مقالاتومضات

ومضات من الغرفة العلاجية (2)

هناء حسن- عاملة اجتماعية (جمعية سند لصلاح الأسرة وبناء المجتمع)

تزوّجت رغما عنها، كان لا بد من الزواج فقد بلغت سن الزواج منذ فترة طويلة على حد قول أهلها! ووجدوا بهذا الزوج فرصة لا تعوّض: الشاب ذو شهادة جامعية مرموقة ومستوى اجتماعي واقتصادي ممتاز! فكيف لها أن ترفض في ظل ظروف أسرتها الاجتماعية الصعبة والأحاديث الكثيرة في القرية، فكان هذا الزواج فرصة لطي صفحة مؤلمة وجارحة في تاريخ العائلة.

كانت فترة الخطوبة قصيرة، فالشاب يكبرها بسنوات ويريد الزّواج بأسرع وقت، لم يتسنّ لها التعرف عليه بما يكفي، رغم أن مواقف عدة خلال هذه الفترة القصيرة كانت كفيلة بأن تريها وتكشف لها جانبه المظلم، لكنها لم تستطع فعل شيء، كان انفصالها ضربا من المحال فالأسرة لا تستطيع تحمل مصيبة إضافية على حد قولهم!

وتمّ الزواج، لتعيش ومنذ أيام الزواج الأولى عنفا لفظيا، نفسيا، جسديا وجنسيا. لجأت لأسرتها، لكن الأسرة ترى أنه لا بد من الصبر، لا بد من فرصة أخرى، وتتوالى الفرص، ولكنها كسابقاتها، بل وإن الأذى أخذ يزداد حدّة ويأخذ أشكالا وأنماطا جديدة.

إنها قصة ليست من نسج الخيال، وإنّما واقع تعيشه سيّدة من مجتمعنا وهو بلا شك واقع تعيشه سيدات كثر، على عاتقهن وقعت مسؤولية تحسين صورة الأسرة والمحافظة على سيرتها الحسنة، حيث لا مجال للتراجع أو إعادة النطر حتى في قرارات مصيرية مثل الزواج، فتضطر إلى تقبل الواقع الذي اختارته، حتى لو كان سيئا.

في مجتمعنا مع الأسف، يفضّل الكثيرون الحفاظ على الصورة الخارجية الجميلة، ويتجاهلون رؤية الألم الداخلي الذي قد يعاش في ظروف كهذه، كم تعيش من ألم، كم تفتقد للطاقات لتلبية احتياجات أطفالها، كم تعاني الوحدة، وكم تتجرع من خيبات، بل وكم تعيش مهددة قلقة، حيث لا إحساس بالأمن والأمان.

البعض قد أوجد طرقا متعددة للتعامل مع الواقع من خلال تصغيره أحيانا أو تجميله أحيانا أخرى، مثلا أن الأمور لا تبقى على حالها وستتغير مع الزمن والعشرة والأولاد!! لكن هل يا ترى الزمن والأولاد سيؤدون إلى تغيير الواقع، أم أن المشكلة معقدة أكثر بكثير من ذلك؟ فالكثير من السيدات اللاتي يتعرضن للعنف الزوجي في بيوتهن، يشرن أن العنف كان حاضرا حتى في فترة الخطوبة ليستمر بعد الزواج وبأشكال أكثر حدة رغم الوعود الكثيرة بالتوقف.

وهنا لا بدّ أن أؤكد، أن مشكلة العنف الزوجي، إنما هي مشكلة بحاجه لمساعدة وتدخل مهني نفتقده وقد نستخف بمدى أهميته ونلجأ للحلول التقليدية التي لا تقوم بمعالجة المشكلة بشكل عميق وجذري وتكتفي باتفاقات ووعود لا يستطيع الأفراد الالتزام بها، لأنها في كثير من الأحيان سطحية، بينما قد يساعد التّوجّه للعلاج على فهم الذات والوعي للمؤثرات والصعوبات وبالتالي الحد من ظاهرة العنف الزوجي وترميم الأسرة.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى