أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

الميثاق العالمـــي لحقــوق الانســـان.. أي إنسان يا ترى؟!

ليلى غليون

إنهم يتكلمون، وما أكثر ما يتكلمون، يتكلمون عن العدل، يتكلمون عن الحرية، يتكلمون عن المساواة وعن حقوق الانسان، حتى جعلوا لحقوق الإنسان يوما عالميا اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة والمؤرخ في العاشر من الشهر الحالي ديسمبر والذي يوافق اليوم الجمعة، حيث أصدرت الجمعية العامة الوثيقة العالمية لحقوق الانسان تحتوي بنودا عدة ومفردات تنادي بالاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية وحقهم بالتمتع بالعدل والسلام وحرية القول والمعتقد وغيرها من الحقوق الانسانية التي يجب أن يحظى بها كل فرد ينتمي للأسرة البشرية.

وإن الناظر إلى مفردات هذه الوثيقة العالمية التي تتغنى بحقوق الإنسان وتدعو إلى رفع الظلم عنه، ليجد الهوة الساحقة بين ما يدعو إليه هذا الميثاق وبين الواقع الذي يفرز خلاف ذلك، فكرامة الانسان وحقوق الانسان مسحوقة تحت عجلات الطغيان والجبروت والظلم، وأن العالم اليوم أشبه ما يكون بغابة يسوده قانون الغاب امتلكت زمامه ذئاب بشرية استفردت بصنع القرار لا تتقن سوى لغة البطش والقهر لأنها تؤمن أن البقاء للأقوى، والمستضعف ليس له مكان تحت الشمس.

إن الأمم المتحدة راعية هذا الميثاق والقائمة على إصداره والتي تنادي المجتمع الدولي إلى تطبيق بنوده، هي نفسها الأمم المتحدة التي وقفت ولا تزال تقف ذاك الموقف المتخاذل المشلول العاجز عن حماية حقوق الانسان، عفوا لا أقصد أي إنسان، بل أقصد ذاك الإنسان الذي تسري فيه دماء إسلامية لتقول له: آسف انت خارج نطاق برنامجي، وأنت لست ضمن القائمة التي يستهدفها ميثاقي لأنك ببساطة مسلم. ونحن لا نقول عبثا ولا نتكلم جزافا، ولنترك الواقع والحقائق هي التي تتكلم وتسقط القناع لتفضح مصداقية هذا الميثاق وحقيقة واضعيه، فقد جاء في المادة (1) من هذا الاعلان: (يولد جميع الناس احرارا متساوين في الكرامة والحقوق وقد وهبوا عقلا وضميرا وعليهم أن يعامل بعضهم بعضا بروح الاخاء)، كذلك فقد جاء في المادة رقم (2) من هذا الميثاق: (إن لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الاجتماعي …)، وفي المادة رقم (3): (لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه)، وفي المادة رقم (4): (لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص)، إنها ديباجة رائعة من القيم الراقية ومن البنود التي تقطر كلماتها سمنا وعسلا.

إنّ هذه الشعارات الرّنّانة والكلمات المنمقة تسقط وتتبعثر حروفها عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين.

فهذا الميثاق الذي ينصّ على إغاثة المظلومين ونصرتهم والدفاع عن حقوقهم ومقاومة الظلم والطغيان في أي بقعة من بقاع العالم، نجد الواقع العملي ينافي مبادئه وقد صمت ولا يزال يصمت صمت أهل القبور، ولا يزال يولي ظهره للإنسان المسلم في كل قطر من الأقطار الاسلامية التي تعيش تحت وطأة الظلم والاضطهاد والقوى المتسلطة، فلا يخفى على كل ذي حس أخلاقي ووعي سياسي ذاك الدور الذي تلعبه المنظمة الدولية صاحبة ميثاق حقوق الإنسان تجاه العرب والمسلمين والتي تسيطر عليها راعية الارهاب العالمي أمريكا وتستخدمها أداة لغيّها وجبروتها وما يتلاءم ومصالحها لتنسف بذلك مصداقيتها في هذه المهزلة (والمسخرة) التي أطلقوا عليها اسم الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وكأن الإنسان المسلم لا ينتمي للأسرة الإنسانية العالمية.

فانتهاكات حقوق الإنسان العربي معروفة للقاصي والداني على يد أنظمة قمعية والتي لا تزال وبكل ما أوتيت من قوة وبطش وبكل السبل غير القانونية تنكل بهذا الإنسان، فماذا فعلت راعية الحقوق الإنسانية من أجل رفع الظلم والتنكيل عن الإنسان العربي؟

وإن راعية الحقوق الإنسانية التي تنادي بالحرية والعدل وكرامة الانسان لا زالت غير قادرة، بل مشلولة عن تطبيق القرارات المتعاقبة والصادرة من أروقتها لنصرة شعب أعزل يدافع عن حريته المغتصبة وكرامته المهدورة وحقه في العيش على أرض آبائه وأجداده، نعم غير قادرة على استرجاع حقوقه المغتصبة وغير قادرة على التطبيق العملي لقراراتها لأنها بكل بساطة ليست هي صاحبة القرار ولا النفوذ وإنما هناك قوى عظمى بيدها مقاليد القرار والتنفيذ.

والسؤال الذي نوجّهه وبقوّة لراعية حقوق الإنسان: هل تمّت محاسبة الولايات المتحدة على سبيل المثال لا الحصر، على جرائمها ضد الإنسانية وانتهاكاتها الصارخة ضد حقوق الإنسان في أفغانستان والعراق والمعتقل سيء السمعة والذي انتهكت فيه كل القيم والمبادئ الإنسانية –غوانتانمو- والذي أمر بإغلاقه الرئيس الأسبق باراك أوباما وقال عنه: إن هذا المعتقل يتنافى مع القيم الأمريكية ويقوض موقف البلاد في العالم؟

هل تمّ مساءلة المجتمع الدولي عن الجرائم والانتهاكات وعلى كل الأصعدة التي يقوم بها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني؟ والجواب معروف ولا حاجة لمزيد من الإيضاح.

فالازدواجية في التعامل مع حقوق الانسان والكيل بمكيالين حاضرة وبقوة، فهي تتهم مجموعة، أو أفرادا أو ديانة مثلا بالإرهاب أو بانتهاك حقوق الإنسان بينما تغض الطرف عن انتهاكات وجرائم مجموعة أو فئة أخرى حسبما تقتضيه المصلحة أو سياسة الدول العظمى صاحبة حق النقض الفيتو والذي بموجبه تعطل أي قرار خارج عن مصلحتها، إن عدم فاعلية المنظمات الحقوقية في اتخاذ آليات رادعة لمنتهكي حقوق الإنسان يضع الأمم المتحدة راعية حقوق الإنسان في دائرة الاتهام لغياب نفوذها وعدم قدرتها على تطبيق قراراتها.

فهي من جهة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان ومن جهة أخرى وللأسف تتراجع، بل تفشل مع أول اختبار عملي لها.

إن الميثاق العالمي لحقوق الانسان أيتها المنظمة الدولية، قد أرسى مبادئه إسلامنا العظيم قبل أكثر من أربعة عشر قرنا والذي نادى بتكريم الإنسان، أي انسان، ونادى لنصرته والدفاع عن حقوقه، والنصوص التشريعية التي تدعو لهذه الغاية وهذا الهدف السامي أكثر من أن تحصى في هذه العجالة والتي يقف على رأسها قول الله تعالى: (ولقد كرّمنا بني آدم)، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان …)، (لا إكراه في الدين)، (لا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام …) وغيرها من القيم والمبادئ الراقية التي ترقى بالإنسان لأنه إنسان والتي لم يعرف التاريخ عبر حقبه لها مثيلا، اسألوا التاريخ وأبحروا في صفحاته المشرقة يوم أشرقت شمس العدالة والإنسانية على كل الدنيا لا تغيب عن أي قطر من أقطارها، بل إن التاريخ يحدثنا عن موقفه صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وهو موقفه في حلف الفضول والذي يعتبر من أهم وثائق حقوق الانسان وأقدمها وأعدلها، حيث حضر النبي صلى الله عليه وسلم حلف الفضول وقد جاوز العشرين، وحلف الفضول ينصّ على أن ترد الفضول إلى أهلها وألا يغزو ظالم مظلوما، فقد تداعت قبائل من قريش واجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان لشرفه وسنه، فتحالف بنو هاشم وبنو المطلب وبنو أسد بن عبد العزى وبنو زهرة وبنو تميم بن مرة وتعاقدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا اجتمعوا على نصرته وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته.

نعم لقد سبقكم بها اسلامنا العظيم ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم الذي انتصر للمظلوم والمستضعف والمقهور، لا يفرق بين عربي وأعجمي، مسلم وغير المسلم، وبغض النظر عن عقيدة المظلوم، أو لغته، أو طبقته الاجتماعية، أو انتمائه السياسي ومن غير محاباة لأحد مهما كانت منزلته (والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)، (اضرب ابن الأكرمين).

فلتراجع المنظمة الدولية ميثاقها، ولتسأل نفسها بصدق أين هي من نصرة المظلوم والدفاع عن حقوق الانسان وأين هي مما يحدث في ديار الاسلام التي تنتهك فيها كل القيم الانسانية ليل نهار وعلى مرأى ومسمع من الدنيا كلها؟

إنّ الكلام عن حقوق الانسان كلام يتقنه كل واحد من هؤلاء، ولكن تبقى الحقيقة المرة تصفع وجوههم وتفضح عوراتهم وتنسف شعاراتهم، وإن هذا الميثاق لن يقدم حماية ولن يحافظ على حقوق المستضعفين والمقهورين في الأرض، لأنه ببساطة تتحكم فيه المصالح وسياسة القوى العظمى، وأمام المصالح تسقط وتتراجع كل القيم.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى