أخبار عاجلةمقالات

ومضات من الغرفة العلاجية (1): عندما تُفتقد الأسرة..

هناء واصف حسن- عاملة اجتماعية (جمعية سند لصلاح الأسرة وبناء المجتمع)

عاشت وحدة شديدة منذ نعومة أظفارها، وها هي اليوم على أعتاب عقدها الثالث ولا زالت تعيش ظروفا مشابهة! فقد انفصل والداها عندما كانت في الرابعة، فرحلت الأم لبلد آخر واختار الأب لنفسه حياة جديدة ليتركها وأختها، ابنة الثالثة، في بيت عمتها كي تشرف على تربيتهما! لم تفهم إلا بعد أن كبرت أنّ عمتها كانت تعاني من مرض نفسي جعلها وأختها تعيشان حياة أشبه بفيلم رعب يومي من تكسير وتعنيف لفظي وجسدي. أنهت تعليمها الثانوي بصعوبة، فقد تم تمزيق كتبها مرات عديدة في خضم ثورات الغضب الكثيرة لدى عمتها. ثم قررت الزواج مع أول فرصة، فتزوجت في سن الثامنة عشرة من عمرها، لكن مع الأسف لم يدم هذا الزواج سوى عاما واحدا ليضيف إلى سجلّ آلامها آلاما جديدة. تنظر إلي بتردد، تتفحص ردود أفعالي وكأنها تتساءل إن كنت أستطيع أن أفهم أو أشعر بما تمر به، تعتذر مرارا، وتتساءل بتردد إن كانت تستطيع أن تستمر في القدوم للجلسات. فأرى الطفلة التي نشأت بوحدة، بألم ورفض، غير قادرة على بناء علاقة، ولا تشعر أنها تستحق أن يعطيها أحد من وقته واهتمامه!

تعاني هذه السيدة اليوم من مشاكل صحية عدة أيضا، لكنها لا زالت وحيدة، لا تجد من يهتم لحالها، أو من يرافقها للطبيب أو من تشاركه بما تمرّ به من مواقف. حتى أنّ علاقتها بأختها الوحيدة محدودة جدا، بل ومتوترة أحيانا كثيرة، فكلتاهما تفتقدان إلى مهارات التواصل والدعم لبعضهما البعض، وكل واحدة منهما تعيش في عالمها. وقد نشأتا مع قصص الطفولة ذات النهايات السعيدة، ولكن مع الأسف فالحرمان العاطفي وفقدان المثال السوي والسليم يجعل من المستحيل خلق مثل هذه النهايات السعيدة. 

 يتحدث أحد علماء النفس ويدعى “كوهوت” عن أحد الاحتياجات النفسية الأساسية لدى الفرد في الطفولة المبكرة وهو ما يسمى “بالمرآة” حيث يتعرف الفرد على نفسه من خلال الآخر القريب منه: من يكون، هل هو مميز، هل هو مرغوب أو محبوب، هل ذكي أم غبي، هل ناجح أم فاشل وغيرها مما يبني شخصيته وفقا لهذا المرآة. 

وإذا ما نظرنا إلى ما عايشته هذه السيدة، فسنرى أنها لم تعرف مثالا جيدا عن العلاقة الأسرية: ماذا يعني أب، ماذا تعني أم، ماذا يعني زوجان أو حتى عائلة! فكان من الصعب أن تكون حياتها بعيدة عما عاشت! كما أنها لم تعرف عن نفسها إلا الرفض- مرآتها مؤلمة جدا عن ذاتها- فجعلت من الصعب، بل من المستحيل أن ترى أو تكون قادرة على بناء حياة أفضل لنفسها.

قد تكون قصة هذه السيدة قاسية جدا على البعض، ولكن وددت من خلالها إلقاء الضوء من خلال هذه الومضة على تأثير “المرآة” التي نضعها أمام أبنائنا ومدى تأثيرها وأثرها عليهم على المدى البعيد. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى