أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

معركة الوعي (106): 28.3.1996 مرة أخرى ملاحظات حول ما قاله الأستاذ عبد المالك دهامشة حول انقسام الحركة الإسلامية (2-3)

حامد اغبارية

نواصل في هذا المقال ما بدأنا فيه في المقال السابق من مناقشة ما ورد على لسان عضو الكنيست السابق المحامي عبد المالك دهامشة في راديو “الناس” حول أسباب وخلفيات انشقاق الحركة الإسلامية عام 1996.

وقبل الخوض في تفاصيل ما حدث منذ 1992 ولغاية 1996، لا بد من الـتأكيد أن المسألة ليست مسألة سرد أحداث تاريخية ورواية مقابل رواية، وإنما أهم ما في القضية الخلفيات والأسباب التي أدت إلى حدوث ما حدث، وما هي الدوافع التي وقفت وراء كل حدث، وكيف يمكنك أن تقرأ سلوك هذا الجانب أو ذاك.

لماذا أقول هذا؟

لأن الذين يدافعون عن الموقف الذي أيّد -وما يزال- الدخول إلى الكنيست يعمدون عن سبق إصرار إلى سرد الأحداث على شكل حقائق تارة أو أنصاف حقائق أو حقائق مشوهة تارة أخرى، دون تفسير، وذلك- فيما يبدو لي- سعيا إلى إظهار التيار الذي رفض المشاركة في الكنيست بمظهر المنشق والمخطئ، مع تحميله كامل المسؤولية عما حدث في الحركة الإسلامية. وإنك لو سألت أي دارس مبتدئ في العلوم السياسية لقال لك إن هذا غطاء هش يسهل كشف ما وراءه، لأن الأمور لا تقاس بالسلوك أو الموقف فقط، دون النظر في دوافعه وخلفياته وتفصيلاته.

ذكر الأستاذ دهامشة في حديثه المشار إليه أن الحركة الإسلامية عقدت مؤتمرا عام 1992 وأرجأت موضوع الانتخابات لمرحلة قادمة. والسؤال: لماذا طرح الشيخ عبدالله رحمه الله قضية المشاركة في هذا المؤتمر بالذات؟

لقد جاء عقد المؤتمر مباشرة بعد فوز إسحاق رابين في الانتخابات وعودة حزب العمل (المعراخ) إلى سدة الحكم لأول مرة منذ 1977. وهذا الأمر يطرح الكثير من التساؤلات، خاصة على خلفية علاقات الشيخ عبدالله الشخصية، التي كانت معروفة للجمهور، مع شمعون بيرس تحديدا، وهو الرجل الثاني في حزب العمل وربان سفينتها وثعلبها السياسي! وقد جاءت هذه الخطوة في طرح الموضوع للنقاش في المؤتمر العام على خلفية أحداث لم تكن معروفة للجميع، تتعلق بالاتصالات السرية بين تل أبيب وبين منظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات، والتي أنتجت لاحقا اتفاقيات “أوسلو”. ويمكنني أن أؤكد أن جرّ الحركة الإسلامية إلى انتخابات الكنيست في تلك المرحلة له علاقة بإعادة ترتيب الأوراق استعدادا للمرحلة الجديدة التي أنتجت “أوسلو” عام 1993.

ذكر الأستاذ دهامشة أنه في ذلك المؤتمر (عام 92) لم ترفض فكرة الكنيست مبدئيا، وأنه كان هناك تصويت وكانت النتيجة متعادلة، كما قال، ولكن المسألة التي أجلت الموضوع هو طرح مسألة الحلال والحرام. بمعنى هل المشاركة في الكنيست حلال أم حرام. وذكر أن الشيخ عبدالله أعرب عن قناعته بأن الكنيست ليست حراما لأنها ليست موضوع عقيدة ولا موضوع دين وإنما مصلحة مرسلة للمسلمين، فالكنيست والسياسة والعمل لخدمة شعبنا ليست مسألة حلال وحرام، ومع ذلك خذوا أربع سنوات واسألوا غيري من المشايخ، فإن كان فيها حرمة نراجع حساباتنا وإلا فالموضوع مفتوح. هذا ما قاله الأستاذ دهامشة على لسان الشيخ رحمه الله.

كيف لا تكون مسألة الكنيست، وأي مسألة أخرى مسألة دين عقيدة، إذا كانت منطلقات سلوك المسلم أساسا مبنية- أو يجب أن تكون مبنية- على الفهم العقائدي وفي مركزه مسألة الحلال والحرام؟ كيف يكون المسلم مسلما إذًا؟ وكيف يعرف إذا كان سلوكه منسجما مع عقيدته ودينه؟ الجواب واضح لكل عاقل.

ولو اتفقنا مع قضية المصلحة المرسلة (رغم اختلافي مع الشيخ فيها أيضا) فلننظر ما هي المصلحة التي تحققت لاحقا بعد خوض الانتخابات وصولا إلى المشاركة في الائتلاف!! وفي هذا تفصيلات كثيرة أشرت إليها في سلسلة مقالات سابقة ولا حاجة لتكرارها هنا.

ومع ذلك فإن قيادات الحركة في ذلك الوقت توجهت إلى مجموعة من العلماء التقتهم في اسطنبول وسألتهم عن الموضوع مشافهة، وكان من بينهم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، الذي قال لهم شفاهة ما معناه إن هذه مسألة تخص أهل الداخل وهم أدرى بمصلحتهم. لكن الدكتور القرضاوي درس القضية لاحقا (عام 1995) وأصدر فتوى مفصلة ومؤصلة تؤكد حرمة المشاركة في الكنيست. ومع ذلك لم يلتفت الشيخ عبدالله رحمه الله إلى هذه الفتوى، على الرغم أنه هو الذي طلب الاستفتاء في هذه القضية شخصيا. وأذكر أنني في عام 1995 كتبت مذكرة من جزئين أرسلت نسخة منها للشيخ عبدالله رحمه الله، ثم كان بيننا حديث هاتفي حول المذكرة. ولما ذكرت له أن الشيخ القرضاوي أفتى بالحرمة قال بالحرف: الشيخ القرضاوي على رأسي وعيني ولكن يؤخذ من كلامه ويرد، فكلامه ليس منزلا. وقد فهمت من مضمون الحديث الهاتفي أن الشيخ لديه إصرار عجيب على المشاركة في الكنيست بأي ثمن.

وفي وقت لاحق من نفس العام (1995) صدرت فتوى بنفس روح فتوى الدكتور القرضاوي وقع عليها 111 عالما من علماء المسلمين من مختلف البلاد الإسلامية، ومع ذلك لم يأخذ بها الشيخ عبدالله، رغم أنه هو الذي طلب الفتوى، وهو الذي قال – كما نقل عنه الأستاذ دهامشة- إذا كانت فيها حرمة نراجع حساباتنا. (نصوص فتوى الشيخ القرضاوي وفتوى العلماء المسلمين موجودة في الأرشيف وقد نشرت في حينه في مختلف وسائل الإعلام المحلية).

والسؤال: لماذا؟ هل كانت هناك طبخة ما؟

إذا جمعت خيوط العلاقات مع شمعون بيرس ومع قيادات دينية يهودية (حاخامات)، ومع السلطة الفلسطينية التي أُسست بعد “أوسلو”، وما قاله عامي أيالون رئيس الشاباك السابق من أنه حضر لقاءات للشيخ عبدالله مع بيرس، وأمور أخرى كثيرة كنت تقرأها في خطاب الشيخ عبدالله وبعض قيادات الحركة التي آمنت بنهجه في ذلك الوقت، فإنك ستحصل على جواب واحد: كان قرار خوض انتخابات الكنيست قد اتخذ، ولم يبق سوى الآلية التي يخرج بها القرار إلى الجمهور ليظهر على أنه قرار شوري اتخذ بأغلبية أعضاء المؤتمر العام للحركة الإسلامية. وهذا ما حدث على أرض الواقع، وإلا فإن قرار المؤتمر الأول عام 1995القاضي بعدم خوض الانتخابات بتصويت نسبة كبيرة من أعضاء المؤتمر، كان يكفي لطي هذه المسألة وجعلها ورقة تائهة في ملفات كثيرة من ملفات الحركة.

كانت المرة الأولى، بعد 1992، التي بحث فيها الموضوع في كانون الأول من عام 1994، حين كلفت إدارة الحركة، بطلب من الشيخ عبدالله، مركز الدراسات المعاصرة بإعداد ورقة حول الانتخابات وفحص آفاق المشاركة في انتخابات 1996، التي كان قد حدد موعدها في شهر تشرين الثاني، ثم جرى تقديم الموعد إلى شهر أيار من نفس السنة. وبعد تقديم الدراسة للإدارة العامة تشكل المؤتمر العام في شهر كانون الثاني من عام 1995 من 74 عضوا. ثم عقدت الجلسة الأولى في قرية كفر برا، حضره 71 عضوا، وتغيب عنه ثلاثة أعضاء. وكانت نتيجة التصويت متعادلة (35 عضوا لكل جانب) مع امتناع عضو واحد عن التصويت. ولذلك تقرر إعادة التصويت في اجتماع آخر مع حضور الثلاثة المتغيبين. ولعل هذا المؤتمر هو الذي قصده الأستاذ دهامشة أن التصويت فيه كان متعادلا وليس في مؤتمر عام 92 كما ذكر في برنامج راديو “الناس”..

ثم تقرر قبيل المؤتمر الثاني إضافة 61 عضوا جديدا للمؤتمر العام هم جميع رؤساء وأعضاء السلطات المحلية عن الحركة الإسلامية. وقد تبين أن غالبية هؤلاء الأعضاء الجدد، الذين لا أجد مبررا لإضافتهم للمؤتمر العام فجأة ودون مقدمات إلا لغرض معين، يميلون أصلا إلى المشاركة في الكنيست. ومن المعلومات التي توفرت عندي فإن الشيخ عبدالله رحمه الله، كان قد عقد اجتماعا مع هؤلاء الأعضاء الجدد في كفر برا، وهناك تقرر ضمهم إلى المؤتمر العام، على الرغم من أن قسما كبيرا منهم كان حديث عهد بالحركة، علما أن الانضمام لمؤسسات الحركة له شروط محددة يضبطها النظام الداخلي، ولم تكن تنطبق عليهم شروط الانضمام للمؤتمر العام.

ورغم ضم هؤلاء الأعضاء الجدد إلا أن نتيجة التصويت في المؤتمر العام الذي عقد في أيار 1995 كانت عدم خوض انتخابات الكنيست، حيث صوت ضد المشاركة 70% من أعضاء المؤتمر.

وقد نشرت الحركة بيانا بهذا لخصوص في صحيفة “صوت الحق والحرية” وذلك في عدد 2/6/1995 أعلنت فيه قرارها بعدم المشاركة في الكنيست في عرس شوري تفتخر به. وقد صرح الشيخ عبدالله في نفس الصحيفة قائلا: “القرار الحالي هو القرار النهائي، هذا ما أعلناه وهذا ما سأقوم شخصيا بمتابعة تنفيذه”. وإنك إذا تعمقت في ألفاظ هذا التصريح ستجد أن الشيخ لم يستخدم كلمة (الحالي) عبثا، وهذا ما ثبت لاحقا. حيث بذل الشيخ كل جهد لتغيير القرار الذي اعتبره نهائيا، بدلا من متابعة تنفيذه كما قال. وليس أدل على ذلك من سلسلة التصريحات التي صدرت عن الشيخ وعن بعض المقربين في الفترة التي تبعت المؤتمر ولغاية آذار 1996. فرغم الحديث عن العرس الشوري الذي يفتخر به، إلا أنهم أعلنوا رفضهم للقرار، في لقاءات خاصة، ثم تصريحات مفاجئة للشيخ عبدالله شخصيا يدعو فيها إلى تشكيل قائمة عربية مشتركة لخوض انتخابات الكنيست، ملمحا إلى التحالف مع الدكتور أحمد الطيبي، علما أنه في مطلع التسعينات كان قد سعى أيضا إلى تحالف مع الحزب الديمقراطي العربي برئاسة عبدالوهاب دراوشة. وقد كنت قد أجريت مع الشيخ مقابلة هاتفية حول هذا الموضوع، فنفى أن تكون هناك نية لعقد تحالف انتخابي مع أي كان، لكن اتضح لاحقا غير ذلك.

وهكذا تجد أن الذين تحدثوا عن افتخارهم بالعرس الشوري قد خالفوا القرار، ثم راحوا يوجهون التهم للشيخين رائد صلاح وكمال خطيب بحجة أنهما خالفا قرار مجلس الشورى، أو كما قال الأستاذ دهامشة في حديثه في برنامج راديو “الناس”: طيب.. انت ضد الدخول للكنيست وهناك إخوة مع الدخول، ناقش، اعقد مجلس شورى! أول جلسة، ثاني جلسة، أربع خمس مرات يقرر مجلس الشورى بأغلبية ساحقة لصالح الدخول.. كان يصوت 25 شخصا مع دخول الكنيست واثنان معارضان هما الشيخ رائد والشيخ كمال واثنان ممتنعان أحدهما الشيخ منير أبو الهيجاء.

فما قصة جلس الشورى وما الذي حدث فعلا؟ هذا ما سأفصل فيه في المقال القادم.

وأختم هنا بما قاله الأستاذ دهامشة بخصوص عقد مجلس الشورى بعد اغتيال رابين، حيث طرح فيه موضوع الحلال والحرام الذي طرح سابقا، وفي تلك الجلسة سأل الشيخ عبدالله: يا إخوان! هناك من تحدث عن موضوع الحلال والحرام، أما زال الموضوع مفتوحا؟ فقال الإخوة وتحديدا الشيخ رائد والشيخ كمال: موضوع الحلال والحرام من وراء ظهورنا، ليس فيها حرمة!!

إن صياغة المسألة بهذه الطريقة جاءت للإيحاء بأن الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب يعتبران أن المسألة ليس حراما. وهذا للتاريخ ليس صحيحا، وهو نوع من التضليل أو التلبيس. وقد بحثتُ في هذه المسألة واتضح أنها قيلت في سياق معين أثناء الجلسة، لجعلها مسألة غير مطروحة للنقاش الآن، وذلك ضمن ما أكده الشيخان صلاح وخطيب طوال الوقت من حرصهما على عدم اتساع رقعة الخلاف بما يوصل إلى الانقسام. وشتان بين المفهومين والمقصدين. علما أن أيا من الشيخين، لم يقل- مما توافر عندي من معلومات من مصادرها الأولية- “ليس فيها حرمة” كنا ذكر الأستاذ دهامشة.

وملاحظة قبل الختام: طوال الوقت يركز الإخوة في الجنوبية على أن القضية كانت قضية معارضة شخصين لا ثالث لهما هما الشيخ رائد صلاح والشيخ كمال خطيب، بينما الحقيقة والنتائج التي جاءت لاحقا تؤكد أن تيارا كاملا وكبيرا وذا ثقل داخل الحركة (قبل الانشقاق) كان ضد المشاركة في الانتخابات. وهذا التيار أصبح لاحقا ملء السمع والبصر بفكرته ومشروعه وإنجازاته. فعجبا كيف يقللون من شأن هذا كله من خلال حصره بشخصين – مجرد شخصين!!- انشقا عن “الحركة الأم”!! (يتبع).

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى