أخبار عاجلةمقالاتومضات

تهادوا..

لميس سعادة خديجة عسلي- عاملة اجتماعية (جمعية سند لصلاح الأسرة وبناء المجتمع)

عندما قرأتم العنوان لا شك أكملتم الحديث: “تهادوا تحابوا” كما قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. يعد هذا الحديث من أشهر الأحاديث المستخدمة في المجتمعات العربية والاسلامية. أصبح “تهادوا تحابوا” شعارا لكل الناس، صغارا كانوا أو كبارا. نرى الجميع يسارعون في تقديم الهدايا في كل المناسبات. مثل العزاء، العمرة، أعياد الميلاد، البيت الجديد، الخطوبة، الولادة، الطلاق، الزيارات العادية اليومية، الزواج، التخرج ولن يكفي هذا المقال لذكر كل المناسبات التي يتم تقديم الهدايا فيها.

تتراوح الهدايا بين، المال، الذهب، الفضة، الملابس الاشغال اليدوية، الأدوات المنزلية، الكتب وغيرها الكثير. من الباهظ جدا جدا حتى الرخيص جدا جدا. فالمحلات تكتظ بمنتجات وهدايا مختلفة ومتنوعة لكل المناسبات. وهدف الهدية هو توطيد أواصر المحبة والتآلف بين الناس. نشر المحبة بين العائلات والأصدقاء وبالتالي نشر الألفة والطمأنينة والمحبة في المجتمع. والهدية هي إحدى لغات الحب الخمس لما لها من أثر طيب على النفس.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا: “لماذا رغم كمية الهدايا التي تملأ بلادنا، لم ينتشر الحب بين الناس؟ لماذا ينتشر العنف والتباغض والتحاسد؟ لماذا لم تؤد الهدية دورها في تأصيل الحب والمودة بين الناس؟ لماذا لم يتحقق الحديث فينا؟ أين الخلل؟

أود ان أقص عليكم قصة القطة ذات الشريط الأحمر: يحكى أن لدى الحجة سنية قطة بيضاء جميلة. ولدت قطتها وأنجبت سبع قطط صغيرة. عندما كبرت القطط لم تستطع تربيتهم وهنا خطرت في بالها فكرة، حملت واحدة منها ووضعت شريطا أحمر حول رقبتها. وضعتها في سلة مزينة وغطتها بقطعة قماش حمراء. تذكرت جارتها سعدية أن لديها احتفال بتخرج ابنها، حملت القطة وذهبت لتبارك لهم، وأهدتهم قطتها ذات الشريط الأحمر.

عندما فتحت السيدة سعدية السلة استاءت جدا فهي تحب النظافة ولا تطيق أن ترى شعر قطة على الكنبة وفي كل مكان. وهنا تذكرت جارتها المريضة التي تسكن في الطابق الرابع، أعادت القطة للسلة وصعدت للأعلى. دقت على الباب، زارت جارتها المريضة واهدتها قطة بشريط أحمر.

ولكن بعد أن غادرت وفتحت المرأة السلة، صرخت فهي تخاف جدا من القطط. صرخت وانهارت فأسرع ابنها من غرفته على صراخها، عندما رأى القطة فهم الحكاية وقال: “لا تقلقي يا أمي سأبعدها” أعاد القطة للسلة وحملها وتذكر أن غدا يوم ميلاد اخته. ذهب ليبارك لها ويهديها لها.

عندما وصل لبيت أخته، عطست أخته وانتفخ وجهها، عندها تذكر أن اخته تعاني من حساسية من القطط. حمل السلة بسرعة ووضعها في الشارع. ظلت القطة تموء وتموء حتى مرّ ابن السيدة سنية، حمل القطة وعاد للمنزل. نظرت السيدة سنية للقطة وللشريط الأحمر وقالت: “قطتنا عادت إلينا”.

هذا ما يحصل للأسف مع الهدايا التي نقدمها فقط لأنها واجب اجتماعي يثقل على كاهلنا ونود أن نتخلص منه. فنقوم بتقديم هدية من الموجود بالمنزل، شيء لا أرغب بالاحتفاظ به في المنزل، شيء أهديته ولكنه لا يعجبني. تذكروا الصناديق التي في المخزن وتسمى بهدايا العمرات والحج، أو هدايا لا حاجة لي بها ولن استعملها وتنتظر دورها.

لتنشر الهدايا المحبة يجب أن نختارها بعناية، فهناك أسس لاختيار الهدية وطرق لتقديمها. بالإضافة لذلك لا يجب أن تكون الهدايا فقط واجبا اجتماعيا، إنما يجب أن تكون نابعة من القلب لتصل لقلب الشخص المقدمة له. لا تقدموا الهدايا ليل نهار كي تحتفظ بمعناها. قدّموها في الأوقات الخاصة المميزة للشخص الآخر. قدّموها لأنكم تريدون وليس لأنكم مجبرون. الهدية التي لها أثر لا ينساها صاحبها ولا يضعها في صندوق الهدايا المعد لإعطائه لشخص آخر. الهدية التي هدفها محبة الله هي التي تصل للقلب وليس هدفها أن أعيد له هدية لأنه احضر لي هدية.

أذكر هنا أسس اختيار الهدايا التي سيكون لها أثر على المتلقي:

  1. أن تلبي حاجة عند المتلقي: معرفتك بالشخص الذي تود أخذ الهدية له وما يحتاجه سيساعدك باختيار الهدية. هدية يحتاجها سيستعملها فور اعطائه لها، أعرف أنه يحتاج لباسا جديدا، طقم صحون، أقلاما أي شيء، عندما أحضره له سيفرح ويستعمله فورا. بعكس الشخص الذي أحضرت له حقيبة فقط لأنها أعجبتك، يأخذها ويضعها في خزانته التي فيها مئة حقيبة. لن يفرح بها بل ستشكل عبئا عليه.
  2. تكون من اهتمامات الطرف الآخر: معرفتك بالشخص ستجعلك على معرفة تامة بالأشياء التي يستمتع بها. مثلا يحب القراءة فتهديه كتبا جديدة، يحب الأشغال اليدوية تهديه كرتا للاشتراك في ورشة مثلا. لا يجب ان تكون الهدايا فقط شيئا ماديا محسوسا. ممكن تكون اشتراكا في ورشة، احتفالا، رحلة. هدية تعكس اهتمامات المتلقي ستجعله يفرح بها كثيرا لأمرين: الأول أنه شعر انك مهتم به والثاني أنك تعرفه.
  3. أن تكون ضمن الميزانية: لا ترهق نفسك بهدية غالية الثمن ولا رخيصة جدا. إنما ضمن ميزانيك بحيث تفرح المتلقي ولا تشكل عبئا عليه ولا عليك.
  4. المال: هناك أشخاص يحبون ويستمتعون باختيار الهدايا بأنفسهم. هذا يفرحهم أكثر من أن تحضر لهم أنت هدية. لذلك إذا عرفت أن الشخص الذي ستعطيه الهدية من هذا النوع. احرص على أخذه لاختيار الهدية التي ترغب بتقديمها له أو قدم له مبلغا من المال ليحضر ما يريد.
  5. لا تكرر: إذا عرفت شخصا يحب شيئا لا تكرر الهدية مرارا وتكرارا مما ينفره من الشيء. مثلا، شخص عرف أن أحدهم يحب البيجامات وفي كل مناسبة يقدم له البيجامات حتى ضاق ذرعا بهذه الهدية، وأصبح يمقتها.

وبعد أن تختار الهدية، اختر الوقت الملائم لتقديمها والطريقة التي تقدمها بها، غلّفها بطريقة جميلة وجذابة، أوراق ملونة، ورود وغيره من الأشياء المحببة للنفس. ولا تنسوا أن تستخيروا قبل اقتناء أي هدية. فنحن نبتغي نشر المحبة بين الناس بهذه الهدايا. ولا تنتظر أن يعيد لك الشخص هدية أيضا. اعط الهدية من محبة وليس لتحصل على هدية، هكذا نحقق تهادوا تحابوا.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى