أخبار رئيسيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

النقب في مواجهة المخططات الإسرائيلية وتواطؤ الشرطة والجهاز القضائي

لوائح اتهام ضد عشرات المعتقلين على خلفية هبة النقب…  المحامي مروان أبو فريح يدعو إلى مزيد من التضامن والدعم المادي والنفسي للمعتقلين وذويهم

الشيخ كمال خطيب: المطلوب منّا جميعا رفع سقف الاهتمام بالمعتقلين على كافة المستويات.. لا يوجد أصعب على الانسان من أن يجد نفسه وحيدا يتحمل تبعات ونتائج قضية عامة

البروفيسور إبراهيم أبو جابر يثمّن حراك الشباب النقباوي ويدعو إلى مزيد من الالتفاف على قضية النقب في مواجهة المخططات الإسرائيلية

 

طه اغبارية، ساهر غزاوي

يتعرض أهالي منطقة النقب، وخاصة جيل الشباب، لحملة قمع غير مسبوقة من قبل الشرطة الإسرائيلية بعد الاحتجاجات الأخيرة، والتي جاءت ردا على تجريف أراض وتشجير مناطق في نقع بئر السبع، لمحاصرة القرى العربية في النقب وسلبها أراضيها.

وكانت الشرطة الإسرائيلية وفّرت الحماية لجرافات ما تسمى الـ “كيرن كييمت ليسرائيل” (الصندوق الدائم لإسرائيل – “كاكال”)، والتي قامت بتجريف مئات الدونمات من الأراضي في قرى الأطرش وسعوة والرويس بمنطقة النقب، تمهيدا لتحريشها ومصادرتها، ما أثار الأهالي ودفعهم للتصدي منعا لتحريش أراضيهم.

ومنذ بدء الاحتجاجات، بلغ عدد المعتقلين 150 معتقلا نحو نصفهم من القاصرين، وقدّمت النيابة العامة لوائح اتهام ضد 28 شابا (حتى لحظة إعداد التقرير) بزعم “الإخلال بالنظام العام”، إضافة إلى مئات الاستدعاءات لشبان وفتيات من الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك).

ولم تتوقف الاحتجاجات المساندة للمعتقلين منذ أسبوعين، أمام مبنى المحاكم بمدينة بئر السبع، رفضا للاعتقالات والمطالبة بإطلاق سراحهم ووقف حملة القمع والترويع للأهالي مع التأكيد على مواصلة النضال ضد تجريف الأرض وممارسات السلطات الإسرائيلية ضد المواطنين العرب في النقب.

في المقابل، تواصل لجنة التوجيه العليا لعرب النقب تنظيم الفعاليات الشعبية الخطوات الاحتجاجية الميدانية، والمظاهرات الدورية، ضمن برنامج لتحفيز وتجنيد الجماهير للتصدي لمخطط التجريف والتحريش الذي يهدف لتشريد وتهجير سكان القرى مسلوبة الاعتراف.

في حين تؤكد لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في البلاد على أهمية وضرورة العمل الوحدوي على أساس المصالح القومية والمدنية للجماهير العربية وعلى أساس ثوابت العمل الوطني، وأعلنت عن تنظيم مظاهرة قطرية للجماهير العربية، يوم الأحد المقبل الساعة العاشرة والنصف قبل الظهر، أمام مكتب رئاسة الحكومة في القدس، إضافة لتنظيم وقفات واجتماعات توعوية وتعبئة في مختلف القرى والمدن العربية بالتعاون مع السلطات المحلية واللجان الشعبية ومركبات لجنة المتابعة.

 

الاعتقالات وتغوّل الشرطة

حول التطورات والمستجدات في ملف معتقلي هبة النقب، التقت صحيفة “المدينة”، المحامي مروان أبو فريح مركز فرع “عدالة” في منطقة النقب وأحد المحامين الذين يواكبون ملف الاعتقالات، ويقول: إن الحديث يدور الآن عن قسمين من المعتقلين وشكل التهم المنسوبة إليهم. أمّا القسم الأول يتعلق بمعتقلين لدى جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) في مدينة عسقلان، والتهم المزعومة ضدهم ذات طبيعة “أمنية”. أمّا القسم الآخر وقد جرى اعتقالهم في شرطة السقاطي (عرعرة النقب، رهط وشقيب السلام)، حيث تزعم الشرطة أنهم “شاركوا في أعمال شغب وعرقلة عمل الشرطة ومهاجمة أفرادها وإلقاء حجارة وإشعار إطارات ومحاولة التصدي لأعمال التجريف”.

المحامي مروان أبو فريح
المحامي مروان أبو فريح

ويضيف أنه جرى تقديم طلبات تمديد اعتقال حتى نهاية الإجراءات بحق كل الشبان الذين قُدّمت فيهم لوائح اتهام. ويؤكد أن الشرطة الإسرائيلية انتهجت سلوكا انتقاميا وخاضت معركة استنزاف على كل معتقل.

ويوضح أبو فريح أن طلبات تمديد الاعتقال المتكررة التي قدّمتها الشرطة للمحكمة لم تكن مبررة قانونيا، والقضاة مالوا غالبا إلى الموافقة على الطلبات. بالرغم من أن الشرطة لم تقم بإجراءات تحقيق خلال التمديد الأول والثاني بزعم الضغط وعدد المعتقلين الكبير، لكنها كانت تتقدم بطلب تمديد ثالث أحيانا!!، واضح جدا أن سلوك الشرطة كان انتقاميا لا سيّما تجاه المعتقلين القاصرين. كما يقول.

ويرى أن استهداف المعتقلين بطلبات التمديد بدون مسوّغ إلى جانب ما تعرض له عدد من المعتقلين من تهديد وترهيب خلال التحقيق بحسب الإفادات يدلل على هذه الممارسات هدفها الردع والتخويف. يتابع أبو فريح “في بعض الحالات كانت الشرطة تقول إنها تريد تقديم استئناف وتطلب من محكمة الصلح وقف تنفيذ قرار الإفراج، لكنها في اليوم التالي كانت تسحب استئنافها! هذا يؤكد أن الهدف كان الإبقاء على هؤلاء الشبان قيد الاعتقال أطول مدة ممكنة”.

 

المطلوب دعم المعتقلين على الصعيدين النفسي والمادي

ودعا المحامي مروان أبو فريح في السياق، إلى ضرورة تضافر الجهود على الصعيد القطري وعلى صعيد النقب لإسناد المعتقلين وذويهم، نفسيا وماديا، وخاصة الذين قدمت ضدهم لوائح اتهام، محذرا من التراخي في هذه المسألة، وقال “مواكبة المحامين لملفات الاعتقال يمكن السيطرة عليها إلى ما قبل تقديم لوائح اتهام، ولكن بعد ذلك قد يمتد التداول في الملف لأشهر وربما أكثر، ومما لاحظنا للأسف من خلال مواكبتي لمعتقلي هبة أيار والذين قُدّمت ضدهم لوائح اتهام ولا زالت ملفاتهم قيد التداول وقبل ذلك الاعتقالات على خلفية الاحتجاجات ضد مخطط “برافر”، لاحظنا أن المعتقلين وأهاليهم يُتركون وحدهم دون دعم نفسي أو حتى دعم مادي، إلا من خلال تبرعات وجهود أهل الخير. لذلك مهم جدا أن تتضافر الجهود قطريا وعلى صعيد النقب من أجل مواكبة كل ملف على حدة”.

ويختم المحامي أبو فريح حديثه لـ “المدينة” بالقول: “بعد هبة الكرامة في أيار كان هناك مقترح من المتابعة لإقامة صندوق لدعم المعتقلين وأهاليهم لكن هذا الصندوق لم يخرج إلى النور، وعليه وحتى لا نصل إلى نفس النتيجة في ظل الاعتقالات الحالية، اقترح أن تتبنى المتابعة إقامة صندوق داعم للأهالي والمعتقلين إلى جانب مواكبة حالات الأهالي وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، لأن عدم الحراك في هذه المسألة قد يؤدي إلى نتائج سلبية على مجمل النضال الجماهيري في مواجهة غطرسة السلطات ضد شعبنا في كافة المجالات.

 

يجب التحرك من كافة القوى لدعم المعتقلين وذويهم

في تعقيبه لـ “المدينة” على ما أثاره المحامي مروان أبو فريح بخصوص تقصير الأحزاب ولجنة المتابعة في مواكبة المعتقلين بعد تقديم لوائح اتهام على مستوى دعمهم ماديا ونفسيا، قال الشيخ كمال خطيب رئيس لجنة الحريات المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، إن “ما يقوله الأخ مروان أبو فريح، صحيح وواقعي، وكان ملموسا جدا في أحداث هبة الكرامة في شهر رمضان الماضي (أيار). كانت هناك عدة مبادرات محلية وأقيمت صناديق دعم للمعتقلين لمواكبة ملفاتهم، ماديا واجتماعيا، إمّا من خلال تغطية مصاريف المحامين وإمّا من خلال مواكبة العائلة في ظل ظروف تمر فيها كثير من العائلات. وهنا لا بد الإشارة إلى أن المحامين مشكورين يبادرون مع بداية الحدث في ظل التفاعل العاطفي الذي يحصل من الجميع مع القضية، لكن حينما يتم تقديم لوائح اتهام ويتطلب الأمر مواكبة طويلة الأمد، واضح أن الأمر يتطلب الكثير من المخصصات. علما أنه لا يمكن أن نتغاضى عن بعض محامين كانوا يعتبرون الموضوع فرصة ذهبية للكسب المادي- مع الأسف- ولكن بالعموم هي مخصصات طبيعية لأي محامي له مكتب ويُفرّغ وقته وبالتالي من حقه ان ينال بعض المستحقات”.

الشيخ كمال خطيب
الشيخ كمال خطيب

وأضاف خطيب: “في اجتماع المتابعة يوم السبت الأخير في سعوة، تمّت الإشارة إلى ضرورة وجود صندوق لمواكبة هذه القضية، إن كان في النقب أو الشبان الذين إلى الآن قيد الاعتقال وقدمت فيهم لوائح اتهام من آثار هبة الكرامة. بالتالي ما يقوله الأخ مروان صحيح. مشاعر العتب في محلها ولا بد من أن يتمّ التحرك بهذا الاتجاه، نحن كلجنة حريات نتفهم هذا الألم والعتب، لكن علينا أن نعترف أنّ واقعنا الحزبي السياسي مضطرب ومفكك، حتى لو كان له هذا العنوان الكبير المسمى لجنة المتابعة، لكن ليس بمقدوره الآن القيام بهذه المهمة”.

وتابع الشيخ كمال: “فيما مضى وقبل العام 2015، كانت هناك مؤسسة “يوسف الصديق” لمواكبة المعتقلين وذويهم وكانت تعنى وتتابع قضايا الأسرى والمعتقلين وكانت تستقطب محامين متطوعين أو حتى بأجر من أجل مواكبة ملفات المعتقلين، ولكن مع الاغلاق والحظر توقف هذا الدعم. لذلك وعطفا على ما قاله الأخ مروان أبو فريح، لا بد أن تكون هناك مبادرة منا جميعا لرفع سقف الاهتمام بالمعتقلين وأهاليهم على كافة المستويات، ماديا ومعنويا ونفسيا، لا يوجد أصعب على الانسان من أن يجد نفسه وحيدا يتحمل تبعات ونتائج قضية عامة الأصل أن يقف فيها الجميع مع بعضهم بعضا”.

 

الاستهداف الإسرائيلي للنقب لم يتوقف يوما

يرى الباحث، البروفيسور إبراهيم أبو جابر، نائب رئيس حزب الوفاء والإصلاح، أن الحاصل في النقب حاليا صراع قديم جديد على الأرض منذ قيام هذه المؤسسة عام 1948، أي منذ فترة دافيد بن غوريون صاحب مشروع تهويد النقب الأول مرورا بخطة ليفي إشكول ومن تلاهما من رؤساء لحكومات إسرائيل.

ويضيف أبو جابر أن هناك سياسة منهجية لمصادرة أراضي الفلسطينيين في النقب بكل السبل والسياسات سواء بالقوة أو من خلال توظيف قوانين عنصرية مدروسة سنّت خصيصا لهذا الغرض. وعليه فالمؤسسة الاسرائيلية تسعى من خلال سياساتها هذه لحصر فلسطينيي النقب البالغ عددهم أكثر من 300 ألف نسمة على أقل مساحة من الأرض واستبدال هؤلاء بمستوطنين يهود بادعاء أن العرب ما هم إلا غزاة لأرض الدولة. إن موقف أهل النقب إذن صراع على وجودهم في أرضهم أي أن يكونوا أو لا يكونوا.

وفي ردّه على سؤال لـ “المدينة” حول مساعي السلطات الإسرائيلية من وراء هذه السياسات يقول أبو جابر: “هدفها تفريغ الأرض من أهلها الأصليين وتجميعهم في بلدات محددة مقابل وضع اليد على أراضيهم لصالح إقامة مستوطنات يهودية عليها وحمل من لم يرق له ذلك على الهجرة من النقب إلى المركز أو الشمال. وإن ما يسمى بتهجير الأرض من قبل الصندوق القومي اليهودي والمؤسسات السيادية الأخرى ما هي إلا خطوة أولى نحو تنفيذ مخططات التهويد تليها مرحلة التخطيط وإعداد البنى التحتية والبناء والتطوير”.

البروفيسور إبراهيم أبو جابر
البروفيسور إبراهيم أبو جابر

ويتابع: “ولعل من أهداف المؤسسة الإسرائيلية أيضا مصادرة ما تبقى من أرض عربية في النقب ونقل ما بقي من مصانع حساسة من المركز إلى الجنوب وفرض سياسة الأمر الواقع لادعاء الكثيرين من السياسيين الاسرائيليين بأن الدولة فقدت سيطرتها على الجنوب لصالح العرب”.

وحول علاقة ما يجري اليوم بالنقب بالمتغيرات السياسية وتشكيل حكومة ائتلافية، يبين أبو جابر: “لا أظن ذلك بدقيق فهذه سياسة قديمة ومتدحرجة منذ عام 1948 أي مباشرة بعد النكبة، لأن المؤسسة الإسرائيلية تنظر إلى النقب على أنه منطقة جيوسياسية مهمة لها من جهة الجنوب والمقصود على الجبهة المصرية، وقد قالها بن غوريون “إذا لم نصمد في الصحراء فستسقط تل أبيب” في إشارة منه لأهمية النقب. إذن ما يحصل سياسة دولة عامة كانت وستستمر بغض النظر عن لون الحكومة في الكيان الإسرائيلي”.

 

الحراك الشبابي

يلفت البروفيسور إبراهيم أبو جابر في حديثه لـ “المدينة” إلى أن النقب يشهد منذ حين صحوة شبابية قضّت مضاجع الساسة الاسرائيليين وجعلتهم في حيرة من أمرهم فأدركوا أن كل محاولاتهم للتفريق بين عرب النقب وباقي مكونات المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني باءت بالفشل.

ويكمل: “هذه الصحوة مردها أولا إلى ارتفاع نسبة المتعلمين في النقب ثمّ حالة التواصل الدائم من قبل الحركات والأحزاب والقوى السياسية والوطنية والإسلامية مع أهل الجنوب والسياسة الإسرائيلية العنصرية. كل ذلك وغيره لعب دورا في صحوة أهل النقب. أمّا السؤال عن الحراك الشبابي وكونه كافيا للوقوف في وجه السياسة الفاشية للحكومة الحالية، فيقينا لا من الناحية المادية لكنهم قادرون على الصمود من خلال تكاتف جهود كافة مكونات مجتمعنا وإفشال مخططات الحكومة والدليل إفشالهم لمخطط “برافر” من خلال النضال الجماهيري والشعبي”.

عن العمل الجماهيري والشعبي يقول أبو جابر: “إنه أهم وسيلة لمواجهة مخططات وسياسات حكومات المؤسسة الإسرائيلية وليس المقايضة والمساومة مثلما تفعل القائمة الموحدة اليوم. صحيح أن المطلوب هو تجسيد حالة من التفاعل القوي والمباشر بين القيادة والجماهير إلا أن القيادة لا تملك من الوسائل المادية شيئا لمواجهة السلطة عدا زيادة الوعي وقيادة الجماهير وتوجيههم ومتابعة قضاياهم في المحاكم لا بل والتعالي على الخلافات الحزبية والايديولوجية بين هذه الهيئات”.

ويختم البروفيسور إبراهيم أبو جابر حديثه لـ “المدينة” بالقول: “إن المزعج أخيرا في هذا السياق هو مشاركة مكوّن عربي في الائتلاف الحكومي ونهجه الجديد المشؤوم حقا، الأمر الذي كانت له تداعياته على مستوى النقب أيضا وغير النقب وإيجاد نوع من الانقسام في صفوف أهل النقب وحالة من الاصطفاف المضر بالنضال المشروع ضد الهجمة الاسرائيلية وصمود أهلنا هناك. لكن لا يصح إلا الصحيح وما بني على باطل فهو باطل وقضية أهلنا في النقب منتصرة بعون الله لأنهم هم أصحاب الأرض وليسوا كغيرهم غزاة”.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى