أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

صفعات متتالية على الخد الأيسر

ساهر غزاوي
جاء اقتحام الرئيس الإسرائيلي يتسحاك هيرتسوغ، للمسجد الإبراهيمي مساء الأحد الماضي، للمشاركة في مراسم احتفال ما يُسمى “عيد الأنوار” (حانوكا) اليهودي ولإيقاد الشمعدان برفقة غلاة المستوطنين، للتأكيد على المؤكد بعدم وجود اختلاف نوعي بين ما يسمى “يسار” و “يمين” إسرائيلي، وهو الذي قال “حقنا في الخليل فوق كل الخلافات”. فأبعاد خطوة هيرتسوغ “اليساري” هذه لا تخلو من عمق الأبعاد الصهيونية لتعزيز مكانة مشروع الاستيطان والضم الزاحف في الضفة المحتلة واستمرار مشروع التهويد، مع التذكير أن هيرتسوغ هو الذي شغل منصب رئيس الوكالة اليهودية، أكبر المنظمات اليهودية التي تعنى بشؤون اليهود في الخارج، وسبق أن ترأس حزب العمل الإسرائيلي وتولى مواقع حكومية عدة سخّرها في خدمة المشروع الصهيوني.

ليست هي الصفعة الأولى ولا الأخيرة، على ما يبدو، التي توجّه لأحزاب الكنيست العربية وكل من راهن على ما يسمى “يسار إسرائيلي”، إن كانت أحزاب داخل الائتلاف الحكومي أو التي تنتظر على دكة الاحتياط، فجميعهم صوّت في الكنيست قبل أشهر قليلة لصالح انتخاب هرتسوغ رئيسًا لدولة إسرائيل، إذًا هي ليست الصفعة الأولى لهؤلاء، وقد ثبُت في محطات كثيرة أن رهاناتهم خاسرة حين دعموا قيادات صهيونية محسوبة على ما يسمى “يسار” من منطلقات ومزاعم وادعاءات تصب في خانة الوهم واللهث وراء سراب ما يسمى “عملية السلام” و “دولة لشعبين” وتحصيل حقوق معيشية. فسابقًا قدّمت أحزاب الكنيست العربية الدعم الكامل لإيهود براك الذي لم يتأخر بمكافئتهم على ذلك بارتكابه مجزرة في المسجد الأقصى المبارك وفي الداخل الفلسطيني وفي كافة المناطق الفلسطينية في العام 2000، وقبله قدموا الدعم الكامل اللامحدود لإسحاق رابين أكثر الرؤساء تطرفًا وإمعانًا في تعذيب الفلسطينيين والقائمة تطول. فدخول العرب الحكومة الإسرائيلية، أو دعمها بدون الدخول إليها، يعني الموافقة على سياساتها وتحمل المسؤولية المشتركة لهذه السياسات.

نستذكر في هذا السياق، ما أورده المؤرخ الإسرائيلي “آفي شلايم” في كتابه المُعنون بـ (إسرائيل وفلسطين: إعادة تقييم، ومراجعة، ودحض وتفنيد)، وأنه عندما فاز حزب العمل في الانتخابات العامة الإسرائيلية في يونيو 1992، سأل مراسل (ال بي بي سي) عامل نظافة عربي في القدس عن ردة فعله. فردّ العربي لا مباليًا: (هل ترى فردة حذائي الأيسر؟ إنها إسحاق رابين. هل ترى فردة حذائي الأيمن؟ إنها إسحاق شامير. هما إسحاقان، وحذاءان، فما الفرق))؟.

في واقع الأمر، أنّ عامل النظافة العربي هذا يستحق أن يقلّد بالأوسمة والنياشين، فوعيه السياسي الفِطري التاريخي قد تكشف من خلال حديثه وردّه المُفحم على مراسل (ال بي بي سي). وفي حديثه هذا، قد اختصر علينا مسافات طويلة من الزمن ومن الجهد والتعب ومن النقشات العقيمة مع الغارقين في أحلام ورؤية “سلام وأمن متبادل وشراكة وتسامح بين الشعبين”.

لو سألنا هؤلاء مثلًا، عن معاني التسامح وأشكاله وصوره، وفق رؤيتهم طبعا!! هل هو تسامح بين متخاصمين على قطعة أرض صغيرة تابعة لهم أم على بيت خاص بهم تنازلوا عنه؟ أم هو تنازل عن حق ديني وتاريخي وحضاري مقابل مشاريع وهمية لم ولن يكتب لها النجاح على هذه الأرض ذات الأبعاد الإسلامية والعروبية والفلسطينية مهما تقادم الزمان؟
هذا العامل العربي بوعيه السياسي الفِطري التاريخي، أظهر لنا حقيقة ما يسمى “يسار إسرائيلي” التي بنت عليها بعض الفصائل الفلسطينية والتيارات السياسية داخل الخط الأخضر آمالها بتحقيق “سلام موهوم” وربطت مستقبلها السياسي الخاص في مشاريع ولدت ميتة، علمًا أن ما يسمى “يسار إسرائيلي” تاريخيًا، هو من خطط أفظع الجرائم بحق الفلسطينيين ونفّذها ابتداءً من جرائم النكبة عام 1948، حتى أن الأذى الذي ألحقه إسحاق رابين الـ “يساري” (فردة حذاء العامل العربي الأيسر) لا يضاهيه أذى أي واحد من الرؤساء الإسرائيليين ولا حتى إسحاق شامير الـ “يميني” (فردة حذاء العامل العربي الأيمن).

خلاصة القول؛ فإن الصهيونية هي البوصلة الموجِهة، وليست المبادئ اليسارية أو الأممية، مع الاختلاف البسيط على بعض التفاصيل، حتى أولئك الذين يُحسبون على أقصى اليسار أو “تيار السلام” يتبنون الدولة اليهودية، أي القيم الصهيونية، قيمًا عليا لا تنازل عنها وجميعهم يرى في الفلسطيني تهديدًا، وجميعهم يشدّد على وجود إسرائيل باعتبارها دولة يهودية -أي دولة ذات صبغة يهودية يتمتع فيها اليهود بحقوق خاصة- هو الهدف الأعلى، ولا فرق أبدًا بين “يمين” متطرف أيدولوجيًا ولا بين “يسار” متطرف أمنيًا. غير أن أحزاب الكنيست العربية التي لا تملك ذات الوعي السياسي الفِطري التاريخي لعامل النظافة العربي في القدس، فقد أعمت مشاريع الوهم أبصارهم وبصيرتهم وكلما تلقوا صفعة الخيبة على خدّهم الأيمن، أداروا خدّهم الأيسر ووجوههم وجنبهم ليتلقوا صفعة من الـ “يسار” وولوا راجعين خائبين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى