وكمال وتيارهما على ابتلاع شفراته وضفادعه أكثر، خاصة سياسة فرض الرأي والنهج ورفض سماع أي صوت آخر من جانب الشيخ عبدالله رحمه الله. وكان التيار الرافض للنهج وللكنيست قد أعد بيانا حول كل هذه المسائل يفصل فيها كل ما جرى، لكنه فضل عدم نشره، وفيه ما يثبت أن المسألة لم تكن متعلقة فقط بانتخابات الكنيست. وسوف ينشر هذا البيان الذي كان بعنوان (من الذي انشقَّ؟) قريبا ليطلع الجمهور على حقيقة الأمر. ولعل ما ذكرتُه في المقالات السابقة تضمن بعض ما جاء في ذلك البيان. وكان سبب إعداد ذلك البيان هو إصدار الجناح الجنوبي بيانا تحت عنوان (لماذا انشق الإخوة؟) والذي ذُكرت فيه تفصيلات بعيدة عن الواقع والحقيقة. أما سبب عدم نشر ذلك البيان فيرجع إلى انتهاج سياسة عدم الرد بالمثل التي اثبتت نجاعتها، حيث كان همّ تيار الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب هو فعلا تصحيح المسار وبناء الحركة الإسلامية وإعادة ترتيب أوراقها بعد ما تعرضت له من خلل ضربها في الصميم. وكان لدى الشيخين أملٌ في أن يجري تدارك الأمر وإصلاح الأمور دون الوصول إلى الانشقاق. ويؤكد ذلك أن الإعلان عن تشكيل (جسم لتصحيح المسار) جاء بعد سنة تقريبا من انتخابات الكنيست عام 96، وتحديدا في شهر أيار من العام 1997، وذلك بعد أن أصدر الجناح الجنوبي صحيفة “الميثاق” وإعلان الشيخ عبدالله عن إغلاق باب الحوار لرأب الصدع.

  1. أشار الأستاذ دهامشة في ختام البرنامج الإذاعي إلى أنه انتُدب ذات مرة للقاء وفد من الجناح الشمالي حول الوحدة، “لكنَّهم لم يحضروا”!! وفي هذا تلميح غير برئ من الرجل إلى أن الجناح الشمالي تهرب من الحوار. وهذا مجانب للحقيقة. فربما أن السيد دهامشة شارك مرة واحدة في الحوار، وربما لم يحضر الإخوة من الطرف الثاني لسبب ما لا أعرفه، لكن واقع الحال يؤكد أن الطرف الذي يبرر الأستاذ دهامشة نهجه هو الذي كان أول من أغلق باب الحوار في بيان رسمي أعلن فيه كذلك عن إصدار صحيفة الميثاق، كما أشرت. ومع ذلك استمر الحوار لاحقا وصولا إلى عام 2012، وهو العام الذي شهد آخر حوار لرأب الصدع وإعادة الوحدة بين شقي الحركة، والذي وصلت فيه الأمور مرحلة وضع اللمسات الأخيرة وترتيب آلية العمل في المؤسسات المختلفة بعد توحيدها، وبعد أن أقرّ الطرفان رئاسة الحركة للشيخ حماد أبو دعابس وملف العلاقات الخارجية للشيخ رائد صلاح. ثم فاجأ الإخوة في الجنوبية الدنيا كلها بقرارهم المشاركة في انتخابات الكنيست بعد قرار نتنياهو حل الكنيست وتقديم موعد إجرائها، بعد أن كانوا قد صرحوا أكثر من مرة أنه إذا كانت انتخابات الكنيست تشكل عقبة فهم مستعدون للتنازل عنها تحقيقا لوحدة الحركة. فمن الذي أدار ظهره للوحدة ولكل جهود رأب الصدع؟
  2. ولعل الأيام ستكشف لكل ذي بصيرة أن الكواليس مليئة بمعلومات، كانت هناك أطراف عدة على اطلاع عليها، لها علاقة بحظر الحركة. فهناك قرائن كثيرة تشير إلى أن قرار حظر الحركة الإسلامية كان على طاولة نتنياهو قبل موعد إعلان الحظر فعليا بفترة طويلة جدا، وأنه كان فقط ينتظر الفرصة للانقضاض في ظروف مناسبة لا تترك مجالا لردود فعل تكلفه ثمنا باهظا. وتستطيع الآن أن تربط أمورا معينة بعضها ببعض لتفهم كيف أن (لُقمة) توحيد صف الحركة كان قد وصلت إلى الفم، وفجأة انقلبت الأمور رأسا على عقب!!
  3. من الأمور التي لا بد أن يطلع عليها الجمهور أيضا، حتى يدرك حجم اللعبة، ما يلي: عقد لقاء في كفر كنا في يناير 1995، وفيه طلب الشيخ رائد صلاح تأجيل عقد المؤتمر العام الأول المقرر في 28/1/1995، إلى حين عودته من الأردن (مع أخوين آخرين) حيث كلفوا بالسفر من أجل الإعداد لإغاثة مسلمي الشيشان، إلا أن الشيخ عبدالله أصرّ على عقد المؤتمر، لكنه وعد الشيخ رائد بعدم اتخاذ قرار نهائي يتعلق بانتخابات الكنيست. وعقد المؤتمر (وقد تحدثتُ عنه في المقالات السابقة)، وجرى التصويت فيه على موضوع الانتخابات. وعندما ذكَّر الشيخُ كمال خطيب الشيخَ عبدالله بوعده للشيخ رائد أصر الشيخ عبدالله على التصويت، وقال إن غياب بعض الإخوة يجب ألا يمنعنا من اتخاذ القرار. فهل يمكنك أن تقول إن الشيخ عبدالله استغل غياب الشيخ رائد لتمرير القرار، مع علمه بقوة تأثير موقف الشيخ رائد في المؤتمر؟ هذا مع العلم أنه كان بين تلك الجلسة وبين موعد انتخابات الكنيست نحو سنتين، ما يعني أن تأجيل التصويت كان ممكنا، ويعني كذلك أن غياب الشيخ رائد شكل فرصة لتمرير قرار خطير كهذا. هكذا أفهم هذا الأمر، وإلا فكيف يمكن تفسير هذا السلوك؟ (بالمناسبة: نتيجة التصويت- كما ذكرتُ سابقا – كانت متعادلة).
  4. في قضية الحلال والحرام فيما يتعلق بالكنيست، فقد كان موقف التيار الرافض للكنيست هو الوقوف عند حدود الله. وهذا ما أشار إليه البيان الثاني (من يوم 6/4/1996) والمنشور في “صوت الحق والحرية” والذي جاء فيه: (… وقد تخللت المعركة الانتخابية تحالفات غريبة بين قسم من أبناء الحركة الإسلامية المشاركين في الانتخابات وآخرين، وتصرفات وإشاعات وتجاوزات وتصريحات مستهجنة، حتى أن بعضهم قد تجاوز قضية الحلال والحرام تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة). من هنا يتضح لك أن مسألة الحلال والحرام لم تهمّش أو لم تصبح (من وراء ظهورنا) كما أشار الأستاذ دهامشة في حديثه ذاك. وقد أصبح هذا الموقف أكثر وضوحا ووجاهة بعد أن صدرت فتوى التحريم من العلماء المسلمين في بيان مشترك وقع عليه (111) عالما من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وقبله فتوى الدكتور القرضاوي، التي صدرت بعد القرار النهائي بخوض انتخابات الكنيست.
  5. كانت هناك شخصيات من دائرة الشيخ عبدالله قد أعلنت سلفا في جلسات خاصة (أنها سترفض أي قرار للمؤتمر العام ينص على عدم خوض انتخابات الكنيست). (هذه الشخصيات معروفة بالاسم). وهذا يعني الكثير الكثير. ومما يعنيه أن تلك الفئة كانت قد نسجت قرار خوض الانتخابات مهما كلف الأمر. وهذا ما حدث على أرض الواقع في نهاية الأمر.
  6. وتبقى أسئلة كثيرة مطروحة حول دور سياسيين وحاخامات إسرائيليين وقيادات من الصف الأول في سلطة رام الله في جرّ الحركة الإسلامية إلى مستنقع السياسة الإسرائيلية حتى وصلت إلى ما وصلت إليه مما نراه اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
  7. تعلمك التجارب أن الأسرار في السياسة لا تبقى أسرارا، وأن ما أخفِيَ يوما لا بد أن يظهر يوما، وأن الذين لديهم معلومات، ستأتي لحظةٌ ما في ظرف ما ليتحدثوا عن تفصيلات كل شيء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى