أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

نعم.. ثمة أمل

ليلى غليون

مهما غطى السواد وجه الحياة وسربل أجزاءها وتفاصيلها، ومهما بهت لونها في نظر البعض وأصبحت بلا لون ولا طعم، تبقى هناك نافذة مشرع بابها تطل منها بعض خيوط أشعة الشمس تحمل بشائر الأمل وتبث روح التفاؤل في نفوس عطشى لجرعة فرح، نعم.. تنشر بصيص أمل يتوهج بقوة يلامس قلوبا مضطربة أعيتها الشدائد والملمات يخبرها أن القادم أجمل بإذن الله.

أمل منبعث من أعماق المحن والمصائب، لا يفتأ يهمس بداخلنا بصوت حنون دافئ يطمئننا يبشرنا أن الأمور ستكون بخير، أمل مرتبط بالثقة بالمولى عز وجل وموصول بحسن الظن به جل في علاه أن الخير كل الخير فيما اختاره الله لنا، وأنه في كل محنة وفي كل أزمة وفي كل شدة هناك منحة وهناك فرج وهناك خير سيعم ولو بعد حين، فقط ثق بالله وبمعية الله يا صاحب الهم، واعلم أنه سبحانه يسمع أنينك ويسمع تضرعك ويرى دمعاتك، وهو عز وجل عالم بأحوالك وآلامك، وهو الكريم الذي وعدك بالأمل: “وقال ربكم ادعوني أستجب لكم”.

إنه الأمل ذاك الإيمان الراسخ، بل هو العبادة التي يؤجر المرء عليها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل من فضله وأفضل العبادة انتظار الفرج” أخرجه الترمذي. وهل انتظار الفرج غير أمل متقد في النفس لا يخبو أواره، وهل هو إلا الرجاء فيما عند الله تعالى؟

فمن ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، توهجت شعلة الأمل تضيء حجرات قلبه التي اهتزت أركانها من خشية الله، شعلة أمل تضيء عتمات الزمان والمكان ثقة برب كريم الذي يغفر الذنوب ويعفو عن كثير، إنه نبي الله يونس عليه السلام الذي نادى في أحلك الظروف وأصعبها وأشدها واستحالة النجاة منها في المقياس المادي والبشري، نادى بثقة وأمل بمن يجيب المضطر إذا دعاه (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) ليأتيه الغوث والمدد والاستجابة الفورية: (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين)، أليس هو نبراس الأمل واليقين الذي بدد تلك الظلمات وحبل اليقين الذي لا ينقطع أن هناك ثمة مخرج؟

وإنه زكريا عليه السلام الذي بلغ من الكبر عتيا وغزا رأسه المشيب وامرأته عاقر، وكل الأسباب الأرضية والمادية والحسية حكمت بأنه من المستحيل أن يكون له ولد في يوم من الأيام، ولكنها فسحة الأمل التي لم تفارقه لحظة، والثقة بمسبب الأسباب ومغير الأحوال والأقدار، لم تغب عن روحه وفؤاده، ثقة بالمنعم المتفضل الذي يقول للشيء كن فيكون، ليطلقها دعوات في جوف الليل تطرق أبواب الوهاب الرزاق أن يمن عليه بنعمة الولد لتأتيه البشارة بيحيى عليه السلام بعد أن أصلح الله له زوجه.

وهذا يوسف عليه السلام والذي عاش الابتلاءات منذ طفولته، والذي كان كلّما خرج من محنة داهمته محنة أشد من سابقتها لتأتي الآية الكريمة في سورة يوسف تلخص حكايته المشرفة بل المشرقة كما جاء على لسان والده يعقوب عليه السلام: “ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون”. إنها النفوس المؤمنة التي اخترقت عوالم اليأس وطردته بعيدا فلا يعرف إليها سبيلا، (ولا تيأسوا من روح الله…) إضاءة والابتلاءات والمحن على أشدها، لتعقبها بشارات ومنح، فمن البئر إلى القصر إلى عزيز مصر.

وإنه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم والذي كان الأمل حاضرا بقوة في حياته الشريفة، يصنع الأمل في أصعب الظروف وأشدها حلكة وهو محاصر من كل الأحزاب وقلوب صحابته قد بلغت الحناجر، ليحمل فأسه متوكلا، وبكل ضربة فأس يشع أمل يربط به على قلوب أصحابه، وصوته الشريف صلى الله عليه وسلم يعلو بالتكبير(الله أكبر فتحت الشام، الله أكبر فتحت اليمن الله أكبر فتحت فارس) يطمئنهم ويشحذ هممهم ويبشرهم بالنصر والتمكين.

ونحن إذ نعيش في ظروف تغشاها كل سمات الجاهلية، في هذا الزمن البائس زمن الهزائم والانكسارات والانبطاحات والجراحات، زمن الفقر الاخلاقي وكثرة المشاكل والابتلاءات والهموم وخنق الأنفاس وكثرة الظلم وحكم السفهاء وضياع الأوطان والمقدسات، زمن يكاد يُسمع في داخل العديد منا صوت خافت يئن بألم وحسرة يقول في كل لحظة أننا لسنا بخير، في ظروف كهذه، ومع كثرة المحبطين والمثبطين ممن يبثون روح التشاؤم والانكسار بين الناس، لا بد لنا أن نخالف كل إشارات الإحباط المنتشرة في دروبنا، وأن نتنفس الأمل ولا نصغي لصوت اليأس المنبعث سواء من داخل نفوسنا أومن خارجها، لنستعيد قوتنا لنمضي في الحياة، لا بد لنا أن نستمسك بحبل التوكل وحسن الظن بالله الذي لا ينقطع والذي يحمل بشريات الفرج مهما ضاقت سبل الحياة وصعبت ظروفها.

إن بثّ روح الأمل والتفاؤل بين الناس من واجبات الوقت الملحة، خاصة واليأس أرخى سدوله من كثرة الابتلاءات والفتن، والعديد قد وقعوا صرعى أمامه، فما أجمل أن نصنع الأمل في ذواتنا في بيوتنا في أصدقائنا في أحبائنا في كل من حولنا، في نفوس صادرها اليأس وصادر أجمل ما فيها وتنتظر أن يعود لها عبق الحياة من جديد، في قلوب احترقت من حرارة الألم تنتظر بعض قطرات أمل تنعشها وتحمل لها البشرى أن القادم أجمل ويحمل في جعبته الخير الكثير، ما أجمل أن نمسح دمعة مهموم ونخفف عن مكروب ونذيب جليد اليأس الذي تراكم على قلبه ونغرس فيه جمال الروح بأمل الرجاء في أرحم الراحمين، فبالأمل والتفاؤل يتحول كل سواد الحياة لألوان الطيف المشرقة، وبالتفاؤل تستنهض الهمم، ونحن من نصنع الأمل في حياتنا، ولنا في الله تعالى غاية الأمل والرجاء والمنى.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى