أخبار عاجلةمقالات

الصخرة الجاثمة والربيع المنتظر

أسماء علي كريم

الأقصى يستصرخُ فيك بقية الجميل الذي أسداهُ إليك فهل أصغيتَ للنداء؟ قبلةُ العابدين وملاذُ المستجيرين وصدى المستغيثين بالله كنتُ ولا أزال، فهل نسيتَ خيري وهجرتَ وصلي؟

كما تنتعش الأرضُ بماء السماء، كنتُ أنعشُ روحك بغيثِ السكينة وأملأُ قلبك بفوح السعادة، فلا تجد جالسا في رحابي إلا مستريحا هانئا ساكنا، مستعدا للبذل، مقبلا على الخير، فهل مللتَ الصحبة وأنفتَ عن اللقاء؟

كنتُ كالأم الحنون في ساعات قوتي تضمُكم ساعدي وتفرغُ عليكم الأمان مقلتاي، فلماذا لم أجد ساعدًا ولا حضنًا يضمني حين ضعُفت قواي واستحكم بساحتي البغاة؟ هل هذا جزاء من برَّك ووصلك، ورعاكَ وأسعدَك؟

تمر بي أيام كيدٍ وضيق، وتتناوش الذئاب في جسدي العفيف، وتتطاول المخالب لتدنيس محرابي العتيق، وأنت بعيدٌ عني مسترخٍ في غيابة الجُب لا تسمعُ الصريخ! من يسمعُ نِدائي إذا أنت نمت؟! من يمسحُ دَمعي إذا أنت غبت؟! من يضمدُ جُرحي إذا أنت تقاعَست؟! ألم تحركّك الأنفةُ والمروءة؟ ألم تشتعل في حناياك هبةُ الرجولة؟ ألا تغار! وأنت تعلم أن الله قبح من لا يغار!

في هذا الزمان المرّ، تضطرب الأحوال وتوشك صخرة كبيرة أن تغلق الغار، والأمة السليبة تزدحم في أعطافها الفتن، وتعصف رياح الأزمات وتشتعل بساحتها القلاقل، والصخرة تسد بقوةٍ فمَّ الغار.

فإن لم تتحرك أنت ومن معك لتزيح الصخرة فمن يفعل؟ إن لم تسرج ليلك بقيام قانت لله وحده تتضرع وتستغيث لحالي، وأحوال الأمة فيا حسرتاه!

إن لم تصلح نفسك وتهدِ غيرك، وتنمُ باكورة التغيير ليحل الصلاح في الأرجاء والأعتاب فقد ضيعتنا ويا ويحك إن فعلت، فهي سبّة الدهر أن يقال قد ضيعت من حفظك فبئس الصنيع وقد أنكرت الجميل وبخلت بالقليل، فبئس الضجيع.

إن لم تزدهر في قلبك آيات الكتاب فتسرج بها روحك العطشى وتبل بها نفسك القاحلة، وتنمي بها بذور العمل للإسلام فلن يجري إليَّ نهر الحياة ولن أشمَّ فوح الأزاهير ولن أتذوق ثمار التغيير، وسأبقى رهين الأسر، وستبقى الصخرة تتحجر بثقلها على جسدي في نير الظلم في صحراء القيد والكرب؛ حتى تستيقظوا أو تندموا ولات حين ندم.

فمن يفتح الغار ومتى تنزاح الصخرة؟ ‏ومن يفلَّ قيد الأسر الذي طال ويلبسني ثوب الطهر والحرية، وينور أرجائي بمجالس الذكر والعلم؟!

يا أهلا بالذكرى العطرة لمجالس العلماء الغزالية والنووية والتي كانت يوما من الدهر زينة ساحاتي ومصاطبي، كانت تشدُّ إليها الرحال من كل شعب وواد اقدام واقلام، وفاضت المحابر بمآثر الإسلام وسنن الهدى، وسطّرت صفحات نيرات من تاريخ الإسلام المقدام، فمن يعيد للأقصى مجده ويقر عينه بخير مجالس وخير جالسين، ومن يرفع راية النصر؟

يا أيها اللاهي بين صفحات الحياة عن وصلي ورضائي، ألا فأعلم أنه إذا تناثرت أوراق الأشجار وصارت عارية عن ثوبها الأخضر، تاقت للربيع وكسوته البهية النظرة، التي تبهج الناظر، فتذكر أن الاقصى تناثرت عنه الأيدي الداعمة وتفتت البقية الباقية من نخوة كثيرين، وصارت تتوق إلى كسوة تبعث الدفء والأمان في الأنحاء وتنشر أثير التأييد والانتصار في الأجواء، فلعل كسوة ربيع الأشجار التي يعقب الشتاء القارص، لعلها تبشر بربيع الأقصى والقدس بعد شتاء الفتن والمحن والقيود، ولعل ضوع عبير الأزاهير يتناغم وفوح عبير الأقصى فتتنفس الأرض الصعداء ويضيء دربي، درب السعداء.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى