أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

قُم وكهّرب الدنيا بنبضات قلبك

الشيخ كمال خطيب

حكمة من جون كندي

قبل سنوات وفي أعقاب تحطم طائرة ابن الرئيس الأمريكي السابق جون كندي، فقد كثر الحديث عن مناقب والده الذي اغتيل عام 1963، والذي ترك له بصمات بارزة على المجتمع الأمريكي جعلته ذا شعبية كبيرة خلال حياته وبعد مماته لم يحظ بها إلا القليلون من الرؤساء الأمريكيين.

وخلال مشاهدتي لأحد البرامج الوثائقية التي تتحدث عن الرئيس جون كندي فقد ذُكرت جملة مشهورة طالما كان يرددها، وهي قوله: “لا تسأل ماذا قدمت لك أمريكا، ولكن اسأل نفسك ماذا قدّمت أنت لأمريكا”.

نعم، إنها جملة رائعة وحكمة باهرة استحقت مني أن أحفظها، بل وأن أكتب عنها لإخواني وأخواتي أبناء وبنات المشروع الإسلامي قائلًا لكل واحد منهم: لا تسأل ماذا قدمت لك الدعوة ولكن اسأل نفسك ماذا قدّمت أنت للدعوة”.

نعم، إنها الحكمة قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: “الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها”.

فلعل من بيننا من أتعبه طول المشوار ففضل أن يستريح ولا يكمل المسيرة في موكب النور والدعوة، ولعل من بيننا من يزرع في المساء ويريد أن يحصد مع طلوع فجر اليوم التالي، ولعل من بيننا وبدلًا من أن يحمل الدعوة وإذا بالدعوة تحمله، ولعل من بيننا من يظن الدعوة مكانًا مناسبًا ومرتعًا خصبًا فيه يحقق بعض رغباته الشخصية ونزواته الذاتية، فلمّا لم يتحقق له ذلك فإنه اعتمد سياسة أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم، وإذا به يبدأ يقول وماذا قدمت لي الدعوة، وماذا وماذا؟!

إن الابن البار لدعوته هو الذي لا يشغلها بمشاكله ونزواته ولا بمزاجه المتقلب بين الرضا والغضب، ولا الذي يصنع من الحبة قبُّة كما يقولون، ولا الذي يريد تفسيرًا للنظرة أو الكلمة يظن نفسه المقصود، وإلا أزبد وأرغد. وإنما الابن البار هو الذي يساهم مع دعوته ويسخّر إمكانياته، أو على الأقل يعطي لدعوته الفرصة فلا يشغلها بذاته ليدعها تنشغل بمعالجة مشاكل الدعوة الكبيرة وهموم الأمة الأكبر.

إن الفهم السليم والصادق للانتماء لهذه الدعوة، أننا يجب أن نعطيها لا أن ننتظر ماذا نأخذ منها، أن نقدم لها لا أن تقدم هي لنا، أن ننفق نحن عليها لا أن تنفق هي علينا، لأن هذا شأن المفلسين الفارغين.

أما صناع الحياة بناة الدعوات فعنهم قال الكاتب الإسلامي العراقي الكبير الأستاذ محمد أحمد الراشد في كتابه صناعة الحياة: ” صانع الحياة يدوس الألقاب برجله ويحطمها، ويمضي يصنع الحياة من موطن التخصص والفن والابداع… وهو مليء النفس ولا يحتاج أحدًا لملئها، الذي يطالب بالمسؤوليات والألقاب الدعوية والنقابة والإمارة على المؤمنين، إنما هو العاجز الذي لا يحسن علمًا ولا تخصصًا ولا فنًا، فيطلب التعويض بإنعام الألقاب عليه ويعارك ويختلف ويناضل دون مكتسباته السابقة ويملأ الكواليس همسًا وسعيًا..”.

 

الرجال لا يخافون الأحمال

إنها الدعوة أيها الإخوة يجب أن نحملها نحن ولا تحملنا هي، فنكون عبئًا ثقيلًا عليها، إنها الدعوة يجب أن نعطيها زبدة فكرنا وجل وقتنا لا أن نمن عليها بفضل الوقت وفضل المال وفضل الجهد، إنها الدعوة التي لن نكون نحن إلا بها، أما هي فإنها ستكون بنا وبغيرنا. يقول كذلك الأستاذ الراشد في كتابه المسار: “لن يذوق الداعية المسلم حلاوة الحياة ما لم ترتجف يده إنهاكًا إذا رفع قدح الماء إلى فمه يريد أن يرتشف، ولا يحق له أن يظن في نفسه أنه مشارك ما لم ينم جالسًا يغلبه الإعياء.

أم يرضى البعض بهذا التعب، لكنه يحسب حساب المضايقة الحكومية والحزبية. فلهاذا الحساب عجب أكبر، إذ لسنا إلا دعوة تغير تنهى عن المنكر، وتقاوم الظلم وتضع أمامها احتمال السجون والهجرة والدماء.

البقية الدنيوية فينا هي التي تمنعنا أن نخبر نساءنا عند خطبتهن وهن في بيوت آبائهن أن حياتنا معهن قصيرة، وأن المصالح اليومية لدعوتنا مقدمة على حقهن.

إن الدعوة أيها الإخوة ليست هي العنوان لإيجاد أماكن عمل للعاطلين ولا لإعطاء أوسمة للمقصرين، إنها كالغدير الصغير، فلو أن كل واحد حفر ترعة عند أول مجراه وبداية سيلانه، إذ من أين للغدير أن يسد حاجة الجميع، ولكن لو أن هذا الغدير يرفد بروافد أخرى لأصبح كبيرًا جارفًا، إننا جميعًا روافد هذه الدعوة نَصُبّ فيها جهدنا وعقلنا ومالنا ووقتنا لنرى بعد ذلك كيف سيعم خيرها علينا وعلى الآخرين، ولن تقدر على إيقاف مدها وسيلها المبارك كل قوى الشر ولو اجتمعت، ولقد قالها جون كندي في جملة وحكمة أخرى مشهورة له: “لا تدع الله أن يخفف حملك، ولكن ادع الله أن يقوي ظهرك”.

نعم، إن الذين يخافون الحمل الثقيل هم الأطفال الصغار، ولكن الكبار والأقوياء والعظماء هم الذين لا يفرون من الحمل الدعوي، والوطني، والديني، ولكنهم هم الذين يدعون الله تعالى أن يقوي ظهورهم ليعينهم على أداء الواجب وتقديم المزيد، فلو لم يكونوا هم لدعوتهم فمن يكون لها؟!

نعم أخي، اجلس مع نفسك واسألها هل أعطيت دعوتك ما تطلب منك، هل تساهم فيما تشعر أنه واجب عليك ولو لم يطلب منك أحد، هل تشارك دعوتك همومها أم أنك تجلس على مدرج حلبة المصارعة وهمُّك فقط أن تنظر من المنتصر لتقف معه وأنت ترى أن دعوتك تصارع أعداء كثيرين كلهم حقد ولؤم يريدون الإجهاز عليها؟

لقد قالها ذلك الرجل: “لأن أكون ذيلًا في الحق أحب إلي من أكون رأسًا في الباطل”. فاجعل من نفسك سهمًا في جعبة الدعوة تصوبك دعوتك وتُطْلِقك حيث تشاء، ولا تجعل من نفسك خنجرًا في ظهرها، اجعل من نفسك حجرًا صلبًا من حجارة جدران بيت الدعوة ولا تجعل من نفسك ثقبًا وخرقًا تدخل من خلالك الريح والجراثيم والمكاره والأذى لبيت الدعوة.

 

الدينامو والمحرك

عظيمة تلك الكلمات التي قالها المرحوم مصطفى السباعي لمّا قال: “أعظم مصيبة للحق في جنوده اليوم، فتور عزائمهم وقد كانوا في صدر الإسلام يكهربون الدنيا بنبضات قلوبهم”.

فلماذا وكيف ترضى لنفسك أخي أن تكون من الفاترين؟ وأنت كذلك، كيف ترضين يا أخت سمية والخنساء لنفسك ان تكوني من القاعدات؟ إذ الواجب يحتم علينا والغيرة على الإسلام تلزمنا أن نجعل من ذواتنا وقودًا لهذا الإسلام نمده بالطاقة والقوة والعطاء، فالذين رضوا لأنفسهم أن يرموا دعوتهم بسهامهم وسلطوا عليها ألسنتهم.. إننا نقول لهم إنها الدعوة لا نخاف عليها ولكنه الخوف عليكم أنتم من أن تجنوا على أنفسكم.

ولقد قالها كذلك الأستاذ الراشد: “وهو الله يتولى حفظ الجماعة من ذي سوء يخادعها، ليست حراستنا ولا أنظمتنا، ولنتذكر دائمًا أن الجماعة أقوى من الفرد مهما تفاصح وتمسكن، تغلبه في النهاية إذا غالبها، وعلينا أن لا نخاف من فرد أبدًا ولا من جماعة جمعها فرد من منطلقات التوتر والمنافسة، لذلك يجب أن ندع الدعاة يجربون صناعة الحياة، والموفق من سيوفقه الله وتثبت قدمه ويآخي ويبطن النصح ويبذل الخير والمتطاول سيشجه السقف فيتأدب”.

نعم أخي، فلا ترفع رأسك فوق سقف دعوتك، واعلم أن الدعوات لا تقوم على فضائل الأوقات، وإن تحقيق الآمال لن يحصل مع البخل بالمال، وإن رسم معالم الغد لا يكون إلا ببذل الجهد.. فتقدم واعط دعوتك ولا تنتظر منها المقابل، ولا بأس أن تحفظها حكمة من جون كندي، وإننا نذكّرك بمثلها فنقول لك: لا تسأل ماذا قدّمت لك الدعوة، ولكن اسأل نفسك ماذا قدمت أنت للدعوة. ولا تسأل نفسك ماذا قدّم لك الإسلام، ولكن اسأل نفسك ماذا قدّمت أنت للإسلام.

 

وسيلة وليست غاية

يوم أول أمس الأربعاء 17/11 كانت الذكرى السنوية السادسة 17/11/2015 للقرار الظالم بإخراج الحركة الإسلامية خارج القانون وحظرها وإغلاق مؤسساتها وجمعياتها ومنع العمل بل وتجريم الانتساب إلى هذا الاسم وهذه الحركة التي كان يرأسها أخي فضيلة الشيخ رائد صلاح وقد كنت نائبه في خدمة هذه الدعوة وخدمة قضايا شعبنا.

نعم لقد تم حظر الحركة الإسلامية التي كان موقفها واضحًا من رفض المشاركة في انتخابات الكنيست الصهيوني، وكان موقفها أوضح من قضية وحدانية حقنا في المسجد الأقصى المبارك وفي أي حق لليهود في أي ذرة تراب واحدة في ساحات وحيطان وأرض وسماء المسجد الأقصى المبارك.

ففي الوقت الذي حظرت فيه الحركة الإسلامية فقد تم فتح كل الإمكانات وتشريع كل الأبواب لمن عملوا تحت نفس اسم الحركة الإسلامية، لكنهم اختاروا الخوض في مستنقع انتخابات الكنيست الصهيوني، بل إنهم أصبحوا شركاء في الائتلاف الحاكم وصل إلى حد قبولهم وبصراحة على لسان رئيس قائمتهم منصور عباس بأن لليهود حق بالصلاة عند حائط البراق في هذه المرحلة، ولعل في مراحل أخرى يتم إقرار صلاتهم في داخل ساحات المسجد الأقصى المبارك.

إن الحركة الإسلامية لم تكن غاية في ذاتها وإنما كانت وسيلة من الوسائل أردنا بها خدمة المشروع الإسلامي، فإذا كانت الحركة الاسلامية قد حظرت قبل ست سنوات فإن خدمة المشروع الإسلامي لا بد أن تستمر، ولا بد أن يبدع أبناء مشروع الإسلامي في فنون هذه الخدمة للإسلام، لا بل إنهم مطالبون أكثر من أي وقت مضى بشحذ الهمم وحشد الطاقات بها يكهربون واقعهم ومحيطهم بنبضات قلوبهم وغيرتهم وحبهم لنصرة الإسلام.

أخي وحبيبي وفقك الله لما يحبه ويرضاه وسدد على الحق خطاك.

نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى