أخبار عاجلةمقالات

“الميتافيرس”..بركان شر سيحرق الأخضر واليابس

أميّة سليمان جبارين (أم البراء)

لا أحد يستطيع إنكار حجم التطور الذي وصلت إليه تكنولوجيا الإنترنت عبر منصاتها المختلفة، إلى درجة مذهلة، حيث تخطت حدود الزمان والمكان بتواصل مرئي ومسموع، في لمح البصر، إضافة إلى الكثير من التسهيلات في المعاملات الاقتصادية والطبية والعلمية وغيرها، وهذا ما سبب لدى الكثيرين من بني البشر ما يسمى بالإدمان الإلكتروني، والذي تطرقت إليه في مقالتي السابقة، لكنني اليوم سأتطرق إلى آخر هذه التطورات التقنية، وهي أشد فتكا وخطرا على البشرية، وهي ما أعلن عنه مالك “فيسبوك” مارك زوكربيرغ في 28/10/2021 بإطلاق منصة جديدة أكثر تطورا وسرعة تدعى “الميتافيرس”، وأعلن كذلك عن تغيير اسم فيسبوك إلى “ميتا”، وهو اختصار لمصطلح “ميتافيرس”، الذي يعني “ما وراء الكون” أو “اللانهاية” وشعاره الثعبان الذي يأكل ذيله ليجدد حياته.

والهدف من هذه التقنية، إعادة تشكيل للعقول والمفاهيم والأعراف والثوابت الدينية، حيث يريد صنّاع ومهندسو هذه التقنية فرض سيطرتهم على العالم واحتلال العقول والأجساد، وسيتحول البشر إلى أناس آليين، على غِرار أحداث فيلم الخيال العلمي (ماتريكس) الذي عرض عام 1990، وذلك من خلال العالم الافتراضي المعزز للميتافيرس، وسيكون هذا أكبر اختراق للبشرية وسيجلب عليها آثارا نفسية وعقلية مؤذية رهيبة، بالذات على كل من يستخدم هذا العالم، والذي سيدخل بيوتنا من أوسع الأبواب وأسهلها وأرخصها وعبر أحدث التقنيات المؤثرة.

تقنية الميتافيرس أو الأبعاد الثلاثية المرئية والمسموعة والمحسوسة، أو ما يسمى بعصر الميتافيرس، عصر تحكم الحياة الافتراضية أو بمعنى آخر زمن العلاقات الافتراضية مفتوحة الحدود، وذلك من خلال خلق شخصيات خيالية مبهرة ومؤثرة لتكون أنموذج وقدوة للأجيال القادمة تعمل على خلق دين جديد مبني على الانفلات الأخلاقي وتغيير العادات والتقاليد، وسيكتفي مستخدم الميتا بالتعامل مع هذه الشخصيات الافتراضية وبناء حياته الخاصة مع هذه الشخصيات وينسى حياته الحقيقية. كيف لا وسوف يستطيع مستخدم الميتا التواصل مع حضارات مندثرة كحضارة الرومان، الفراعنة، اليونان، فيستطيع مستخدم الميتا أن يدخل إلى أي عالم يريده أو يستطيع بناء عالمه الافتراضي الخاص به، ويكّوِّن صداقات وعلاقات افتراضية مع أي شخص يريد، وأن يبني منزله الخاص على أي شكل يريد، وهذا يعني مزيدا من الإدمان على هذه التقنية الافتراضية التي تتيح للمستخدم الهروب من واقعه الكئيب إلى عالم أو واقع افتراضي يبنيه المستخدم وفق أهوائه وشهواته وميوله، خال من الهموم والمشاكل، لا بل ويحقق فيه المستخدم أحلامه وأمنياته وطموحاته الشخصية، ومدينته المثالية، وأصدقاء مشابهين له ويستبعد من لا يروق له، وبذلك تتحول حياة مستخدم الميتا شيئا فشيئا إلى كابوس من غير أن يدري، حيث يكتفي المستخدم بعالمه الافتراضي هذا، ويبدأ بالتخلي عن عالمه الواقعي، عن بيته وأسرته وعمله، ولا يسعى إلى تعمير الأرض التي يسكنها أو إلى تطوير حياته الشخصية والعملية، ويكتفي بعالمه الافتراضي على الميتافيرس ولا يعمل على تغيير وضعه إلى الأفضل، وبذلك تزداد الأسر تفككا، ويزداد الإلحاد والبعد عن الدين، لأن الهدف الرئيس للميتافيرس ليس كما يدعي مبرمجوها سعادة البشر، إنما هدفهم الحقيقي، أن يغرق الإنسان بالوهم، وينسى ربه ودينه ويعيش عبدا في سجن كبير يضم فيه كل الملذات والمحرمات (بكبسة زر) كما يقولون، وينطبق عليهم قول الله عز وجل: (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)، وبذلك يضل الإنسان طريق الله، وينسى نعمه ويعيش على هواه مرضيا نفسه وعبدا لشيطانه وجنديا من جنوده.

وبحسب قراءة الأحداث فإن تقنية الميتافيرس ستكون من أهم وأقوى أسلحة الدجال الفتاكة التي تفتك بإيمان البشر حيث تمكن هذه التقنية المستخدِم من التواصل مع أي شخص يريد حتى إن كان هذا الشخص من عالم الأموات، وتجلس معه وتحادثه عبر هذا التطبيق، وهو في الحقيقة ما هو إلا جن من جنود الدجال، ويمكن للمستخدِم كذلك من إجراء اجتماعات عمل مفترضة مع أناس مفترضين، أو لعب القمار مع مجموعة من الأشخاص المفترضين، فهي بمثابة عالم بلا قيود ولا حدود شرعية أو أخلاقية.

لذلك، فإننا كمسلمين نقف أمام تحد كبير يواجهنا في كيفية إبعاد أنفسنا وأبنائنا عن الميتافيرس ومصائبها وفتنها، بل نقف أمام اختيارين لا ثالث لهما، فإما سنختار العالم الافتراضي الدجالي الإبليسي الكاذب والمخادع، والذي سينجرّ إليه فسطاط الكفر الذي يمهد لخروج الدجال وتسهيل الوقوع في فتنته، والعياذ بالله، أو اختيار الحياة الواقعية التي خلقها الله عز وجل والتي سيثبت فيها فسطاط الإيمان الذي لا نفاق فيه ولا كذب.

فعلينا التجهز بكافة قناطير الوقاية الإيمانية والأخلاقية، نحن وأبناؤنا ونكون على قدر المسؤولية في المواجهة والتصدي لهذا الخطر المحدق بالبشرية جمعاء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى